لماذا تُكافِحُ إسرائيل للحفاظِ على مَوقِفٍ مُتماسِكٍ في الحرب الروسيّة-الأوكرانية؟

سيكشف المستقبل أكثر عن دور تل أبيب في الحرب الروسية-الأوكرانية. لكن ما هو واضح الآن هو أن إسرائيل لم تعد طرفًا محايدًا، حتى لو استمرت تل أبيب في تكرار مثل هذه المزاعم.

يائير لبيد: الهجوم الروسي على أوكرانيا هو إنتهاكٌ خطير للنظام الدولي.

رمزي بارود*

طوال عامٍ كامل، كافحت إسرائيل في محاولاتها للتعبير عن موقفٍ واضحٍ وحاسمٍ بالنسبة إلى الحرب الروسية-الأوكرانية. السبب وراء الموقف الإسرائيلي الذي يبدو مُشَوَّشًا هو أنه سيخسر، بغض النظر عن النتيجة. لكن هل في الواقع إسرائيل طرفٌ مُحايد؟

إسرائيل هي موطِنٌ لما يَقرُب من مليون مواطن ناطق بالروسية، ثلثهم وصل من أوكرانيا قبل وقت قصير من انهيار الاتحاد السوفياتي وبعده مباشرة. هؤلاء الإسرائيليون، مع جذور ثقافية ولغوية عميقة في وطنهم الأم الفعلي، يُشكّلون دائرةً انتخابية حاسِمة في المشهد السياسي الإسرائيلي المُستَقطِب. بعد سنواتٍ من التهميش بعد وصولهم لأول مرة إلى إسرائيل، معظمهم جاء في التسعينيات، تمكّنوا من تشكيل أحزابهم الخاصة، وفي النهاية، ممارسة تأثير مباشر في السياسة الإسرائيلية. الزعيم القومي المتطرّف الناطق بالروسية لحزب “إسرائيل بيتنا”، أفيغدور ليبرمان، هو نتيجة مباشرة للنفوذ المتزايد لهذه الدائرة الانتخابية.

في حين أدرك بعض القادة الإسرائيليين أن موسكو تمتلك العديد من الأوراق المهمة، سواء في روسيا نفسها أو في الشرق الأوسط، كان آخرون أكثر قلقًا بشأن تأثير اليهود الروس والأوكرانيين والمولدوفيين في إسرائيل نفسها. بعد وقت قصير على بدء الحرب، أعلن وزير الخارجية الإسرائيلي آنذاك يائير لبيد موقفًا فاجأ العديد من الإسرائيليين، وبالطبع روسيا. “الهجوم الروسي على أوكرانيا هو إنتهاكٌ خطير للنظام الدولي. إن إسرائيل تُدين هذا الهجوم”، قال لبيد.

المفارقة في كلمات لبيد واضحة للغاية بحيث لا يمكن تفصيلها كثيرًا، باستثناء أن إسرائيل انتهكت قرارات الأمم المتحدة أكثر من أي دولة أخرى في العالم. كما يُعتَبَرُ احتلالها العسكري لفلسطين الأطول في التاريخ الحديث. لكن لبيد لم يكن مَعنيًا “بالنظام الدولي”. كان جمهوره المستهدَف يتألف من الإسرائيليين –حوالي 76 في المئة منه كانوا ضد روسيا ويؤيدون أوكرانيا– وواشنطن، التي قالت لجميع حلفائها أن إتخاذ نصف موقف بشأن هذه المسألة غير مقبول.

حذّرت نائبة وزير الخارجية الأميركية للشؤون السياسية، فيكتوريا نولاند، إسرائيل بوضوح في آذار (مارس) من أنه يجب أن يكون لها موقف واضح بشأن هذه القضية، و”الانضمام إلى العقوبات المالية” ضد روسيا إذا “كانت تل أبيب لا تريد أن تصبحَ الملاذ الأخير للأموال القذرة”.

مع فرار ملايين الأوكرانيين من بلادهم، حطت رحال الآلاف منهم في إسرائيل. في البداية، تم الترحيب بالأنباء في تل أبيب، التي كانت قلقة من ظاهرة “يورديم” المقلقة، أو الهجرة العكسية إلى خارج البلاد. نظرًا إلى أن الكثيرين من اللاجئين الأوكرانيين لم يكونوا يهودًا، فقد خلق ذلك معضلة للحكومة الإسرائيلية. ذكرت صحيفة “تايمز أوف إسرائيل” في 10 آذار (مارس) أن “اللقطات التي بثتها أخبار القناة 12 أظهرت أعدادًا كبيرة من الأشخاص داخل إحدى صالات المطار، مع أطفال صغار ينامون على الأرض وعلى عربات أمتعة، بالإضافة إلى امرأة مُسِنّة تتلقّى العلاج بعدما أُغمي عليها على ما يبدو”. في كانون الثاني (يناير)، قررت وزارة الهجرة والاندماج الإسرائيلية تعليق المنح الخاصة للاجئين الأوكرانيين.

في غضون ذلك، بدا موقف إسرائيل السياسي متضاربًا. في حين ظل لبيد ملتزمًا بموقفه المناهض لروسيا، حافظ رئيس الوزراء آنذاك نفتالي بينيت على نبرةٍ أكثر تصالحية، حيث سافر إلى موسكو في 5 آذار (مارس) للتشاور مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بناء على طلب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي. في وقت لاحق، زعم بينيت أن زيلينسكي طلب منه الحصول على وعد من بوتين بعدم اغتياله. على الرغم من أن هذا الادعاء، الذي تم تقديمه بعد أشهر عدة من الاجتماع، تم رفضه وتكذيبه بشدة من قبل كييف، إلّا أنه يوضّح عدم انسجام السياسة الخارجية لإسرائيل طوال فترة الصراع.

خلال المرحلة الأولى من الحرب، أرادت إسرائيل المشاركة كوسيط، وعرضت مرارًا استضافة محادثات بين روسيا وأوكرانيا في القدس. ومن ثم أرادت إيصال رسائل عدة: لتوضيح قدرة إسرائيل على أن تكون لاعبًا مهمًا في الشؤون الدولية؛ طمأنة موسكو إلى أن تل أبيب تظل طرفًا محايدًا؛ للتبرير لواشنطن، لماذا باعتبارها حليفًا رئيسًا للولايات المتحدة، لا تزال سلبية بالنسبة إلى الدعم المباشر لكييف، وأيضًا لتسجيل وجهة نظر سياسية ضد الفلسطينيين والمجتمع الدولي، بأن القدس المحتلة هي مركز الحياة السياسية لإسرائيل.

لقد فشلت المناورة الإسرائيلية، وكانت تركيا، وليست إسرائيل، هي التي اختارها الطرفان لهذا الدور.

في نيسان (إبريل)، بدأت مقاطع فيديو تَظهَرُ على وسائل التواصل الاجتماعي لإسرائيليين يقاتلون إلى جانب القوات الأوكرانية. على الرغم من عدم وجودِ تأكيدٍ رسمي من تل أبيب، إلّا أنَّ الحدث المُتكرّر يشير إلى أن هناك تحوّلًا في الموقف الإسرائيلي. تطور هذا الموقف على مدار شهور ليؤدي أخيرًا إلى تحوّلٍ كبيرٍ عندما قيل إن إسرائيل، في تشرين الثاني (نوفمبر)، منحت أعضاء الناتو الإذن لتزويد أوكرانيا بأسلحة تحتوي على تكنولوجيا إسرائيلية.

علاوة على ذلك، ذكرت صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية أن إسرائيل وافقت على شراء “مواد استراتيجية” بقيمة ملايين الدولارات للعمليات العسكرية الأوكرانية. لذلك، أنهت إسرائيل عمليًا حيادها في الحرب.

موسكو، اليقظة والقلقة من موقف إسرائيل غير الواضح، أرسلت رسائل خاصة بها إلى تل أبيب. في تموز (يوليو)، قال مسؤولون روس إن موسكو تُخطّط لإغلاق الفرع الروسي للوكالة اليهودية لإسرائيل، الهيئة الرئيسة المسؤولة عن تسهيل الهجرة اليهودية إلى إسرائيل وفلسطين المحتلة.

كان من المُفتَرَض والمُتَوَقَّع  أن تُمثّل عودة بنيامين نتنياهو إلى منصب رئيس الوزراء في كانون الأول (ديسمبر) تحوّلًا إلى الحياد. ومع ذلك، تعهّدَ الزعيم الإسرائيلي اليميني خلال مقابلات مع “سي أن أن” الأميركية وقناة “أل سي إي” (LCI) الفرنسية في 1 و5 شباط (فبراير) على التوالي، بأنه “سيدرس هذه المسألة [حول تزويد أوكرانيا بنظام دفاع القبة الحديدية] وفقًا لمصلحتنا الوطنية”. مرة أخرى، حذّر الروس من أن روسيا “ستعتبر [الأسلحة الإسرائيلية] أهدافًا مشروعة للقوات المسلحة الروسية”.

مع تكثيف روسيا وإيران لتعاونهما العسكري، شعرت إسرائيل أنه من المُبرَّر أن تصبحَ أكثر انخراطًا. في كانون الأول (ديسمبر)، أبلغت إذاعة صوت أميركا عن النمو الهائل في مبيعات الأسلحة الإسرائيلية، ويرجع ذلك جُزئيًا إلى صفقة مع شركة لوكهيد مارتن الأميركية، إحدى الشركات الرئيسة المُوَرّدة للأسلحة الأميركية لأوكرانيا. في الشهر التالي، ذكرت صحيفة لوموند الفرنسية أن “إسرائيل تفتح ترسانتها بحذر استجابة لمطالب كييف المُلِحّة”.

سيكشف المستقبل أكثر عن دور تل أبيب في الحرب الروسية-الأوكرانية. لكن ما هو واضح الآن هو أن إسرائيل لم تَعُد طرفًا محايدًا، حتى لو استمرت تل أبيب في تكرار مثل هذه المزاعم.

رمزي بارود هو صحافي أميركي من أصلِ فلسطيني ورئيس تحرير “The Palestine Chronicle. ألّف ستة كتب، وكان الأخير، الذي شارك في تحريره مع إيلان بابيه ، هو “رؤيتنا للتحرير: قادة ومثقفون فلسطينيون منخرطون يتحدثون بصراحة”. وبارود هو باحث أول غير مقيم في مركز الإسلام والشؤون العالمية (CIGA). يمكن متابعته عبر موقعه الإلكتروني: www.ramzybaroud.net

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى