إلى أينَ تَقودُ استراتيجيةُ “حزب الله” وإيران لتَوحِيدِ الجَبهاتِ ضدّ إسرائيل؟

مايكل يونغ*

في وقتٍ سابقٍ من هذا الشهر، أُطلِقَ وابلٌ من 34 صاروخًا على إسرائيل من جنوب لبنان. في حين تم تصوير هذا الأمر على أنه انتقامٌ من هجمات الشرطة الإسرائيلية ضد الفلسطينيين الذين كانوا يصلّون في المسجد الأقصى في القدس، كانت للحادث تداعيات أكثر عمقًا. كانت محاولة من قبل الجماعات الموالية لإيران، مثل “حزب الله” و”حركة حماس” وتنظيم “الجهاد الإسلامي”، لتغيير قواعد الاشتباك في صراعها مع إسرائيل.

في كانون الثاني (يناير) الفائت، ربط الأمين العام ل”حزب الله”، السيّد حسن نصر الله، تصرّفات الحزب بالتطوّرات في المسجد  الأقصى. وكان نصر الله صرّحَ بأن أيَّ تغييرٍ في الوضع الراهن الذي يحكم العلاقات العربية-الإسرائيلية في الحرم الشريف حيث يقع الأقصى يمكن أن يؤدي إلى انفجارٍ إقليمي. جاءت تصريحاته وسط مؤشرات إلى أن عناصر يمينية متطرفة في حكومة إسرائيل قد تحاول تغيير هذا الوضع.

ومع ذلك، كان لا بدَّ من أخذ تهديدات نصر الله في سياق ديناميكياتٍ أوسع، أي هجمات إسرائيل المستمرة ضد القوات الإيرانية وقوات “حزب الله” في سوريا، والتي امتدت إلى قصف الميليشيات الموالية لإيران على الحدود السورية-العراقية. لم تتمكن إيران و”حزب الله” من الرد على مثل هذه العمليات، ما خلق خللًا في معادلة الردع بين إيران ووكلائها وإسرائيل.

في وقتٍ سابق من هذا العام، كانت هناك مؤشرات إلى أنَّ “حزب الله” كان يحاول فعليًّا تعديل هذا الواقع. في 13 آذار (مارس)، أدى انفجارٌ في مفترق مجيدو شمال إسرائيل إلى إصابة مواطن إسرائيلي (صودف أنه عربي). المشتبه به الذي زرع القنبلة والذي لم تتم معرفته، تسلّل إلى إسرائيل من لبنان، وقُتِل في وقت لاحق في شمال إسرائيل. وقد خلصت تل أبيب إلى أن “حزب الله” كان وراء العملية.

بعد أسبوعين، أُطلِقَت الصواريخ على إسرائيل. ومرّةً أُخرى، لم يتَّضح مَن هم الجناة، على الرُغمِ من أن المنطقة التي أُطلِقَت منها الصواريخ معروف أنها خاضعة لسيطرة “حزب الله”. وبينما تكهّن بعض المعلقين بأن “حزب الله” ربما لم يكن على علم بالهجوم الصاروخي، فإن هذا يبدو من المستحيلات. بدلاً من ذلك، بدا أنه جُزءٌ من جهد أوسع من قبل الحزب وإيران لإظهار أنهما قادران أيضًا على ضرب إسرائيل متى وكيفما أرادوا، مع الحفاظ على الإنكار.

نظرًا إلى أن إيران و”حزب الله” غير قادرَين على تعزيز وقيام جبهة جديدة على طول الحدود السورية مع مرتفعات الجولان المحتلة، يبدو أنهما تراجعا ليتبعا خطة بديلة. وتتمثل الخطة في التنسيق بشكل أوثق مع حركة “حماس” وتنظيم “الجهاد الإسلامي” بطريقةٍ تؤدّي إلى إنشاء جبهة مُوَحَّدة حول إسرائيل من قطاع غزة إلى جنوب لبنان إلى جنوب شرق سوريا، إن أمكن.

ويبدو أن الإيرانيين يعتقدون أن مثل هذه الجبهة ستمثل نفوذًا وتأثيرًا كبيرَين على إسرائيل، لا سيما في وقت يسودُ خوفٌ حقيقي من أن الإسرائيليين قد يحاولون ضرب وإضعاف برنامج إيران النووي. مع انسحاب الولايات المتحدة بشكل متزايد من الشرق الأوسط وتصالح المملكة العربية السعودية وإيران أخيرًا، قد يشعر المسؤولون في طهران أن إسرائيل ستتصرّف الآن قبل أن تُغلَق نافذة الفُرَص.

يبدو أن توقيت الهجوم الصاروخي بعد المصالحة السعودية-الإيرانية بفترة وجيزة ليس مصادفة. كان أحد المتطلبات الأساسية لهذا الانفتتاح هو إنهاء الصراع في اليمن. في ضوء ذلك، يبدو أن الإيرانيين قد حولوا تركيزهم إلى إسرائيل. وقد اشتمل هذا على تطوّرٍ رئيس على الجبهة الفلسطينية.

يساعد “حزب الله” حركة “حماس” على بناء وجودٍ عسكري في لبنان، بينما يُرَحِّبُ بالعديد من قادتها في البلاد، بمن فيهم خليل الحية وزاهر جبارين، وكذلك نائب رئيس “حماس” صالح العاروري. ومن المؤشرات الواضحة إلى هذا الوجود انفجارٌ في مخيم برج الشمالي للاجئين الفلسطينيين في جنوب لبنان في كانون الأول (ديسمبر) 2021 الذي أدّى إلى مقتل عضو حركة “حماس” حمزة شاهين.

من غير الواضح ما إذا كان الانفجار نتيجة حادث أم نتيجة عملية عسكرية إسرائيلية. ومع ذلك، وكما لاحظ زميلي مُهنَّد الحاج علي، الذي تابع مسار “حماس” في لبنان عن كثب، فإن الانفجار سبقه تقريرٌ إخباري إسرائيلي يفيد بأن “حماس” قد أنشأت فرعًا لها في لبنان بالقرب من صور، حيث يقع مخيم برج الشمالي. وألمح هذا إلى احتمال تورّطٍ إسرائيلي.

هناك مخاطر مُحَدَّدة لـ”حزب الله” إذا ما مضى قُدُمًا في توحيد الجبهتين اللبنانية والفلسطينية. لدى الطائفة الشيعية ذكريات سيئة عن الوجود الفدائي الفلسطيني في لبنان، الذي بدأ في أواخر الستينيات وانتهى في العام 1982. وقد دفع المجتمع الشيعي ثمنًا باهظًا من الانتقام الإسرائيلي ضد الفصائل الفلسطينية، كما إنَّ “حركة أمل”، الحليف الوثيق ل”حزب الله” اليوم، قامت بدورها بمحاربة الفلسطينيين بما عُرِف في حينه بحرب المخيمات.

من غير المرجح أن يُرَحِّبَ سكان جنوب لبنان، الذين تدعم غالبيتهم “حزب الله” و”حركة أمل”، بوضعٍ تؤدي فيه الأجندة الفلسطينية إلى استئناف الهجمات الإسرائيلية ضد قراهم. علاوة على ذلك، فإن الوضعَ الاقتصادي الكارثي في لبنان يعني أن الكثيرين منهم لن تكون لديهم الوسائل لإعادة بناء منازلهم وسبل عيشهم إذا تورطت إسرائيل في الانتقام.

قد يشير هذا إلى أنَّ “حزب الله” يأمل في الحفاظ على مستوى محدود من العمليات، واحدٌ يُحافظ على واجهة الإنكار. إذا كان الأمر كذلك، فقد تكون استراتيجية الحزب هي إبقاء الجبهة الجنوبية في وضع منخفض التصعيد، مع لعب دور متزايد في السياسة الفلسطينية الداخلية. إن تراجع نفوذ السلطة الفلسطينية يشجع مثل هذه الطموحات.

لكن على “حزب الله” أن يتوخّى الحذر حتى لا يخرج الوضع عن السيطرة. إن اندلاع حرب جديدة مع إسرائيل سيُمثّل انتكاسة كبيرة للحزب، في وقت لا يملك اللبنانيون أي وسادة تسمح لهم بقبول ضربة أخرى لرفاههم الاقتصادي ورفاه بلدهم. ستكون عواقب مثل هذه الحرب مختلفة تمامًا عما كانت عليه في العام 2006، ويمكن أن تقلب معظم المجتمعات، ومن بينها الشيعة، بشكل حاسم ضد “حزب الله”.

  • مايكل يونغ هو رئيس تحرير “ديوان”، مُدوّنة برنامج كارنيغي الشرق الأوسط، بيروت، وكاتب رأي في صحيفة “ذا ناشيونال” الإماراتية. يُمكن متابعته عبر تويتر على:  @BeirutCalling
  • كُتِبَ هذا المقال بالإنكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى