هل عودة سوريا إلى الجامعة العربية تُعيدُ قوّتها ونفوذها في لبنان؟

مايكل يونغ*

بالنسبة إلى العديد من اللبنانيين، كانت علامة الإستفهام الكبيرة التي خرجت من قمة الجامعة العربية في الأسبوع الفائت هي ما إذا كانت إعادة دمج سوريا في المنظمة ستكون لها تداعيات على بلدهم. بعد العام 2005، عندما انسحب الجيش السوري من لبنان، وخصوصًا بعد الانتفاضة السورية في العام 2011، تضاءل دور ونفوذ دمشق في لبنان، إلى حدٍّ كبيرٍ لصالحِ إيران وحليفها المحلي “حزب الله”.

هناك القليل من الدلائل على أن الدول العربية تسعى إلى إحياءِ أيِّ دورٍ سوري في لبنان، ولا ينبغي للمرء أن يتوقّعَ حقًا بيانًا واضحًا لمثل هذا الهدف. ومع ذلك، يبدو أن ديناميكيتَين مُتناقضتَين ظاهرتين. من ناحية، هناك إحجامٌ عام من المملكة العربية السعودية، وبالتالي العديد من دول الخليج الأخرى، للوقوع في خضم التناقضات المُمِلّة للبنان. من ناحية ثانية، هناك حقيقة أن سوريا لديها مساحة لتعزيز دورها في لبنان، حتى لو كانت غير مؤكدة أن لديها عَرضَ نطاقٍ تردّدي للتعامل مع جارها اليوم.

للحصول على فكرةٍ أوضح عمّا قد يحدث، هناك العديد من الأشياء التي نحتاج إلى مراقبتها.

الأول هو ما إذا كانت السعودية ستُسهّل انتخاب سليمان فرنجية رئيسًا للجمهورية. ومن المعروف أنَّ فرنجية، الحليف البارز للرئيس السوري بشار الأسد، حظي بتأييد الثُنائي الشيعي، “حزب الله” وحركة “أمل”. كانت هناك شائعات مفادها أن السعوديين ليست لديهم مشاكل مع فرنجية، وذلك جُزئيًا بسببِ لقاءٍ حَظِيَ بتغطيةٍ إعلامية جيدة بينه وبين السفير السعودي في بيروت، وليد البخاري.

ومع ذلك، لا يُشكّل أيٌّ من هذا احتضانًا رسميًا لفرنجية. من المرجّح أن يظل السعوديون غامضين بشأنه: لا يعارضون انتخابه، لأنهم يطبّعون علاقاتهم مع إيران وسوريا، لكنهم أيضًا غير مستعدين للالتزام بلبنان إذا تم انتخابه. وهذا يؤكد رسالةً نقلها مسؤولون في المملكة إلى محاوريهم اللبنانيين في مناسباتٍ عدة، وهي أن لبنان ليس أولوية بالنسبة إليهم.

إذا كان هذا هو الحال بالفعل، فمن غير المحتمل أن يكون السعوديون في حالةٍ مزاجية لعقد صفقات بشأن لبنان. إلى جانب الدعوات الشكلية لإجراء انتخابات، ربما لا ينبغي لنا أن نتوقَّعَ الكثير من جانبهم عندما يتعلق الأمر بالبلد.

في الوقت نفسه، سيحتاج فرنجية إلى شيئين لينجح. سيحتاج على الأقل إلى تأمينِ أصواتِ واحدةٍ من الكتل المسيحية الرئيسة الثلاث للحصول على شرعيةٍ مُجتَمعية، لأن جميع الرؤساء اللبنانيين هم من المسيحيين الموارنة. في الوقت الحالي تُعارضه الكتل الثلاث. وعلى فرنجية أن يفوز بكتلة الزعيم الدرزي وليد جنبلاط، والتي بدونها، في الوقت الحالي، لا أمل له في الفوز بالغالبية.

تُدرِكُ الدول العربية حقيقةً واحدة مُهيمنة: القضية الوحيدة التي قد توفّرُ حافزًا للأسد لتوسيع هامش مناورته في ما يتعلق بإيران و”حزب الله” هو تشجيع دور سوري أكبر في لبنان. إنها تُدرك أن الرئيس السوري لن ينفصلَ عن طهران، ولا يمكنه أن يفعل ذلك. ولكن، قد تشعر أنه إذا تمكّن الأسد من إعادة كتلةٍ من المؤيدين إلى المؤسسات اللبنانية، فإن هذا قد يشغل حيّزًا يسيطر عليه “حزب الله” حتى الآن ويكون بمثابة حاجز لمنع استخدام لبنان ضد دول الخليج.

إن جوهرَ الكتلة الموالية لسوريا موجود، وحقيقة أن الأسد و”حزب الله” هما حليفان لا تعني بالضرورة أن “حزب الله” قد يعتبر ذلك تهديدًا. علاوةً، يمكن تصوير إحياء القوة السورية، وإن كان أكثر تواضعًا مما كان عليه الأمر قبل العام 2005، على أنه يحقق أحد الموضوعات الأساسية لقمّة جدة، وهو السماح للدول العربية باستعادة زمام المبادرة في منطقتها.

بشكلٍ عام، في ما يتعلق بقضايا رئيسة مثل اللاجئين، يبدو واضحًا أن الدول العربية تفترض أن الحوار اللبناني-السوري ضروري. وبما أن هذا يعني ضمنيًا أن سوريا سيكون لها نفوذٌ في أيِّ محادثات، فهذا يعني أيضًا أن دمشق قد تكون قادرة على تحقيق بعض المكاسب في لبنان، والتي لن يؤدي انتخاب فرنجية المحتمل إلّا إلى تعزيزها. ويمكن أن يشمل ذلك برلمانيين متعاطفين مع سوريا والذين سيدعمون الرئيس.

بشكلٍ حاسم، لا يزال هناك سؤالٌ حولَ ما إذا كان الأسد مهتمًا بالعودة إلى لبنان اليوم، ناهيك عن وضع ثقله خلف فرنجية، بالنظر إلى التحديات الداخلية الضخمة التي يواجهها الرئيس السوري. إن أصداء قمة جدة تشير إلى ربما لا.

في الوقت الحالي، يشير كل هذا إلى أن الوضع الرئاسي في لبنان لا يزال في طريق مسدود قد يستمر. هناك حاجة إلى عدد من الشروط المحلية والإقليمية لكي يفوز فرنجية في الانتخابات. في الوقت الحالي، هذه ليست مؤمّنة. لكن مع بقاء لبنان على غير هدى وفي مهب الريح، فإن الانفتاحات التي يمكن أن تستغلها سوريا في البلاد ستتسع. والدول العربية، التي سئمت من لبنان، لن تفعل الكثير للرد.

في كثير من النواحي، سيكون من الخطَإِ قراءة الكثير في قمة جدة. تم الترحيب بعودة سوريا إلى الحظيرة العربية، لكن الأمر سيستغرق بعض الوقت حتى تُغَيّر دول الخليج سلوكها تجاه دمشق. سوف يحتاج الأسد إلى مزيد من الوقت لاستعادة الدور الإقليمي الذي لعبه ذات مرة. سيكون لبنان حالة اختبار لكيفية حدوث ذلك، أو إذا حدث ذلك.

  • مايكل يونغ هو رئيس تحرير “ديوان”، مُدوّنة برنامج كارنيغي الشرق الأوسط، بيروت، وكاتب رأي في صحيفة “ذا ناشيونال” الإماراتية. يُمكن متابعته عبر تويتر على:  @BeirutCalling
  • كُتِبَ هذا المقال بالإنكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى