ما هو وَضعُ الأصولِ السياديّة الروسية المُجَمَّدة؟

بَعدَ الغزو الروسي لأوكرانيا في شباط (فبراير) 2022، ردّت الولايات المتحدة وحلفاؤها بمجموعةِ أدواتٍ اقتصاديةٍ مُصَمَّمة لتعزيز قوة أوكرانيا وتقليص قدرة روسيا على شنّ الحرب. وكان من بين أقوى هذه الأدوات تجميد احتياطيات روسيا من النقد الأجنبي واستخدامها كأساسٍ لقرضٍ واسع النطاق لأوكرانيا. ومع سعي إدارة دونالد ترامب إلى إجراء مفاوضاتٍ بدون مشاركة حلفاء أميركا، فإنَّ مستقبل هذا السلاح الاقتصادي غامضٌ للغاية. يتناول هذا المقال التطوّرات الأخيرة في السياسة الأميركية والأوروبية بشأن الأصول الروسية المُجَمَّدة وكيف يمكن أن تلعب دورًا في تحقيقِ سلامٍ تفاوضي.

زعماء أوروبا: مع استمرار السيطرة على الأصول الروسية المجمدة ولكن…

ألكسندر كونر ودايفيد ويسل*

بَعدَ الغزو الروسي الشامل لأوكرانيا، جمّدت الولايات المتحدة وحلفاؤها احتياطيات النقد الأجنبي الروسية في ولاياتهما القضائية. وقدّرَ فريقُ عملٍ معني بالنخبة والأوليغارش والوكلاء الروس -المؤلف من مجموعة الدول السبع والاتحاد الأوروبي وأوستراليا- الاحتياطيات المجمّدة أخيرًا بـ 280 مليار دولار، فيما قدّر العديد من الخبراء (ومنهم البنك المركزي الروسي) قيمة هذه الأصول بما يتراوح بين 300 و330 مليار دولار. في العام 2022، كانت غالبية الأصول المجمَّدة سندات دين مُقوَّمة باليورو أو الدولار الأميركي. وأدارت “يوروكلير” (Euroclear)، وهي مؤسسة إيداع مركزية بلجيكية للأوراق المالية، ما يقارب 200 مليار دولار من هذه الأصول نيابةً عن البنك المركزي الروسي. وتدير “يوروكلير” حوالي 90% من الاحتياطيات المجمّدة في الاتحاد الأوروبي، بينما تحتفظ فرنسا بمعظم الباقي. وتحتفظ الولايات المتحدة بحوالي 5 مليارات دولار.

تحوّلت غالبية سندات الدَين في “يوروكلير” إلى سيولة نقدية بعد استحقاقها. وتُودِع “يوروكلير” السيولة النقدية المُتراكمة في أسواق النقد، حيث تُحقّقُ عائدًا بأسعارِ فائدةٍ قصيرة الأجل. في العام 2024، حققت “يوروكلير” ما يقارب 7 مليارات دولار أميركي من الفوائد على هذه السيولة، والمعروفة باسم “الإيرادات الاستثنائية”. تُحصِّلُ حكومة بلجيكا 25% من هذه الإيرادات الاستثنائية -حوالي ملياري دولار أميركي في العام 2024- وقد التزمت الحكومة بإرسالها إلى أوكرانيا. في أيار (مايو) 2024، طلب مجلس الوزراء الأوروبي -أحد الهيئتين التشريعيتين في الاتحاد الأوروبي- من جهات إيداع الأوراق المالية المركزية الكبيرة، مثل “يوروكلير”، تحويل إيرادات الفوائد المُتبقّية إلى الصندوق الأوروبي لأوكرانيا. سدّدت “يوروكلير” أول دفعة لها بقيمةٍ تُقارِبُ مليارَي دولار في تموز (يوليو) 2024، ودفعت دفعةً ثانية مماثلة في آذار (مارس) 2025.

ولم تتفق الدول الأعضاء في فريقِ العمل المعني بالنخبة والأوليغارش والوكلاء الروس ولا الاتحاد الأوروبي داخليًا على مصادرة الاحتياطيات المجمَّدة بشكلٍ مباشر، مستشهدةً إلى حد كبير بالعوائق القانونية والخوف من تآكل المعايير الدولية. في نيسان (أبريل) 2024، وقّع الرئيس جو بايدن على قانونِ إعادةِ بناء الرخاء الاقتصادي والفرصة للأوكرانيين (قانون REPO)، الذي أجازَ المصادرة في الولايات المتحدة بشرط تعاون مجموعة الدول السبع، لكن إدارة بايدن لم تستخدم هذه السلطة. وبدلاً من المصادرة، وافق القادة على قَرضِ تسريع الإيرادات الاستثنائي في قمة مجموعة السبع في حزيران (يونيو) 2024. وبموجب الخطة، أقرضت مجموعة الدول السبع والاتحاد الأوروبي مُجتمعَين 50 مليار دولار لأوكرانيا، والتي سيتم سدادها من فوائد الأصول الروسية المجمَّدة. والتزمت كلٌّ من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بحوالي 20 مليار دولار؛ قدمت كندا والمملكة المتحدة واليابان المبلغ المتبقّي، حوالي 3 مليارات دولار لكلٍّ منها. صرفت إدارة بايدن الجُزءَ الأميركي من القرض في الأسابيع التي سبقت مغادرة بايدن منصبه. وكشفت المملكة المتحدة وفرنسا عن أول قروضهما في أوائل آذار (مارس) الفائت. ووفقًا للمفوضية الأوروبية، فإنَّ إيراداتٍ استثنائية إضافية من “يوروكلير” “ستُقَدَّم لأوكرانيا بشكلٍ أساسي لتمكينها من ضمان سداد الأموال التي تتلقّاها من مبادرة قرض تسريع الإيرادات الاستثنائي بقيادة مجموعة الدول السبع، بينما سيستمر توجيه جُزءٍ محدود من خلال مرفق السلام الأوروبي”.

موقف الولايات المتحدة من مصادرة الأصول

لم تُفصِح إدارة ترامب عن سياسةٍ واضحةٍ بشأن الأصول الروسية المُجمَّدة. وقد أشار وزير الخارجية ماركو روبيو ومستشار الأمن القومي مايك والتز إلى هذه المسألة، وكلاهما أخطأ في القول إنَّ هذه الأصول قد صودرت بالفعل. وقد أشار المبعوث الخاص كيث كيلوغ مرارًا وتكرارًا إلى استخدام الأصول الروسية. وعندما سُئل عما إذا كانت مصادرة الأصول تُمثّلُ سياسةً للإدارة، قال كيلوغ: “أعتقد أنَّ الخيارات المُتاحة هي ممارسة المزيد من الضغوط – وهذا أمرٌ جيد. لا أعتقد أنَّ ذلك قد تمّ بالفعل، ولكن أعتقد أنَّ الفرصة سانحةٌ للقيام بذلك، وهذا الأمر متروكٌ لرئيس الولايات المتحدة”. وقد جادل نائب الرئيس جي دي فانس ضد المصادرة على أساس أنها قد تُلحق الضررَ بالدولار.

ويؤيّد العديد من كبار أعضاء الكونغرس مصادرة الأصول الروسية المُجمّدة. في مؤتمر ميونيخ للأمن في شباط (فبراير) 2025، كتب السيناتوران جيم ريش (جمهوري من أيداهو) وجين شاهين (ديموقراطية من نيو هامبشاير)، وهما على التوالي رئيس وعضو بارز في لجنة العلاقات الخارجية، والسيناتوران ليندسي غراهام (جمهوري من ساوث كارولينا) وشيلدون وايت هاوس (ديموقراطي من رود آيلاند)، في بيانٍ صحافي أنَّ “أميركا وحلفاءنا عبر الأطلسي يجب أن يفتحوا المزيد من الدعم لأوكرانيا، من خلال الاستيلاء الفعلي على الأصول المجمّدة الأساسية أو من خلال، على سبيل المثال، استخدام تلك الأصول كضمانٍ لقرضٍ آخر أكبر لأوكرانيا”. في آذار (مارس)، كتب السيناتور غراهام وتود يونغ (جمهوري من إنديانا) وريتشارد بلومنتال (ديموقراطي من كونيتيكت) وتيم كاين (ديموقراطي من فرجينيا) إلى الوزير روبيو يطلبون منه توضيح سياسة الاستيلاء التي تنتهجها الإدارة. من بين أمور أخرى، سألوا عما إذا كانت الإدارة تدعم الاستيلاء، وما إذا كانت “ستدفع حلفاءنا في مجموعة الدول السبع للانضمام إلينا في الاستيلاء، وما إذا كانت تدعم استخدام الأموال لشراء معدات عسكرية”.

موقف الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة من مصادرة الأصول

يؤيد وزير الخارجية البريطاني دايفيد لامي المصادرة المباشرة، كما فعل سلفه. ويؤيد الرئيس البولندي أندريه دودا المصادرة، وتضغط الحكومة الإستونية بنشاط على شركائها في الاتحاد الأوروبي بشأن هذه المسألة بدعمٍ من رئيسة الوزراء الإستونية السابقة وكبيرة الديبلوماسيين في الاتحاد الأوروبي كايا كالاس. ويتبنّى آخرون موقفًا أكثر حذرًا. ويؤكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون علنًا أنَّ المصادرة غير مسموح بها قانونًا، على الرُغم من أنَّ فرنسا تجري محادثات مع المملكة المتحدة وألمانيا بشأن خطة لمصادرة الأصول في حال انتهاك روسيا لأيِّ اتفاقٍ مستقبلي. وأفادت التقارير أنَّ المستشار الألماني الآتي فريدريش ميرز أبدى اهتمامًا بالأمر. ويخشى بعض المسؤولين الألمان من أنَّ مصادرة الأصول قد تُضفي مصداقية على مطالبات تعويضات الحرب العالمية الثانية الجارية. كما تتردّد رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاغارد في مصادرة الأصول الروسية خوفًا من تشويه سمعة اليورو؛ إذ لا تزال أزمةُ الديون السيادية حاضرةً في أذهان الكثيرين. وتخشى الحكومة البلجيكية على وجه الخصوص من أن يكونَ الردُّ المالي على “يوروكلير” كارثيًا. وصف رئيس الوزراء البلجيكي بارت دي ويفر عملية الاستيلاء بأنها “عملٌ حربي”. وقد التزمت مجموعة دول السبع والاتحاد الأوروبي بالإبقاء على الأصول المجمدة حتى تدفع روسيا تعويضاتها كاملةً. وتُهدّد الحكومات المتعاطفة مع روسيا في الاتحاد الأوروبي، مثل المجر وسلوفاكيا، بانتظام نظامَ فرضِ العقوبات في الاتحاد، والذي يتطلّب استمراره تصويتًا بالإجماع كل ستة أشهر.

الموقف الروسي من الاستيلاء

يقول المسؤولون الروس إنَّ الاستيلاء على الأصول يُعَدُّ انتهاكًا للقانون الدولي، وإنَّ روسيا ستطعن ​​فيه بجميع الطرق القانونية المتاحة. مع ذلك، لم تطعن روسيا في قانون قرض تسريع الإيرادات الإستثنائية أمام المحاكم رُغمَ الخطابات المتشابهة. كما هدد المسؤولون بمصادرة أصولٍ غربية في روسيا بقيمة تقارب 300 مليار دولار ردًا على ذلك. وقد صادرت روسيا بالفعل أصولًا مادية من شركات أوروبية، وصادرت المحاكم الروسية 440 مليون دولار من حسابات بنك جي بي مورغان في روسيا بعد ساعات من توقيع الرئيس بايدن على قانون إعادةِ بناء الرخاء الاقتصادي والفرصة للأوكرانيين.

ليس من الواضح ما إذا كانت روسيا تتوقّع استعادة الأصول المجمَّدة. أفادت وكالة “رويترز” في شباط (فبراير) الفائت أنَّ روسيا مستعدة للتنازُل عن الأصول في تسويةٍ سلمية بشرط تلبية مطالب روسيا الرئيسة -وهي تنازُل أوكرانيا عن أراضٍ وتجنُّب الضمانات الأمنية- وأن يذهب جُزءٌ من الأموال إلى الولايات الأوكرانية الخاضعة للسيطرة الروسية. إذا لم تُستخدَم الأصول في المفاوضات بشكلٍ مباشر، فمن المرجح أن تظلَّ مجمَّدة لعقود في انتظار تعويضات روسية، أو ما لم يدفع المزيد من العدوان الروسي أوروبا إلى إعادة النظر في الاستيلاء عليها، كما يشير اقتراح ماكرون. ويقول فيليب زيليكو، الزميل البارز في مؤسسة هوفر والديبلوماسي الأميركي الكبير السابق: “في الخفاء، شطب الروس بالفعل هذه الأموال”.

دورُ الأصول في المفاوضات المستقبلية

استبعدت الولايات المتحدة وروسيا أوروبا وأوكرانيا من المحادثات في أوائل العام 2025، مما يُقلّلُ من احتمالية أن تكونَ الأصول عاملًا مؤثّرًا في المفاوضات. قد تتوصّل الولايات المتحدة وروسيا إلى اتفاقٍ باستخدام الأصول، وتحاولان لاحقًا إجبار أوروبا على الموافقة عليه. لكن الاتحاد الأوروبي يدير معظم الاحتياطيات المجمَّدة، وأوكرانيا لها الحق القانوني النهائي في الأصول. من الناحية العملية، يتطلب استخدام الأصول، سواءً كحافز لروسيا أو للضغط عليها من خلال حشد الأموال لدعم أوكرانيا، مشاركة الاتحاد الأوروبي وأوكرانيا. كما يعني تحديد موقع الأصول أنَّ لدى الاتحاد الأوروبي وأوكرانيا خيار استخدامها في مفاوضاتٍ منفصلة مع روسيا إذا رأت أوكرانيا أنَّ نتائج المفاوضات الأميركية-الروسية غير مقبولة.

إذا انضمَّ الاتحاد الأوروبي إلى روسيا أو بدأ مفاوضات منفصلة معها، فمن المرجح أنه لن يكون مستعدًا لطرح الأصول على طاولة المفاوضات ما لم تُقدِّم روسيا تنازلات كبيرة. إنَّ التزامَ مجموعة الدول السبع الكبرى بالحفاظ على الأصول المجمّدة، وانعدام الثقة العام بروسيا، و قرض تسريع الإيرادات الإستثنائية المُستَحِق، سيجعل من الصعب سياسيًا على القادة الأوروبيين إعادة الأصول. إذا اتخذ الاتحاد الأوروبي إجراءً بشأن الأصول، فمن المرجح أن يسعى إلى الحصول على قروض إضافية بدلًا من مصادرتها بشكل مباشر، بغض النظر عن مشاركة الولايات المتحدة. إنَّ استخدام الأصول المجمَّدة ضد روسيا يعزز مصداقية التزام أوروبا بأمن أوكرانيا، ويؤكد الموقف الأوروبي الرافض للشروط الروسية الحالية.

سيؤدي انخفاض أسعار الفائدة إلى إطالة أمد سداد قرض تسريع الإيرادات الإستثنائية، مما يُشكل خطرًا، إذ قد لا يتمكن القادة الأوروبيون من إبقاء الأصول المُجمدة لأجل غير مسمى، ويعود ذلك جُزئيًا إلى عدم اليقين بشأن إجماع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي على إبقاء العقوبات. تدرس بلجيكا خياراتها المحلية في حال انتهاء عقوبات الاتحاد الأوروبي. وقد تتغيَّرُ المشاعر السياسية، وستواصل روسيا التدخل في السياسة الأوروبية، بما في ذلك من خلال الضغط على الدول الصديقة مثل المجر وسلوفاكيا للتصويت برفض العقوبات. على سبيل المثال، أصبحت سلوفاكيا الآن “آخر المستفيدين” من الغاز الروسي بعد توقف شحنات الغاز عبر أوكرانيا، وقد لا تكون مستعدة لمواصلة التصويت ضد المصالح الروسية. هذه المشكلة ليست جديدة، ولكن كلما زاد نفوذ روسيا في الاتحاد الأوروبي، زاد احتمال قدرتها على إزاحة نظام العقوبات بمرور الوقت.

إدارةُ الأصول في المستقبل

إذا صادرت أوروبا الأصول، فستحتاجُ إلى آليةٍ لإدارتها. تتناول المقترحات الحالية أصلًا العديد من التفاصيل. سيتعيَّن على مديري هذا الصندوق توخي الحذر لضمان عدم خسارة الأموال، وبقائها سائلة بما يكفي لإدخالها في المفاوضات. لكن حتى استراتيجية استثمارية محافظة نسبيًا، باستخدام الأصول المصادرة، ستُحقق عوائد أعلى من النظام الحالي القائم على اختلاس الإيرادات. التفاصيل المؤسسية للصندوق، كالحفاظ على تمييز صارم بين الأصول الروسية والإيرادات الاستثنائية، قد تُساعد على إقناع الدول المُشككة بالاحتفاظ بالقدرة على عكس مسارها – على سبيل المثال، إذا ألغت المحاكم الخطة.

Exit mobile version