هَيمَنَةُ “حزب الله” على قرارِ اختيارِ رئيسٍ تُظهِرُ مدى ضآلة قوّة المسيحيين في لبنان

مايكل يونغ*

يبدو أن “حزب الله” اتَّخَذَ قرارًا بالدَفعِ لانتخاب مرشّحه الرئاسي المفضّل في لبنان، سليمان فرنجية، بعد شهورٍ من التردّد وانتظار الوصول إلى اتفاقٍ مُحتَمل حول مرشّح توافقي. ومع ذلك، فإن انتخاب فرنجية ينطوي على العديد من المخاطر المُحتَمَلة للحزب.

في النظام اللبناني، ينتخب مجلس النواب رئيس الجمهورية الذي هو دائمًا، حسب الميثاق، مسيحي ماروني. لكي يفوز المرشح، عليه الحصول على أغلبية الثلثين من 128 برلمانيًا في الجولة الأولى من التصويت، أو أغلبية مطلقة في جولة ثانية. يبدو أن استراتيجية الحزب اليوم تُركّز على ضمان اكتمال النصاب القانوني خلال الجولة الثانية، حتى يتمكّن فرنجية من الفوز بـ65 صوتًا.

هذا الأمرُ لن يكونَ سهلًا. لكي يُنظَرَ إلى فرنجية على أنه شرعيٌّ مُجتمَعيًا، فإنه سيحتاج إلى دعم واحدة على الأقل من الكتلتين المسيحيتين الرئيسيتين في البرلمان: الأولى التي يُهيمن عليها “التيار الوطني الحر” بقيادة جبران باسيل والثانية التابعة لحزب “القوات اللبنانية” التي يقودها سمير جعجع. باسيل حليفٌ ل”حزب الله”، لكن لديه طموحات رئاسية وقال إنه لن يدعم فرنجية.

وقد أدّى هذا الوضع إلى تصاعد حدة التوترات بين “التيار الوطني الحر” و”حزب الله”. حسابات الأخير المحتملة هي أنه إذا تمكّن من إقناع باسيل وكتلته بحضور جلسة انتخابية، فسيؤمن على الأقل النصاب القانوني للذهاب إلى جولة ثانية من التصويت، مما يسمح للحزب بالحصول على الأصوات اللازمة لانتخاب فرنجية. ليس من المستحيل الوصول إلى مثل هذه النتيجة، لكن العواقب قد تكون إشكالية للغاية للحزب.

لسبب واحد، قد يثير هذا الأمر الاستياء الشديد بين العديد من المسيحيين مرة أخرى لأنه يتم إختيار الرؤساء الموارنة دائمًا من قبل الأحزاب ذات الأغلبية المسلمة، حتى عندما يفشلون في التمتع بدعم واسع النطاق داخل مجتمعهم. في الواقع، لا يُعتبَرُ فرنجية زعيمًا ذا مكانة وطنية واسعة، حيث لم ينجح إلّا في إيصال ابنه لعضوية البرلمان في انتخابات أيار (مايو) 2022.

الواقع أن الرئيس السابق ميشال عون خَلَقَ مُفارَقة. قضى معظم حياته السياسية في التنديد باتفاقية الطائف لعام 1989، التي عدلت الدستور وجرّدت الرئاسة المارونية من العديد من صلاحياتها. ومع ذلك، أوضح خلال فترة ولايته الكثير من الغموض المُخيِّم على منصب الرئاسة، مشيرًا إلى احتفاظ الرئيس بسلطات تقديرية كبيرة. وقد أظهر هذا للعديد من أتباعه في الدين أن الرئاسة احتفظت بسلطة كبيرة، على الرغم من تضاؤلها.

بطريقةٍ ما، كانت هذه خطوةً لمصالحة المسيحيين مع الطائف. ومع ذلك، إذا عادت الأحزاب ذات الأغلبية المسلمة اليوم إلى عادات التسعينيات الفائتة، واختارت رئيسًا للجمهورية ليست له قاعدة مجتمعية كبيرة، فإن هذا سيؤكد فقط لأتباع فرنجية في الدين أن اتفاق الطائف كان دائمًا يدور في الأساس حول تقويض قوة وسلطة الموارنة.

حتى لو أَجبَرَ باسيل كتلته على الذهاب إلى البرلمان وسمح لفرنجية بالفوز، فإن الأمورَ لن تنتهي عند هذا الحد. يكاد يكون من المؤكد أنه سيقضي فترة رئاسة فرنجية في مهاجمته، في حين أن جعجع سيفعل الشيء نفسه بالنظر إلى اعتقاده أن فرنجية مجرد تابع ل”حزب الله”. بعبارة أخرى، سيحاول كلا الزعيمين المسيحيين الرئيسيين نزع الشرعية عن رئاسة فرنجية بين المسيحيين، ومن المرجح جدًا أن ينجحا.

وهذا من شأنه أن يقضي على هدف “حزب الله” في إيصال فرنجية إلى قصر بعبدا. يرى “حزب الله” أن التوترات الإقليمية تلوحُ في الأفق، حيث تولّت حكومة يمينية متطرفة السلطة في إسرائيل واختفت احتمالات التوصّل إلى اتفاقٍ نووي بين الولايات المتحدة وإيران. الأمين العام للحزب، السيد حسن نصر الله، صرّح مرات عدة أنه في هذا السياق يريد رئيسًا “لن يطعننا في الظهر”.

عندما يسمع العديد من المسيحيين أن  نصر الله يفرضُ شروطه على رئيس جديد، بينما يتجاهل تفضيلاتهم الخاصة بشخصية تمثيلية مجتمعية، فإن ذلك يجعلهم يشعرون بالقلق والغضب. يمكن للمرء أن يتوقع أن يتفاعل باسيل وجعجع وفقًا لذلك.

أشار جعجع إلى ما قد ينتظر لبنان في الآونة الأخيرة، عندما قال إنه إذا فرض “حزب الله” رئيسًا للجمهورية، فقد يكون الوقت حان لتغيير النظام السياسي في لبنان. اتهمه كثيرون بأنه يسعى إلى تقسيم البلاد. ومع ذلك، كان بإمكانه أن يُحذّرَ بالسهولة عينها من أن سلطة فرنجية لن يُنظَرَ إليها على أنها صالحة في المناطق ذات الأغلبية المسيحية، وهي فكرة، رُغمَ كونها غامضة، قد تكون حقلَ ألغامٍ ل”حزب الله” والرئيس.

إذا اتفق باسيل مع جعجع، ولم يكن هناك سبب لعدم وجود مصلحة مشتركة لكليهما في رؤية فرنجية يفشل، فقد يُغيّرُ ذلك من كيفية تنظيم الدولة. قد يقودهما ذلك للسعي إلى تحقيق قدر أكبر من الاستقلالية من خلال المطالبة بتنفيذ وتوسيع بنود الطائف بشأن اللامركزية الإدارية، وهو مطلب مسيحي لم يطبّق أبدًا.

يمكن أن يولد هذا قوى نابذة مركزية في النظام السياسي اللبناني. بالنسبة إلى “حزب الله”، سيؤدي ذلك إلى تآكل قدرة الحزب في السيطرة على البلاد من خلال مؤسسات الدولة حيث يحاول بشكل دائم فرض تفضيلاته على القوى السياسية الأخرى.

النظام الذي يسيطر عليه “حزب الله” أمر غير طبيعي في سياق النظام الطائفي اللبناني. يعتقد الحزب أن بإمكانه الهيمنة على لبنان إلى أجل غير مُسمّى بينما يتجاهل الديناميكيات في مختلف الطوائف الدينية. هذه صيغة يمكن أن تؤدي إلى كارثة للحزب، حيث تؤدي الغطرسة دائمًا إلى عداواتٍ كثيرة.

  • مايكل يونغ هو رئيس تحرير “ديوان”، مُدوّنة برنامج كارنيغي الشرق الأوسط، بيروت، وكاتب رأي في صحيفة “ذا ناشيونال” الإماراتية. يُمكن متابعته عبر تويتر على:  @BeirutCalling
  • كُتِبَ هذا المقال بالإنكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى