الفيدرالية لن تُساعِدَ مَسيحيي لبنان

مايكل يونغ*

عندما أيَّدت فرنسا أخيرًا ترشيح سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية في لبنان، أشارت تقاريرٌ إعلامية في بيروت إلى أن المملكة العربية السعودية عارضت ذلك. كانت إحدى الحجج التي طرحها ممثلو المملكة هي أنه إذا تم انتخاب فرنجية لأعلى منصبٍ قيادي يخصّ المجتمع المسيحي الماروني مع رفض غالبية الأحزاب المسيحية لترشيحه، فإن هذا لن يؤدّي إلّا إلى تعزيز الحوافز الفيدرالية للمسيحيين.

كان السعوديون مُحِقّين في طرح هذا الأمر. هناك بالفعل عدد متزايد من المسيحيين الذين يعتبرون الفيدرالية علاجًا لوضعهم كأقلية في لبنان. لقد دفعت الأزمة الاقتصادية التي ابتُلِيَت بها البلاد منذ العام 2019، والتي لم تفعل الطبقة السياسية الكثير حيالها، إلى زيادة الهجرة بين جميع المجتمعات. ومع ذلك، فإن حقيقة أن المسيحيين يمثلون نسبة أقل من السكان قد أثّرت فيهم بشكلٍ أكبر مُقارَنةً بالطوائف الإسلامية.

ما سيتردَّد أو يمتنع العديد من أنصار الفيدرالية عن قوله هو أنهم يرون أنها نوعٌ من الطلاق. ومع ذلك، في الأنظمة الفيدرالية في جميع أنحاء العالم، يضمن اعتماد الفيدرالية بشكل عام إنشاء هيكلٍ حاكمٍ يسمح بوحدةٍ أكبر. في الولايات المتحدة، تمَّ تبنّي نظام فيدرالي في العام 1789 لربط دول الاتحاد بشكلٍ أوثق من الهيكل الكونفيدرالي الذي سبقه والذي لم ينجح. وبدورها تبنّت سويسرا أيضًا نظامًا فيدراليًا أكثر مرونة حلّ محلَّ ما كان في السابق اتحادًا كونفيدراليًا.

في المقابل، بالنسبة إلى العديد من المسيحيين اللبنانيين، تتعلق الفيدرالية بفصلٍ وانفصالٍ أكبر – عن دولةٍ ذات غالبية مسلمة يشعرون فيها أقل وأقل أن لديهم دورًا مهمًّا يلعبونه في صنع القرار. ويرجع ذلك جُزئيًا إلى تصوّرهم بأن البلاد يتم حكمها وإدارتها الآن من خلال ديناميكيات تُحدّدها إلى حدٍّ كبير العلاقة السنية-الشيعية.

في الواقع، كان الميلُ لدى العديد من المسيحيين لتوسيع استقلالهم في الدولة اللبنانية موجودًا منذ سنوات الحرب الأهلية، والتي أنهت في كثير من النواحي لبنان الذي كان يُهَيمن عليه المسيحيون والذي كان موجودًا قبل اندلاع الصراع في العام 1975. في اتفاق الطائف لعام 1989، على سبيل المثال، كان على المسيحيين أن يقبلوا أن الرئاسة المسيحية المارونية ستفقد الكثير من سلطتها، لكنهم في المقابل طلبوا لا مركزية إدارية واسعة.

ومن بين الخطوات التي تم تحديدها والاتفاق عليها في هذه العملية، تبنّي اللامركزية على مستوى الوحدة الإدارية الصغيرة، أي القضاء، والتي سيرأس كل منها مجلسٌ يرأسه القائمقام، المسؤول الأعلى المُعَيَّن من الدولة في القضاء. وبهذه الطريقة، ستكون المناطق ذات الغالبية المسيحية في لبنان، وبالتحديد في جبل لبنان وأجزاء من شمال لبنان، قادرة على اتخاذ قرارٍ بشأن العديد من جوانب الشؤون المحلّية بنفسها.

لم يتم تنفيذ تلك البنود المتعلقة باللامركزية الإدارية الواردة في الطائف مطلقًا، بل أضافت فقط إلى النظرة المسيحية التي كان الاتفاق في معظمه بالنسبة إليها يتعلق بأخذ الكثير من المجتمع المسيحي، مع عدم إعطاء أي شيء في المقابل. وقد ساعد هذا بلا شك على تعزيز الدوافع الفيدرالية في المجتمع، على افتراض أنه إذا لم يكن هناك استقلالٌ إداري محلّي أكبر، فمن الأفضل أن يكون هناك شيء أكثر راديكالية.

ومع ذلك، في حين أن مثل هذه المواقف قد تُشيرُ إلى تآكل العقد الاجتماعي الطائفي اللبناني، إلّا أنها لا تجعل الفيدرالية أكثر واقعية. في حين أن الفيدراليين يتصوّرون الكانتونات (لعدم وجود كلمة أفضل) مُقَسَّمة في المقام الأول بين الجماعات الطائفية، فإن الجدوى الاقتصادية لتلك الكيانات لا تزال غير واضحة. كما لم يكن هناك الكثير من النقاش حول ما يمكن أن يحدث للأقليات المسيحية في المناطق ذات الغالبية المسلمة، أو للأقلية المسلمة في المناطق ذات الغالبية المسيحية.

في حين أن الفيدرالية لا تمنع التكامل الاقتصادي بين الكانتونات، فإن العديد من المسيحيين عندما يذكرون الفيدرالية، فإنهم يميلون إلى تصويرها على أنها إنشاء كيانات مكتفية ذاتيًا إلى حد كبير. هذا يقول الكثير عن النقاش نفسه. لا يوجد سبب يمنع اللبنانيين من مناقشة الهياكل السياسية الجديدة – الفيدرالية أو اللامركزية الإدارية الواسعة أو غيرها – لكن السؤال الحقيقي هو ما الذي يسعون إلى تحقيقه؟

إذا كان الهدف هو تحسين الحكم، فهل من المرجح أن تعمل الكانتونات الطائفية وتنجح أكثر من التركيبة متعددة الطوائف؟ لا توجد ضمانات. في حين أن الأنظمة متعددة الطوائف يمكن أن تؤدّي إلى طريقٍ مسدود، فإنها تفرض أيضًا قواعد تسوية تكون أكثر كفاءة بكثير في تجنّب الصراع من الهياكل أحادية اللون. أما بالنسبة إلى الفساد وتقويض سيادة القانون، فإن كل الطوائف كانت مذنبة بذلك، لذا فإن الكانتونات الطائفية قد لا تُحسِّن الأمور.

تكمن ميزة اللامركزية الإدارية في أنها مفروضة دستوريًا، ويمكن أن تكون بمثابة اختبارٍ قَيِّم لنظامٍ سياسي أكثر مرونة. يبدو أنه لا توجد حاجة ملحة للخوض في نقاشٍ وطني مُثيرٍ للانقسام دينيًا حول الفيدرالية عندما يكون هناك مسارٌ أكثر ملاءمة لمعالجة الشكوك والمخاوف المسيحية، وبعد ذلك قد يكون الخيار أكثر انفصالًا أو لا. يتحتم على الطبقة السياسية تنفيذ أبعاد والمواد الباقية من الطائف التي بقيت معلقة.

هناك سببٌ مُقنِعٌ أكثر لماذا يجب على لبنان التفكير مرّتين قبل التحدث عن الفيدرالية. إذا كان يُنظَرُ إليها على أنها وسيلة لفَصلِ وانفصال المجتمعات عن بعضها بشكلٍ فعال، فقد يعني ذلك فقدان الشيء الوحيد الذي مَيَّزَ لبنان لأجيال: وهو الكوزموبوليتانية المشرقية. قلّةٌ من الناس اليوم لديها مصلحة في هذا بعد الآن، هذا صحيح، لكن الحقيقة هي أنه بدون تعاون عابر للطوائف، ستُسَلِّم البلاد وتخسر قدرًا كبيرًا من الذي يُميّزها والذي هو وراء حيويتها.

في النهاية، المشكلة اليوم ليست حقيقة اختلاط اللبنانيين من مختلف الطوائف ببعضهم البعض. المشكلة هي أنَّ كلَّ مجموعةٍ من هذه المجموعات لديها رؤية مختلفة عن الدولة التي تريدها، واحدة معادية لتلك الخاصة بالمجموعات الأخرى. في الواقع، لن تؤدّي الفيدرالية إلّا إلى تقوية هذا الانقسام، عندما يكمن حلُّ مشاكل لبنان في مكانٍ آخر.

  • مايكل يونغ هو رئيس تحرير “ديوان”، مُدوّنة برنامج كارنيغي الشرق الأوسط، بيروت، وكاتب رأي في صحيفة “ذا ناشيونال” الإماراتية. يُمكن متابعته عبر تويتر على:  @BeirutCalling
  • كُتِبَ هذا المقال بالإنكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى