لبنان: ماذا وراء مبادرة وليد جنبلاط؟

بدأ الزعيم الدرزي وليد جنبلاط مبادرة لإيجاد مرشح تسوية لمنصب رئيس الجمهورية في لبنان، هادفًا إلى القول بأنه مركزي في هذه العملية.

العماد جوزيف عون: الوحيد الذي يمكن أن يعيدَ الإحترام العربي والدولي إلى لبنان.

مايكل يونغ *

لا يزال المأزق السياسي في لبنان مُستَمِرًّا حيث لا يزال المجلس النيابي غير قادرٍ على انتخابِ رئيسٍ جديد للجمهورية. في الأسبوع الفائت، بدأ الزعيم الدرزي وليد جنبلاط اتصالاتٍ لمحاولة معرفة ما إذا كان يمكن العثور على مرشّح تسوية. في حين أن جهوده قد لا تُحقّق شيئًا، فما الذي كانت تدور حوله تحرّكات جنبلاط في الواقع؟

تكهّن كثيرون بأنها قد تمَّ توقيتها لتتزامن مع اجتماعٍ يُعقَد في باريس في 6 شباط (فبراير) يجمع الولايات المتحدة وفرنسا وقطر ومصر والمملكة العربية السعودية. وبحسب تقارير عدة، فقد وضع الاجتماع خارطة طريق للاتجاه الذي تودُّ هذه البلدان أن يسلكه لبنان. ومع ذلك، بدا أن مبادرة جنبلاط لها بُعدٌ محلّيٌّ بشكلٍ أساسي، ومن الجدير التركيز عليها عن كثب.

في كانون الثاني (يناير)، اقترح جنبلاط ثلاثة مُرَشَّحين مُحتَمَلين أن يحصلوا على إجماع، هم: قائد الجيش العماد جوزيف عون، والنائب السابق صلاح حنين، ووزير المالية السابق والمدير الحالي لقسم الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي، جهاد أزعور. وقد طرح جنبلاط هذه الأسماء مع وفدٍ من “حزب الله” زاره في الشهر الماضي.

كانت رسالة جنبلاط الأولى أن المرشح الرئيس المدعوم من “حزب الله”، سليمان فرنجية، ليس لديه ما يكفي من الأصوات ليتمّ انتخابه. لقد عارضت الكتلتان المسيحيتان الرئيسيتان فرنجية، الأولى كتلة “التيار الوطني الحر” بقيادة جبران باسيل، والأخرى كتلة “القوات اللبنانية” بزعامة سمير جعجع. بالنظر إلى أن كتلة جنبلاط بنبغي أن تصوّت لصالح فرنجية من أجل أن تكون له أي فرصة للفوز في الانتخابات، فإن بحث الزعيم الدرزي عن مرشحين توافقيين جعل “حزب الله” وحليفه نبيه بري، رئيس البرلمان، يُدركان أنه لن يكون باستطاعتهما الاعتماد على أصوات كتلة الحزب التقدمي الاشتراكي البالغ عددها 9 نواب.

قد يكون جنبلاط ببساطة يرفع الرهان مع فرنجية للحصول على تنازلاتٍ منه مقابل أصوات كتلته. ومع ذلك، لا يبدو أن الوقائع في مبادرته تشير إلى ذلك. لدى جنبلاط أسبابٌ وجيهة لعدم التصويت لفرنجية. ثلث ناخبيه في الشوف هم من المسيحيين الموارنة، المجتمع الذي يتم اختيار الرؤساء منه، لذلك ليس لديه أي دافع لإبعادهم وإغضابهم من طريق المساعدة على إيصال فرنجية إلى رئاسة الجمهورية ضد إرادة معظم المسيحيين. علاوة على ذلك، فإن ثلث ناخبي جنبلاط هم من السنّة، وقد زارت مجموعة من البرلمانيين السنّة من الشمال أخيرًا قائد الجيش للتعبير عن تضامنهم معه بعد أن هاجمه باسيل، وهو نفسه مرشح رئاسي، في خطاب. وهذا يشير إلى أنهم قد لا يرحّبون برئاسة فرنجية أيضًا. ومن الجدير بالذكر أيضًا أن الراعية الإقليمية الرئيسة للسنّة، المملكة العربية السعودية، أظهرت القليل من الحماس لفرنجية.

جنبلاط حسّاسٌ بشكلٍ خاص تجاه التفكير السعودي هذه الأيام، ويُدرك أن فرنجية الذي يعتمد على “حزب الله” في انتخابه قد يُثير في نهاية المطاف عداء الرياض. إذا كان الأمر كذلك، فسيظل لبنان معزولًا عن دول الخليج في وقت تستمر فيه التداعيات الاقتصادية المدمرة عليه.

إذا كان انتخاب فرنجية مُهَدَّدًا فماذا عن الذين اقترحهم جنبلاط؟ صلاح حنين وجهاد عازور يتمتّعان بالمصداقية بالتأكيد، لكن من المحتمل أن تكون لذكرهما أهدافٌ أخرى غير ضمان قبول أيٍّ من الرجلين. حنين محامٍ محترم من كفرشيما وفاز في الماضي بمقعد في البرلمان على قائمة مدعومة من جنبلاط، حتى لو كان لعائلته إرث سياسي خاص بها. في اقتراحه لمرشحين وسطيين، لم يستطع جنبلاط سوى طرح اسم حليف سياسي معتدل، حتى لو كان عليه أن يدرك أن فرص حنين الرئاسية محدودة.

أما بالنسبة إلى أزعور، فقد سعى جنبلاط بذكره إلى إرسال رسالة مفادها أنه يؤيد الإصلاح الاقتصادي، في وقت تتشكك فيه الحكومات الأجنبية بشكل متزايد في أن لبنان سينفذ برنامج صندوق النقد الدولي. أزعور، مثل حنين، هو المرشح الذي يفضله جنبلاط، وهو مسيحي ماروني من غير المرجح أن يستقطب الرأي من خلال استغلال الحساسيات الطائفية، والذي لن يهز القارب في نهاية المطاف بطريقة قد تضر بمصالح الطبقة الحاكمة الطائفية.

العماد جوزيف عون كيانٌ مختلف تمامًا. بينما لا يوجد ما يشير إلى أن جنبلاط أقل صدقًا في ذكر ترشيح عون، هناك عوامل عدة يجب أن تجعل المرء يفكر مليًا في هذا الأمر. أولًا، عندما يتم ذكر المرشحين علنًا في لبنان، غالبًا ما يتم تصميمه لجعلهم أهدافًا يمكن للفصائل السياسية في البلاد إطلاق النار عليها. عندما امتدح سمير جعجع عون قبل أشهر عدة، كان يُنظر إلى ذلك على نطاق واسع على أنه محاولة لتقويضه وحرقه، حيث أدرك جعجع أن أيَّ شخصٍ يؤيده سوف يعارضه “حزب الله” بشكلٍ انعكاسي.

علاوة على ذلك، مثل غيره من أعضاء الطبقة السياسية، كان جنبلاط تقليديًا حذرًا من قادة الجيش الذين يتمُّ انتخابهم لرئاسة الجمهورية. بالنسبة إلى القادة الطائفيين اللبنانيين، يرتكز العسكريون السابقون على مؤسسة وطنية ذات مصداقية وشعبية يمكن أن تكون بمثابة ثقل موازن جاد لسلطتهم. وكان جنبلاط أحد الذين مددوا ولاية الرئيس الياس الهراوي في العام 1995 لتأجيل انتخاب قائد الجيش حينها إميل لحود. عندما أصبح لحود رئيسًا في نهاية المطاف في العام 1998، عارضه جنبلاط، وبعده عارض أيضًا ميشال عون، قائد سابق آخر في الجيش. لهذا السبب يتطلب الأمر بعض الجهد لافتراض أن الزعيم الدرزي يُفضّل بشدة العماد جوزيف عون.

من ناحيةٍ أخرى، نظرًا إلى أنَّ الجيش يُنظر إليه على أنه البديل الوحيد من “حزب الله”، ولم يتردّد جوزيف عون في إثبات ذلك مرات عدة (على الرغم من التنسيق الوثيق مع “حزب الله”)، يظل قائد الجيش هو الرجل الأكثر احتمالية للتمتع بالدعم الخليجي، فضلًا عن الدعم المصري. هذه ليست عوامل غير مهمة بالنسبة إلى جنبلاط. علاوة على ذلك، نظرًا إلى وجود برلمان مُعلَّق ومنقسم في لبنان فعليًا، فإن عون هو المرشح الوحيد الذي يمكن أن يتجمّع حوله توافق. لا يزال الجيش يتمتع بالاحترام على الصعيدين الوطني والدولي، وهي ميزة كبيرة للراغبين في إنهاء عزلة لبنان.

إذًا ما الذي يلعبه جنبلاط؟ من الصعب معرفة الجواب عن ذلك، ولكن هناك رسالة واحدة واضحة. من خلال استبعاده مجموعة من المرشحين البديلين، فقد أكد الزعيم الدرزي أن فرنجية بدون دعم وطني وطائفي واسع لن يكون الشخص الذي ستصوّت له كتلته. ربما كان لقاؤه مع وفدٍ من “حزب الله” قبل أسبوعين مُصَمَّمًا لنقل نواياه إلى الحزب. من خلال طرح ترشيح قائد الجيش، ربما يكون قد أراد كسب نقاط إقليمية ودولية، حتى لو علم من محادثاته مع “حزب الله” أنه لن يقبل برئاسة عون.

وبالفعل، فإن تصريحات السبت الماضي للنائب محمد رعد، رئيس الكتلة النيابية ل”حزب الله”، اعتبرها البعض موجهة ضمنيًا ضد جوزيف عون. وذكر رعد أن أعداء الحزب -وكثيرٌ منهم معروف بتقديره لقائد الجيش– كانوا “يحاولون تحويل [الانتخابات] الرئاسية … إلى منبر لجلب رئيسٍ يُنفّذُ سياساتهم ويواصل مخططهم لتشديد الخناق على المقاومة “.

إذا كان الأمر كذلك، فما الذي يأمل جنبلاط أن يكسبه؟ لسببٍ واحد، إنه وضع نفسه بشكلٍ مباشر في قلب البحث الوطني عن مرشح حل وسط وتسوية. الأسماء التي اقترحها جنبلاط قد لا تكون نقطة انطلاق، لكن إذا وصل أيٌّ منها إلى قصر بعبدا، فسيظهر جنبلاط كصانع “الملوك” في لبنان. والأرجح أن جنبلاط ذكّر الجميع بأن كتلته ضرورية لأيِّ اتفاق على الرئاسة، وهو ما يبدو أن الكثير من الناس ينسى ذلك لأن كل الاهتمام كان أخيرًا مُنصَبًا على خلاف باسيل مع “حزب الله” على فرنجية الذي اعتُبِرَ العقبة الرئيسة أمام مثل هذا الاتفاق. يعزز هذا الواقع بشكلٍ كبير النفوذ السياسي لجنبلاط في لحظةٍ لبنانية مهمة.

هل يعني هذا أن مبادرة جنبلاط الرئاسية ليست أكثر من مناورة تكتيكية؟ من الصعب قول ذلك، وربما هناك ما هو أكثر مما تراه العين. لكن لا تنتقدوا الناس لاعتقادهم أن السياسة الرئاسية في لبنان هذه الأيام هي حكاية يرويها أحمق، مليئة بالصخب والغضب، لا تدل على شيء.

  • مايكل يونغ هو رئيس تحرير “ديوان”، مُدوّنة برنامج كارنيغي الشرق الأوسط، بيروت، وكاتب رأي في صحيفة “ذا ناشيونال” الإماراتية. يُمكن متابعته عبر تويتر على:  @BeirutCalling
  • كُتِبَ هذا المقال بالإنكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى