النظامُ السوري الجديد المُبهَم: هل تَستَطيعُ حكومةُ الشرع توحيدَ بلدٍ مُعرَّضٍ للانفجار؟

سوريا في أمسِّ الحاجة إلى حكومٍة مُستَقرّة وكفؤة، فهي تواجهُ العديد من التهديدات المباشرة. الوَضعُ الاقتصادي لملايين السوريين كارثي، والبلاد على شفا الانهيار. ووفقًا للأمم المتحدة، فإنَّ الاقتصاد في مساره الحالي لن يعودَ إلى مستويات الناتج المحلي الإجمالي التي كان عليها قبل الصراع لما يقرب من ستة عقود.

حكومة سوريا الجديدة: هل تستطيع أن تُوَحِّدَ البلاد وتُعيدَ إليها الاستقرار؟

جيروم دريفون*

في أواخر آذار (مارس) الفائت، شَكّلَ الرئيس السوري الجديد، أحمد الشرع، حكومةً انتقاليةً تُشرفُ على انتقال البلاد من خمسة عقود من الحكم الديكتاتوري. ومَنَحَ بعضُ المناصب الوزارية لشخصياتٍ من خارجِ تيّاره الإسلامي، بما في ذلك تعيين مسيحية وزيرةً للشؤون الاجتماعية، وكرديًا وزيرًا للتربية، ودرزيًا وزيرًا للزراعة، وعلويًا وزيرًا للنقل. تَعكَسُ هذه التعيينات الضغطَ الذي يتعرّضُ له الشرع ليُثبِتَ للحكوماتِ العربية والغربية -وللشعب السوري- قدرته على بناءِ حكومةٍ شاملة تُمثّل الأقلّيات الدينية والعرقية في البلاد. وازدادَ هذا التحدّي صعوبةً مع اندلاعِ أعمال عنفٍ دمويةٍ في آذار (مارس)، حيث استهدفَ مقاتلون تابعون لحكومة الشرع (ولكن ليس تحت إشرافها) الأقلّية العلوية في غرب البلاد، ما أسفرَ عن مقتلِ المئات.

منذ أن اجتاحت قوات “هيئة تحرير الشام”، بقيادة الشرع، شمال غرب سوريا في كانون الأول (ديسمبر) 2024 وساعدت على الإطاحة بنظام الرئيس السوري بشار الأسد، تساءلت القوى الخارجية عمّا إذا كانَ بإمكانِ إسلاميٍّ مُتطَرّف مثل الشرع حُكمَ مثل هذا البلد الكبير والمتنوِّع. بدعمٍ تركي، عملت “هيئة تحرير الشام” في محافظة إدلب الشمالية الغربية خلال معظم الحرب الأهلية السورية وتمكّنت من بَسطِ سيطرتها على المنطقة. لكن من غير الواضح ما إذا كان ما نجحت في تحقيقه في إدلب سينجح في سوريا على نطاقٍ واسع. كما إنَّ الشكوكَ تَحومُ حول صدق الاعتدال الإيديولوجي الذي يدَّعيه الشرع. لقد بدأت الجماعة تحت إسم “جبهة النصرة” ثم “جبهة فتح الشام” كمنظّمةٍ جهادية متحمّسة ومتحالفة مع تنظيم “القاعدة” وتنظيم “الدولة الإسلامية” (المعروف أيضًا باسم “داعش”). ولكن خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، انفصلت هذه الجماعة بعدما تحوّلت إلى “هيئة تحرير الشام” (التي تشكّلت في 20 كانون الثاني/يناير 2017 من خلال اندماجِ كلٍّ من جبهة فتح الشام (جبهة النصرة سابقًا) وجبهة أنصار الدين ثم جيش السنّة ولواء الحق وحركة نور الدين الزنكي) عن كلٍّ من “القاعدة” و”داعش”، مما أوضحَ أنَّ صراعها كان محلّيًا وخاصًا بسوريا. بحلول العام 2020، كانت “هيئة تحرير الشام” تخوضُ معارك ضارية ضد القوات المتحالفة مع تنظيمَي “القاعدة” و”داعش” في إدلب. وبعد إطاحة الأسد، سعى الشرع إلى التواصُل مع الحكومات العربية والغربية، مُقدّمًا نفسه بجدية باعتباره شخصية معتدلة من شأنها أن تحمي الأقلّيات الدينية والعرقية في البلاد.

في الوقت الراهن، يُمسكُ الشرع بزمامِ الأمور في دمشق. ينصُّ الدستور المؤقت على أنَّ الحكومة المؤقتة ستبقى في السلطة لخمس سنوات قبل إجراءِ انتخاباتٍ رئاسية، ما يعني أنه سيبقى في السلطة في المستقبل المنظور. كما إن أقوى الوزارات هي في أيدي حلفاء الشرع، وهو يترأس السلطة التنفيذية. يُقرُّ الدستور المؤقت، الذي أُعلِنَ في آذار (مارس)، بشرعة حقوق، تشمل حرية المعتقد والرأي والمساواة أمام القانون. لكنه يمنح الشرع حرّيةً واسعة. سيشغل منصب رئيس المحكمة الدستورية ويُعيّن ثلث مقاعد البرلمان، بينما ستُختارُ بقيّة المقاعد من قبلِ لجنةٍ عليا – مُشَكَّلة من أعضاءٍ يُعيّنهم هو بنفسه. في أيِّ وقت، يُمكنه إعلانَ حالة الطوارئ وإلغاء الضوابط المؤسّسية الضعيفة عن حكمه. يخشى العديد من المسؤولين الغربيين من إمكانية العودة إلى دولة الحزب الواحد – على غرار نظام الأسد. وينظرُ الكثيرون من السوريين إلى الشرع، وهم مُحقّون في ذلك، على أنه براغماتي مُتطرِّف، مستعدٌّ لتقديمِ تنازُلاتٍ والتخلّي عن التزاماتٍ وتحالفاتٍ مُعقّدة طالما أنَّ هذه القرارات تتوافق مع سعيه الدؤوب إلى السلطة.

مع ذلك، لا يبدو أنَّ سوريا على وشك العودة إلى نظامِ حُكمِ الدولة الواحد، حتى لو كان ذلك ما أراده أو يريده الشرع سرًّا. ما يبرزُ في عهد الشرع هو حكومةٌ تجمعُ بين عناصر الحكم الاستبدادي وتنظيمٍ أكثر اتحادية ولامركزية. تواجه هذه الحكومة مهمّةً شاقة في ترسيخِ قبضتها على سوريا وضمِّ جميع مكوّناتها. من جهتها، تمارس قيادة “هيئة تحرير الشام” سيطرةً مشدّدة على القمة، حتى مع تقديمها تنازُلاتٍ لمجموعات أخرى تسعى إلى دمجها في مستويات أدنى، بما في ذلك الفصائل العرقية المسلّحة التي تُديرُ أجزاءً من جنوب وشرق البلاد. وقد بلغ هذا الجهد منتهاه بالفعل، مع وجودِ اختناقٍ في أعلى المستويات، حيث لا يَتّخِذُ سوى عددٍ قليل من المسؤولين جميع القرارات، وانقسامٍ على الأرض، حيث تقاوم الفصائل المتنافسة استيعابها من قبل النظام الجديد.

طالما بقي العديد من الجماعات، مثل الميليشيات الدرزية في الجنوب الغربي والأكراد في الشمال الشرقي، خارج مدارها، فلن تكون ل”هيئة تحرير الشام” سوى سيطرة جُزئية على سوريا. في مرحلة ما، سيتعيّن على الهيئة إما محاولة استقطاب هذه الجماعات أو مواجهتها أو القبول بواقعٍ فعلي لا تُسيطرُ فيه على كامل سوريا. إنَّ التقاعُسَ عن العمل يُهدِّدُ بجَعلِ إعادةِ بناءِ دولةٍ مركزية أمرًا مستحيلًا. تواجه سوريا مشاكل خطيرة، بما في ذلك انهيار الاقتصاد، واحتمال تجدُّد الصراع الداخلي، والتدخُّل المُزعزع للاستقرار من قبل قوى خارجية. لن تتمكّن حكومةٌ مؤقتة من معالجةِ أيٍّ من هذه القضايا إذا ظلّت سيطرتها على البلاد موضعَ نزاع.

حلقاتُ القوّة

أثبت الشرع و”هيئة تحرير الشام” مرونتهما وقدرتهما على التكيُّف. عندما سيطرت “هيئة تحرير الشام” على إدلب في العام 2019، لم ترفض وتواجه “القاعدة” و”داعش” فحسب، بل نأت بنفسها أيضًا بشكلٍ عام عن الجهادية والسلفية. لقد انسجمت بشكلٍ وثيق مع المذهب الشافعي في الفقه الإسلامي، الذي كان شائعًا بين السكان المحليين، وتصالحت مع المسلمين الصوفيين، وهم أشخاصٌ عاملتهم التجسيدات السابقة ل”هيئة تحرير الشام” كخصوم. لقد تخلّت “هيئة تحرير الشام” عن هدفها المُعلَن سابقًا المُتمثّل في تصحيح معتقدات الناس، وتخلّت عن مبادئها الإيديولوجية وتوجّهاتها السياسية. على سبيل المثال، قررت في العام الماضي تجميدَ قانونٍ أخلاقي اقترحه المحافظون في إدلب، والذي دعا إلى فصلٍ صارم بين الجنسين في معظم الأماكن العامة وفَرضِ قيودٍ على مختلف المسائل الثقافية، بما في ذلك الموسيقى وملابس النساء والمثلية الجنسية. في حزيران (يونيو) 2020، شنّت “هيئة تحرير الشام” حملةَ قمعٍ ضد تنظيم “القاعدة” في إدلب فيما كانت تشنُّ في الوقت عينه حربًا شاملة ضد “داعش”.

استُمِدَّ هذا النهج من تقييمٍ واقعي لموقف الجماعة في أواخر العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. لقد أدركت “هيئة تحرير الشام” أنها لا تملك الكوادر اللازمة لإدارة إدلب بفعالية. كان عليها أن تجذبَ غالبيةً صامتة من المسلمين في المنطقة – أولئك الذين لم يكن لديهم ولاءٌ قوي لأيِّ جهةٍ فاعلة مُعيَّنة وربما رفضوا الآراء الإيديولوجية الأكثر صرامة ل”هيئة تحرير الشام”. عزّزت الجماعة سيطرتها على إدلب من خلال وَضعِ نفسها كبديل من المتطرّفين، مثل “القاعدة” و”داعش”، ونظام الأسد. ولم يترك هذا الواقع مساحةً كبيرة للقوى السياسية المتنافسة. عمليًا، لا تزال “هيئة تحرير الشام” تُفوِّضُ جُزءًا كبيرًا من إدارة إدلب، بما في ذلك في قطاعاتٍ مثل التعليم والصحة، إلى أطرافٍ ثالثة مثل المنظمات غير الحكومية الأجنبية. لم تسمح بأيِّ معارضةٍ سياسية منظّمة أو انتقادٍ لاحتكارها السياسي الإقليمي. ولكن بحلول العام 2024، شعرت بأمانٍ كافٍ في موقعها في إدلب لدرجة أنها خفّفت من بعض ضوابطها الاستبدادية، بما في ذلك فتح المجال لمجموعات المجتمع المدني وتوسيع نطاق شمولية البرلمان المحلي بعد انتشار الاحتجاجات الشعبية في المحافظة. كان الشرع بارعًا سياسيًا في إدراكه أنَّ بقاءَ جماعته يعتمدُ على الحفاظِ على سيطرةٍ سياسية حازمة والسماحِ بمساحةٍ محدودة وغير مُهَدِّدة لحُكمه للأصوات المعارضة والبديلة.

لقد وفّرت تجربة “هيئة تحرير الشام” في إدلب للشرع نموذجًا يُبنى عليه. لكن حُكمَ سوريا بأكملها من دمشق يختلفُ عن حُكمِ إدلب. فكما هي الحال في إدلب، لا يُمكن ل”هيئة تحرير الشام” الاعتماد على عناصرها فقط لحُكم سوريا. فالبلاد أكبر وأكثر تنوُّعًا بكثير من المحافظة نفسها. وللحفاظ على السيطرة، يتعيَّن على الحكومة الجديدة الاعتماد بشكلٍ أكبر على الدول الأجنبية للحصول على الدعم الديبلوماسي -وخصوصًا في ما يتعلق برفع العقوبات- وعلى الدعم المالي والاقتصادي من دول الخليج والغرب لإعادة بناء البيروقراطية وتمويل الجيش. لا يُمكِنُ للحكومة الجديدة فَرضَ آرائها بشكلٍ أحادي في العديد من المناطق، وخصوصًاً تلك التي لا تزال فيها الجماعات المسلحة الأخرى قوية، وحيث تُجبِرُ المعارضة المحلّية الحكومة بالفعل على تقديمِ بعض التنازلات. قد لا يدفع الداعمون الأجانب لسوريا، سواء في الخليج أو الغرب، نحو الديموقراطية، لكنهم يتوقّعون من دمشق ضمان قدرٍ من الشمولية في المشاركة السياسية.

تعمل “هيئة تحرير الشام” من خلال دوائر سلطةٍ مُتعدّدة. يعتمدُ الشرع في الجوهر على جماعته وشبكة من الشخصيات الموثوقة للإشراف على الشؤون السياسية والأمنية والعمليات العسكرية. تتألف الدائرة الثانية من قادةٍ إسلاميين مخضرمين وشخصياتٍ مؤثّرة ذات خبرة في إدارة شؤون إدلب، والذين، وإن لم يكونوا جُزءًا رسميًا من “هيئة تحرير الشام”، إلّا أنهم يلعبون أدوارًا رئيسة في إدارة شؤون الإدارة المدنية. تتألف الدائرة الثالثة من المنخرطين في الميليشيات السورية المدعومة من تركيا، المُنضَوية تحت مظلّة الجيش الوطني السوري. وقد ظلت هذه الجماعات خارج سيطرة الحكومة رُغمَ الجهود المبذولة لدمجها في وزارة الدفاع الجديدة. أما الدائرة الرابعة، فتشمل المجتمعات العربية السنّية التي تسعى “هيئة تحرير الشام” إلى بناءِ قاعدةِ دعمٍ موثوقة للنظام الجديد.

نظّمت الحكومة المؤقتة مؤتمر “حوار وطني” في أواخر شباط (فبراير)، ودعت إليه العديد من الشخصيات البارزة وشخصيات المعارضة، في محاولةٍ لتوسيع القاعدة الاجتماعية لنظام الحكم الجديد. ساعد هذا المنتدى في منح حكومة الشرع الانتقالية غطاءً من الشرعية، بالإضافة إلى دَمجِ الجهات الفاعلة الهامشية التي قد تبقى مُنعَزِلة وقد تعمل كمُفسِدة. لكن هذا النهج قد بلغ حدوده. فقد أدّى اعتمادُ الشرع على شبكة محكمة من المستشارين الموثوق بهم إلى مركزيةٍ مُفرِطة في صنع القرار، مما يثير الشكوك حول الشمولية ويكشف عن نقصٍ في القدرات المؤسّسية. كما إنَّ هيمنةَ أعضاء “هيئة تحرير الشام” وحلفائهم الإسلاميين على الحكومة الحالية قد زادت من مخاوف العديد من السوريين من “أدلبة” الدولة – أي زرع بيئة إدلب الأكثر محافظة وسنّية وثورية مناهضة للأسد في فسيفساء دمشق. في الوقت نفسه، لا تستجيبُ جماعات أخرى التي هي أقل قربًا من “هيئة تحرير الشام”. إنَّ الجماعات ذات النفوذ العسكري والسياسي اللازم لاقتناص مساحات مستقلة –مثل بعض الفصائل الدرزية في الجنوب، أو جماعة جيش الإسلام السلفية السنية، التي تسعى إلى بناء جهازها المدني العسكري الخاص في ضواحي العاصمة– تقاوم مبادرات الحكومة الجديدة. ويتجلّى هذا البُعد عن الدولة بشكلٍ أوضح في حالة قوات سوريا الديموقراطية (قسد) التي يقودها الأكراد في الشمال الشرقي. فقد وافقت “قسد”، التي تُشرفُ على منطقةٍ تتمتّعُ بحُكمٍ ذاتي واسع على طول الحدود مع تركيا والعراق، مبدئيًّا على الاندماج في وزارة الدفاع السورية. لكنها أبقت تفاصيل هذا الاندماج غامضة، بينما طرحت مطالب عدة على الحكومة تتعلق بالدستور المستقبلي، وضمانات حقوق الأقليات، والحفاظ على بعض الاستقلالية العسكرية.

ما يبرزُ الآن ليس دولةَ حزبٍ واحد -خصوصًا وأنَّ “هيئة تحرير الشام” تفتقر إلى القوة اللازمة لتأسيس مثل هذه الدولة- بل دولة استبدادية هجينة أكثر تعقيدًا. في هذا النظام، تحتفظ “هيئة تحرير الشام” بأقوى المناصب بينما تُفوّضُ أدوارًا أقل أهمية لجهاتٍ أخرى. يسيطر الشرع وحلفاؤه إلى حدٍّ كبير على أهم الوزارات -الخارجية والدفاع والداخلية ومجلس الأمن الوطني المُشكّل حديثًا- بينما لا يلعب الوزراء من غير “هيئة تحرير الشام” سوى دورٍ ثانوي. سيُظهر الوقت ما إذا كان هؤلاء الشركاء سيملّون من هذا الترتيب ويقرّرون التوقُّف عن المشاركة فيه.

لا وقتَ للتضييع

للأسف، سوريا في أمسّ الحاجة إلى حكومٍة مستقرّة وكفؤة، فهي تواجه العديد من التهديدات المباشرة. الوضع الاقتصادي لملايين السوريين كارثي، والبلاد على شفا الانهيار. ووفقًا للأمم المتحدة، فإنَّ الاقتصادَ في مساره الحالي لن يعودَ إلى مستويات الناتج المحلي الإجمالي التي كان عليها قبل الصراع لما يقرب من ستة عقود. وبدونِ مساعدةٍ اقتصاديةٍ قصيرة الأجل -لا سيما من خلال تخفيف العقوبات التي فرضتها القوى الخارجية على نظام الأسد- من المرجّح أن يتفاقَمَ الوضع، مما يُصَعِّبُ على الحكومة الجديدة بناء جهاز بيروقراطي وجهاز أمني فاعِلَين. وقد علق الاتحاد الأوروبي عقوباتٍ عدة في قطاعات الطاقة والنقل والبنوك، مع تمديد الإعفاءات الإنسانية إلى أجلٍ غير مُسمّى، لكن سوريا لا تزال تخضع لعقوباتٍ أميركية شديدة. إنَّ مركزية المؤسّسات المالية الأميركية في الأسواق العالمية -على الرُغمِ من محاولات إدارة ترامب الحالية لإعادة توجيه الاقتصاد العالمي- تعني أنه من غير المُرَجَّح أن تقومَ كلٌّ من الدول الكبرى والجهات الفاعلة الخاصة باستثماراتٍ كبيرة في البلاد في أيِّ وقت قريب بدون تغييرٍ في الموقف الأميركي.

يواجه الشرع أيضًا تداعياتَ عمليات القتل الطائفية التي وقعت في آذار (مارس) في القرى العلوية على طول الساحل السوري. ينحدرُ الأسد من الطائفة العلوية ويحظى بدعم قوي منها. بعد معارك مع المتمرّدين التابعين لنظام الأسد، هاجمت جماعاتٌ مسلّحة تابعة رسميًا لوزارة دفاع الشرع ولكنها تعمل بشكلٍ مستقل عن أوامرها، إلى جانب بعض المقاتلين الأجانب والميليشيات المحلّية، مناطق علوية. تسبب العنف في مقتل ما يصل إلى 1,000 شخص، بين المدنيين وقوات الأمن والمتمرّدين. كما وثّقت منظمات حقوق الإنسان الإعدام العشوائي للمدنيين العلويين على أيدي مقاتلين متحالفين مع الحكومة. هناكَ تصاعُدٌ مُقلِقٌ للغاية في الطائفية بين بعض المجتمعات السنية في وسط وساحل سوريا، مع تزايد الدعوات للانتقام من العلويين. قد تكون لهذا الصراع تداعياتٌ كبيرة على الشرع، إذ قد تزداد عزوف القوى الخارجية عن مساعدة الحكومة الجديدة إذا شكّكت في قدرتها على منع العنف الطائفي. حتى الآن، استبعدت الحكومة العلويين إلى حدٍّ كبير من الهياكل السياسية والأمنية. قد يُؤجج هذا الاستبعاد العام تمرُّدًا من قِبل مسؤولي أمن النظام السابق والعلويين، ويُزعزع جهود الحكومة الجديدة الرامية إلى استقرار البلاد.

عَيّنَ الشرع لجنةً للتحقيق في عمليات القتل ومحاسبة المسؤولين عنها. وتُراقب دولٌ أخرى -خليجية وغربية- الوضع عن كثب. إنَّ عمليةً واضحةً وشفّافةً تتناول عمليات القتل وتُطمئن العلويين قد تُرسِلُ إشارةً إيجابيةً إلى الخارج حول نوايا الحكومة الجديدة وقدرتها على إعادة بناء سوريا متكاملة. لكنَّ التقاعُسَ عن التحرُّك -وأيّ تكرارٍ للأحداث التي وقعت على الساحل في آذار (مارس)- قد يُشعلُ دوراتٍ متجددةً من العنف ويُقوّضُ الثقة بالشرع. وستكون القوى الخارجية أقل استعدادًا لتخفيف عبء العقوبات على سوريا، وستتفاقم الأزمة لا محالة مع اندلاع صراعاتٍ اجتماعيةٍ وأعمال عنف. وبدلًا من أن يكون الشرع مُبَشِرًا بفجرٍ جديدٍ لسوريا، سيكون في هذه الحالة مُبَشِّرًا بليلٍ آخر من عدم اليقين.

Exit mobile version