بَينَ المُتفَائِل والمُتَشائِم والمُتَشائِل

عرفان نظام الدين*

حَرِصتُ عندَ وَضعِ عنوان مقالي السابق عن مفاعيل الاتفاق السعودي-الإيراني والتقارب بين سوريا وتركيا أن أكونَ مُتَحَفِّظًا وحَذِرًا، لأنَّ التَسرّعَ في الحُكمِ والتَحليلِ خطأٌ كبيرٌ نظرًا إلى طبيعة المنطقة التي تعيشُ عالمَ اللامعقول حيث تنقلبُ فيه المواقع والأحداث رأسًا على عقب بين لحظةٍ وأُخرى.
ولهذا اخترتُ عبارة، الفَرَجُ آتٍ، ولم أقُل أنّه حصل نظرًا إلى التعقيدات والصعاب وتراكمات الأحداث والمواقف والخلافات والحروب التي شهدتها المنطقة، والخلفيّات السياسيّة والدينيّة والمذهبيّة، وتعدّد اللاعبين في الداخل والخارج، ولهذا لا مجال للتشاؤم والتفاؤل ولا حتى للتشاؤل.
ومن هنا جاءت تعليقات القرّاء الكرام على المقال مُتباينة ولومًا على ما فُسِّر تفاؤلًا أو ارتياحًا للحدث بوصفه بداية للسلام والوئام، وهذا ما نتمنّاه رُغمَ معرفتنا بحجم الخلافات والتعقيدات وحقول الألغام ما دفعني للتحذير الشديد واختيار كلمة الفَرَج وليس الحلّ آتٍ بدلًا من حَصَل. ومن بين الرسائل والاتصالات اختَرتُ رسالتَين تُعبّران عن الواقع وتلخيص نقاط تعقيداته واحتمالات الحلول لإنجاح صفقةٍ مُتكاملة.
*  الرأيُ الأوّل لصديقٍ مُثقّف ومُطَّلع وصاحب تجارب غنيّة في السياسة والديبلوماسية يُلخّصُ بكلماتٍ مُعبّرة: الأوراقُ مُختلطة، ومحاولة فَهم ما يجري صعبٌ جدًا، إلّا أنني أتساءَل: هل ستتخلّى إيران عن نفوذها وميليشياتها المُتَمَركِزة في العراق وسوريا ولبنان واليمن؟ وهل ستُسَلّم جماعة الحوثي بالذات أسلحتها؟ وهل تقبل المملكة العربية السعودية باستمرار وجودهم ونفوذهم في اليمن وعلى طول جدودها؟ وهل ستوافق الرياض على طروحات “حزب الله” في لبنان وبينها ترشيح سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية؟
*  بالنسبة إلى العلاقات بين سوريا وتركيا، هل ستقبل سوريا بوجود الأتراك داخل أراضيها؟ وهل ستقبل تركيا بالانسحاب وترك الأكراد يتمدّدون على حدودها؟ وهل ستقبل أميركا بالتخلّي عن الأكراد وبخاصة “قوات سوريا الديموقراطية” ( قسد)؟ ثم هل تقبل أميركا بالانسحاب من الاراضي السورية وحقول النفط؟
* ما هو مصير المعارضة السورية والقوى المؤيدة لها؟ وما مصير إدلب والمناطق التي تُحيط بها التي تسيطر عليها؟ وما هو شكل التسوية في معالجة مستقبل سوريا وقضايا الحكم والفساد والأوضاع الاقتصادية؟
*  ما هو موقف جميع الأطراف من وجود بقايا تنظيمَي “القاعدة” و”داعش” في مناطق سورية؟
* أامورٌ كثيرة تحتاج إلى مبضع جرّاحٍ ماهر لبتر الكثير من الأطراف.
ويختم الصديق المثقف تساؤلاته بالقول: أنا غير متفائل يا استاذ عرفان، وربما توقعك لشيءٍ من الاستقرار في لبنان هو ما أشعَرَكَ بشيءٍ من التفاؤل!
لا تعليق لكني أختُمُ بإيضاح مصدرٍ سعودي حول بعض التساؤلات عن أبعاد الاتفاق مع إيران ومنها:
* إنَّ الاتفاقَ أُعلِنَ بعد سلسلةِ اتصالاتٍ ومُفاوضات في العراق وسلطنة عُمان، واستُكمِلَت في بكين برعاية مباشرة للصين
ودعم من روسيا.
* إنَّ المفاوضاتَ لم تَقتصر على العلاقات الثُنائية فحسب، بل شملت جميع قضايا المنطقة من اليمن إلى العراق، ومن سوريا إلى لبنان، إضافةً إلى أمن الخليج، وضمان عدم التدخّل في الشؤون الداخلية للدول، واحترام سيادة الدول والالتزام بالمعاهدات والمواثيق الدولية.
* إنَّ المرحلة التالية بدأت فور الإعلان، وتستغرق أشهرًا عدة يتم خلالها الحوار مع إيران، وفقًا لأُسُسِ الاتفاقيات، الذي يعود بالنفع على البلدين ودول المنطقة. وستجري خلال هذه الفترة مراقبة سلوك إيران ومدى التزامها، لا سيما بالنسبة إلى الميليشيات وخطوات انسحابها من الدول العربية “وسحب أسلحتها”ً بدعمٍ دولي وإشراف الصين المباشر.
*  تُستَكمَلُ المفاوضات تدريجًا بشأن فتح السفارتين وعودة السفراء وتوقيع اتفاق أمني لتبادل المطلوبين.
هذه النقاط تبدو جيدة، وتُبشّرُ بخطواتٍ لاحقة تُنهي أثارَ حروبٍ دامت عقودًا، وأسفرت عن دمارٍ وخسائر فادحة دفعت ثمنها الشعوب العربية، ونأمل ان تَصدُقَ النوايا ويتمّ إقفال ملفات هذه المرحلة السوداء… اللهم آمين.

  • عرفان نظام الدين هو كاتب، صحافي ومُحلّل سياسي مُقيم في لندن. كان سابقًا رئيس تحرير صحيفة “الشرق الأوسط” السعودية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى