على السياسيين اللبنانيين التوافق على رئيس قبل فوات الأوان

مايكل يونغ*

من المؤسف للثقافة السياسية اللبنانية أنه عندما تكون البلاد في مأزق، يميل الفاعلون السياسيون إلى انتظارِ حَلٍّ يأتي جُزئيًا من الخارج. مضى أكثر من ستة أشهر على ترك ميشال عون القصر الرئاسي، وما زالت القوى السياسية اللبنانية تنتظر الضوء الأخضر من القوى الإقليمية والدولية للتوصّل إلى توافقٍ على مَن يخلفه.

الشيءُ الوحيد الذي أعاد الإنتعاش إلى العملية هو المصالحة السعودية-الإيرانية الأخيرة. لهذا السبب، افترض اللبنانيون أن تحسين العلاقات بين الرياض وطهران سيُسَهّل انتخابَ مُرَشَّحِ تسوية من قبل البرلمان اللبناني. لكن قبل الوصول إلى هذا الاستنتاج، لم يكن لدى السياسيين أيّ حافز لدفع العملية بأنفسهم إلى الأمام.

وبحسب ما ورد في تقارير عدة، تسبّبَ هذا الموقف السلبي في استياء الدول التي لها مصلحة في لبنان، ولا سيما تلك التي تدعم الأحزاب المُعارِضة ل”حزب الله”. هناكَ بعضُ المُبرّرات لذلك، ف”حزب الله” وحليفه الشيعي الرئيس “حركة أمل”، اللذان توقّعا التقارب السعودي-الإيراني، قاما بتأييد مُرشَّحٍ للرئاسة هو النائب والوزير السابق سليمان فرنجية، المُقرَّب أيضًا من النظام في سوريا.

من خلال القيام بذلك، ربما افترض الثنائي الشيعي أنه نظرًا إلى أن السعوديين والإيرانيين كانوا يقتربون من الوصول إلى اتفاق، فإنهم سيحاولون إيجاد حلٍّ وسط بشأن خليفة لعون. في هذه الحالة، كان من المنطقي أن تكون لديهما بطاقة تفاوض، وبالتحديد فرنجية، من أجل المطالبة بشروطٍ للتخلي عنه. في الوقت نفسه، من خلال الاتحاد على مرشح، عندما يفشل خصومهما في الاتفاق على واحد منهم، ستكون لديهما ميزة مع استمرار المأزق.

فالفوضى بين الكتل النيابية المعارضة ل”حزب الله” كانت فاضحة. في حين أن عددًا من هذه الكتل دعمت في البداية النائب ميشال معوض كمرشح، إلّا أنه لم ينجح أبدًا في حشد كل معارضي “حزب الله” أو تأمين تصويت الثلثين الذي يحتاجه للفوز في الجولة الأولى من التصويت. في الواقع، مع إجراء البرلمان لجولات متتالية على مدى أسابيع متتالية، خسر معوَّض تدريجًا الأصوات، حتى أصوات الكتلة الرئيسة لوليد جنبلاط.

في برلمانٍ يُعتَبرُ مُعَلَّقًا فعليًا اليوم أي لا غالبية لأحدٍ فيه، فإن دعم كتلة جنبلاط ضروري لأي شخص يسعى للحصول على غالبية. لا يمكن لفرنجية أن يأمل في الفوز بدون دعمها، كما لا يمكن لأي مرشح آخر يقف ضد فرنجية. لهذا السبب سعى جنبلاط إلى وضع نفسه كصانع رؤساء في شباط (فبراير) الفائت، مُوضِّحًا أن الرئيس المقبل لا يمكن أن يكون فرنجية ولا معوَّض.

ومع ذلك، فإن كل ما فعله جنبلاط هو تعزيز الفراغ الموجود اليوم في صفوف المعارضة. مع تقويض فرصة معوَّض، تجد المعارضة نفسها مُتَّحدة حول لا أحد، ما يسمح ل”حزب الله” و”أمل” بتصوير فرنجية على أنه المرشح الجاد الوحيد في الساحة.

جنبلاط ليس وحده المسؤول عن اضطراب وانقسام المعارضة. لقد برزت مشكلتان أخريان أيضًا: عدم قدرة ما يسمى بـ”كتلة التغيير” ، المُكَوَّنة من برلمانيين إصلاحيين مستقلين، وكثير منهم من المجتمع المدني، على الموافقة على مرشح يعكس وجهة نظرهم السياسية؛ وحقيقة أن العديد من المعارضين ل”حزب الله” يرفضون اتباع خُطى زعيم حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع، وكتلته المسيحية (الجمهورية القوية) التي هي العدو الرئيس ل”حزب الله” في البرلمان.

كان جعجع مؤيِّدًا لمعوَّض إلى حدٍّ كبير، لكن جهوده لوضع نفسه على أنه مُنَظِّم أولئك الذين يُعارضون “حزب الله” قد أزعج العديد من حلفائه المحتملين بطريقة خاطئة. اتخذ جنبلاط موقفًا أقل عدائية تجاه “حزب الله” ويرفض اتباع نهج جعجع. أما بالنسبة إلى “كتلة التغيير”، فالعديد من أعضائها يعتبرون جعجع ممثلًا آخر للطبقة السياسية الفاسدة التي يرفضونها، بينما يأتي بعض أعضائها من خلفياتٍ سياسية عارضت تقليديًا “القوات اللبنانية”.

واجهت “كتلة التغيير” مشاكل كبيرة خاصة بها. في العام الفائت، واجهت خلافات داخلية وعَكَسَت عدم فعالية. علاوة على ذلك، من المُحرِج عدم قدرتها على تحديد وتسمية مرشَّحٍ إصلاحي واحد للرئاسة يمكن أن تؤيده وتتوحّد حوله.

جُزءٌ من المشكلة خارج عن سيطرة الكتلة. فقد طلب بعض المرشحين الجدّيين من الكتلة عدم الإعلان عن تأييدهم علنًا خوفًا من أن تُقَوَّضَ فرصهم لاحقًا عندما يكون هناك بحثٌ عن مرشَّحِ حلٍّ وسط. لكن كل هذا يعني أن الكتلة كانت مستعدة للظهور مترددة ومنقسمة بشأن قضية وطنية حيوية لا يستطيع الإصلاحيون تحمّل الصمت بشأنها.

ليس من الواضح أين يقف لبنان اليوم. يرى بعض المراقبين أنه بمجرد أن يتحدث السعوديون مع “حزب الله” سنشهد البلاد انفراجة. وقد أفادت تقارير إعلامية لبنانية في الآونة الأخيرة بأن وسطاء عراقيين، وعلى رأسهم رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي وعمار الحكيم، سعوا إلى التقريب بين الجانبين. لم يُسَرَّب الكثير عن جهود الوساطة هذه، ولكن بالطريقة نفسها التي تحدث بها السعوديون مع الحوثيين في اليمن، من المُتَصوَّر أنهم قد يوافقون على فعل الشيء نفسه في لبنان.

في ضوء ذلك، من المنطقي أن يجتمع خصوم “حزب الله” حول مرشحٍ لضمان عدم الالتفاف عليهم من خلال مفاوضات بين السعودية و”حزب الله”. في أوائل أيار (مايو)، وردت تقارير تفيد بأن مثل هذه المبادرة جارية بفضل النائب المستقل غسان سكاف. ومع ذلك، فإنه من المشكوك فيه أن ينجح هذا المسعى، حيث تستمر الانقسامات العميقة بين معارضي “حزب الله”.

  • مايكل يونغ هو رئيس تحرير “ديوان”، مُدوّنة برنامج كارنيغي الشرق الأوسط، بيروت، وكاتب رأي في صحيفة “ذا ناشيونال” الإماراتية. يُمكن متابعته عبر تويتر على:  @BeirutCalling
  • كُتِبَ هذا المقال بالإنكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى