ماذا سيحدث بعد أن تَنزَعَ محكمةُ العدلِ الدوليّة شرعية الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين؟

رمزي بارود*

مرّة أخرى، ستُقدِّمُ محكمة العدل الدولية رأيًا قانونيًا حول عواقب الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين.

دعا تصويتٌ تاريخي للأمم المتحدة في 31 كانون الأول (ديسمبر) الفائت محكمة العدل الدولية إلى النظر في الاحتلال الإسرائيلي من حيث التبعات القانونية، وحقوق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير، ومسؤولية جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة في إنهاء الاحتلال الإسرائيلي المُطَوَّل. وسيتم التركيز بشكل خاص على “التكوين الديموغرافي والطابع والوضع” للقدس المحتلة.

كانت المرة الأخيرة التي طُلِبَ فيها من محكمة العدل الدولية تقديم رأيٍ قانوني حول هذه المسألة في العام 2004. ومع ذلك، في ذلك الوقت، كان الرأي يتركز بشكل كبير حول “العواقب القانونية الناشئة عن بناء جدار الفصل العنصري الإسرائيلي”.

في حين أنه من الصحيح أن محكمة العدل الدولية خلصت إلى أن مجمل الأعمال الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة غير قانونية بموجب القانون الدولي –اتفاقية جنيف الرابعة، والأحكام ذات الصلة من قوانين لاهاي السابقة، وبالطبع، العديد من قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي— فإن محكمة العدل الدولية هذه المرة ستعرض وجهة نظرها حول محاولة إسرائيل جعل ما يُقصَدُ به أن يكون احتلالًا عسكريًا مؤقتًا، احتلالًا دائمًا.

بعبارة أخرى، يمكن لمحكمة العدل الدولية، والأرجح، أن تنزع الشرعية عن كل إجراء إسرائيلي تم اتخاذه في فلسطين المحتلة منذ العام 1967. هذه المرة، لن تكون العواقب رمزية كما هو الحال غالبًا في قرارات الأمم المتحدة بشأن فلسطين.

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي فعل أكثر من أي زعيم إسرائيلي آخر لـ “تطبيع” الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، كان غاضبًا بشكل مفهوم بعد تصويت الأمم المتحدة، ووصفه بأنه “حقير”.

وكان شركاؤه الآخرون في التحالف مُتَصَلِّبين بالقدر عينه.

قال عضو الكنيست زفيكا فوغل، خلال مقابلة مع راديو “أف أم 103” الإسرائيلي في الأول من كاانون الثاني (يناير)، إن “الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية دائمٌ ولإسرائيل الحق في ضمّها”.

أكثر من أيِّ شيء آخر، تُلخّص كلمات فوغل الواقع الجديد في إسرائيل وفلسطين. لقد ولت أيام الغموض السياسي في ما يتعلق بالدوافع والأهداف الإسرائيلية النهائية في الأراضي المحتلة.

في الواقع، تحاول إسرائيل الآن إدارة مرحلة جديدة كاملة من مشروعها الاستعماري في فلسطين، وهو مسعى بدأ بجدية في 1947-1948، وهو، وبحسب إسرائيل نفسها، على وشك الانتهاء بالاستعمار الكامل لفلسطين، النسخة الإسرائيلية من “حل الدولة الواحدة” المبني على الفصل والتمييز العنصريين.

فوغل، الذي يُعتَبَرُ حزبه، “القوة اليهودية”، عضوًا مُهِمًّا في الائتلاف اليميني الجديد لنتنياهو، لا يعكس وجهات نظر هذا الأخير الشخصية أو آراء معسكره الإيديولوجي وحده.

الحكومة الجديدة، المليئة بالمتطرفين، أمثال بتسلئيل سموتريتش وإيتامار بن غفير ويواف غالانت، من بين آخرين، ملتزمة الآن بأجندة مناهضة للسلام كمسألة سياسية. وبمجرد أن أدّت الحكومة الجديدة اليمين في 28 كانون الأول (ديسمبر)، أعلنت أن “الحكومة ستبني وتطور المستوطنات في جميع أنحاء إسرائيل”.

بن غفير، الذي أثار اقتحامه لساحة المسجد الأقصى في القدس الشرقية المحتلة الكثير من الانتقادات في جميع أنحاء العالم، وجه رسائل واضحة إلى الفلسطينيين والمجتمع الدولي ككل عندما قال: “في ما يتعلق بإسرائيل، لا يوجد قانون دولي ذو صلة، ولا يوجد شيء مقدس ولا شبر من فلسطين خارج الحدود”.

لكن هذه المرة، العمل ليس كالمعتاد.

نعم، كان توسع إسرائيل الإقليمي على حساب فلسطين المحتلة هو القاسم المشترك بين جميع الحكومات الإسرائيلية في السنوات الـ75 الماضية. لكن حكومات إسرائيلية عدة، بما في ذلك حكومات نتنياهو المبكرة، وجدت طرقًا غير مباشرة لتبرير البناء الاستيطاني غير القانوني. وما يُسَمّى باحتياجات “التوسع الطبيعي” و”الأمن” كانت بعض الذرائع العديدة التي قدمتها إسرائيل لتبرير سعيها المستمر للاستيلاء على الأراضي بالقوة.

من الناحية العملية، لم يكن أيٌّ من هذا ممكنًا لولا الدعم الذي لا ينضب من الولايات المتحدة لإسرائيل – ماليًا وعسكريًا وسياسيًا. علاوة على ذلك، فإن استخدام الولايات المتحدة لحق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن الدولي والضغط المستمر على أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة سمح لإسرائيل بالالتفاف على القانون الدولي بدون أن يلحق بها أذى أو عقاب. والنتيجة هو الواقع المأسوي الذي نعيشه اليوم.

وفقًا لموقع الأمم المتحدة الإخباري الرسمي، يوجد حاليًا ما يقرب من 700,000 مستوطن يهودي غير شرعي. وتقول منظمة “السلام الآن” الإسرائيلية غير الحكومية إن هؤلاء المستوطنين اليهود يعيشون في 145 مستعمرة غير شرعية في الضفة الغربية المحتلة، بالإضافة إلى 140 بؤرة استيطانية، من المرجح أن تجعل الحكومة الجديدة العديد منها رسمية.

في الواقع، تمت صياغة التحالف بقيادة نتنياهو على أساس أن البؤر الاستيطانية سيتم إضفاء الشرعية عليها في المستقبل، وبالتالي تتلقى تمويلًا حكوميًا رسميًا. لا ينبغي أن يشكل هذا مشكلة سياسية كبيرة لنتنياهو، الذي نجح في العام 2020 في بيع فكرة للكنيست الإسرائيلي بضم جُزء كبير من الضفة الغربية، وهو مُصَمّمٌ الآن على تنفيذ عملية “الضم الناعم” – ضَمٌّ واقعي تدريجي من المرجح أن يصبح شرعيًا في ما بعد.

كما أن الاستعمار الكامل لفلسطين لم يثبت أنه يُشكّل مشكلة قانونية لإسرائيل. لقد وفر قانون الدولة القومية الإسرائيلي لعام 2018 بالفعل الغطاء القانوني لتل أبيب لتتباهى بالقانون الدولي وتفعل ما يحلو لها من حيث استعمار كل فلسطين وتهميش جميع الحقوق الفلسطينية. وفقًا للقانون الأساسي الجديد لإسرائيل، “دولة إسرائيل هي الدولة القومية للشعب اليهودي التي يمارس فيها حقه الطبيعي والثقافي والديني والتاريخي في تقرير المصير”. كانت هذه الإشارة بالذات هي ما ورد في بيان الحكومة الجديدة في 29 كانون الأول (ديسمبر).

ولا يوجد كثيرون في إسرائيل ممن يحتجون على هذا. في مقال نُشر أخيرًا في “فلسطين كرونيكل”، يشرح المؤرخ الإسرائيلي إيلان بابي كيف أن التشكيلات الاجتماعية والسياسية الحالية للمجتمع الإسرائيلي تجعل من المستحيل تقريبًا ظهور سياسات سائدة بديلة، بصرف النظر عن التيارات اليمينية والمتطرفة الثلاثة المهيمنة في ائتلاف نتنياهو: اليهود الأرثوذكس المتطرفون، واليهود القوميون المتدينون، ويهود الليكود العلمانيون.

هذا يعني أن التغيير في إسرائيل لا يمكن أن يأتي من إسرائيل نفسها. بينما يستمر الفلسطينيون في المقاومة، يجب على الحكومات العربية والإسلامية والمجتمع الدولي ككل مواجهة إسرائيل، باستخدام كل الوسائل المتاحة لإنهاء هذه المهزلة.

إن رأي محكمة العدل الدولية مهمٌّ للغاية، ولكن بدون اتخاذ إجراءٍ ذي معنى، فإن الرأي القانوني وحده لن يعكسَ الواقع المشؤوم على الأرض في فلسطين، خصوصًا عندما يتم تمويل هذا الواقع ودعمه وتعزيزه من قبل واشنطن وحلفاء إسرائيل الغربيين الآخرين.

  • رمزي بارود هو صحافي أميركي-فلسطيني ورئيس تحرير موقع “فلسطين كرونيكل”. ألّف ستة كتب بالإنكليزية كان آخرها، الذي شارك في تحريره إيلان بابيه، هو “رؤيتنا للتحرير: قادة ومثقفون فلسطينيون منخرطون يتحدثون بصراحة”. وهو أيضًا باحث أول غير مقيم في مركز الإسلام والشؤون العالمية (CIGA). يمكن متابعته عبر موقعه الإلكتروني: ramzybaroud.net

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى