سياسةُ الحدود السورية قد تُقَرِّرُ مُستَقبَلَ نظام بشّار الأسد

يسعى نظام الرئيس بشار الأسد إلى إعادة تأكيد سيطرته على الحدود مع تركيا، لأنه يعتقد بأن ذلك سيُعيده لاعبًا إقليميًّا مرّة أخرى.

حزب الاتحاد الديموقراطي الكردي: عقبة كبرى أمام إعادة العلاقات بين سوريا وتركيا.

خضر خضور*

في السنوات بين 2013 و2018، أصبح الصراع السوري مُرَكَّزًا أكثر في شمال البلاد. في قوسٍ يمتدُّ من أقصى شمال شرق سوريا إلى أقصى الشمال الغربي فيها، تَكَوَّنَت سلسلةٌ من المناطق الخارجة عن سيطرة نظام الأسد، بما في ذلك مساحات شاسعة من الأراضي شرق الفرات، وأجزاء كبيرة من محافظة إدلب، ومناطق عسكرية خاضعة للسيطرة العسكرية التركية. وتخلّلت هذه المناطق جيوبًا بقيت تحت سيطرة الدولة السورية.

أصبحت المنطقة الحدودية، التي كانت مَصدَرَ تهديدٍ للنظام في السنوات الأولى من الصراع، اليوم مصدرًا للشرعية الإقليمية. وبالطريقة نفسها التي سعت بها جماعات المعارضة إلى تأمين المناطق الحدودية لتكون قادرة على الحفاظ على الاتصال مع دول المنطقة، مع استغلال التجارة المربحة عبر الحدود عندما يكون ذلك ممكنًا، فإن نظام الرئيس بشار الأسد ينظر الآن إلى إعادة بسط سيطرته على هذه الحدود ليؤكّد على أنه الجهة الفاعلة الحكومية الصالحة والوحيدة، ما سيسمح له باستعادة مكانته في المنطقة.

لا تزال الحدود السورية-التركية غير قابلة للتجزئة، ما يعني أنها تُشكّلُ نظامًا بيئيًا سياسيًا أمنيًا واحدًا يرتبط بجنوب تركيا والأراضي السورية التي يسيطر عليها النظام. منذ صيف 2012، حدث تطوران مهمّان هناك شكّلا الواقع الحالي. أوّلًا، تقدّمت فصائل المعارضة باتجاه مدينة حلب وسيطرت على معظم مناطقها الشرقية. وقد أدى هذا الواقع إلى ربط تلك المناطق بشكلٍ فعال بالمناطق الواقعة في أقصى الشمال المُتاخمة للحدود التركية. في الوقت نفسه، انسحبت قوات النظام من عامودا وعفرين وكوباني، تاركةً إياها لحزب الاتحاد الديموقراطي المُرتبط بحزب العمال الكردستاني الذي تعتبره تركيا منظّمةً إرهابية. مع هذا، لأول مرة تمَّ استخدام الحدود كأداةِ حرب. قدمت تركيا الدعم والمساعدة لقوات المعارضة السورية داخل سوريا، في حين منح نظام الأسد الحرية المطلقة لحزب الاتحاد الديموقراطي وحزب العمال الكردستاني للعمل على طول الحدود الجنوبية لتركيا.

ومع ذلك، فإن الحدود اليوم تُشكّل بوابةً لتدفّق الأسلحة والمُقاتلين والإمدادات إلى المعارضة التركية لنظام الأسد، أكثر من كونها مكانًا تتقاطع فيه مصالح أنقرة ودمشق. وتتمثّل الأولوية التركية في إنهاء حالة الحكم الذاتي للكانتونات التي يسيطر عليها الأكراد داخل سوريا، بينما بالنسبة إلى نظام الأسد، الهدف الأساسي هو استعادة تلك المناطق وبسط سلطته إلى الحدود التركية.

ما سمح للنظام السوري بفرض نفسه كمحاور هو أنه تمكّن من تعزيز نفسه بعد التدخل العسكري الروسي في العام 2015. واستعادت قوات النظام السوري حلب بالكامل في العام 2016، وأعقبت ذلك عمليات عسكرية وحصار في وسط سوريا والمناطق الجنوبية، ما أدّى إلى انقسام المعارضة المسلحة والمدنية. وقد أدّت هذه العمليات العسكرية إلى سلسلةٍ من الاتفاقات المحلّية التي شهدت نقل العديد من الشخصيات المعارضة وعائلاتهم ومدنيين آخرين إلى شمال سوريا. بالإضافة إلى ذلك، أطلقت روسيا وتركيا وإيران مسارات أستانا وسوتشي الديبلوماسية، التي أنهت خطة المعارضة لإسقاط نظام الأسد. لقد أصبح تغيير النظام غير واقعي بمجرد مشاركة تركيا في عمليات التفاوض هذه.

يبدو أن تقارُبَ تركيا مع نظام الأسد آخذٌ في التطوّر وُيمكن أن يؤدي إلى تعاونٍ ما. في 15 كانون الأول (ديسمبر)، أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أنه اقترح على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن تنشئ تركيا وروسيا آلية ثلاثية مع سوريا لتسريع الانفتاح الديبلوماسي على نظام الأسد. حتى لو كان هذا مُهمًا، فإن التطبيع لا يزال بعيد المنال. تشمل الحدود قضايا عالقة مُعقّدة قد تكون أكثر صعوبة من قدرة النظام السوري على التعامل معها.

بالإضافة إلى ذلك، تدهور الاقتصاد السوري من اقتصاد حرب إلى اقتصاد ندرة، في حين أن النظام فاسدٌ للغاية. الموارد محدودة، ومؤسسات الدولة مشلولة تمامًا تقريبًا، والسوق السوداء أصبحت السوق الأوّلية. كل هذا أدى إلى موجة جديدة من نزوح الشباب ورجال الأعمال، الذين سيكونون ضروريين لإنعاش اقتصاد البلاد.

لا تزال التركيبة السكانية والأمن أكبر التحديات التي تواجه دمشق. من الناحية الديموغرافية، أدت الحرب في سوريا إلى نزوح ملايين الأشخاص، يعيش العديد منهم في مناطق حدودية ولهم علاقات مع سوريين عبر الحدود. سيتعيّن على النظام أن يجدَ طريقة للتعامل مع هذه المجتمعات. على الصعيد الأمني، تُعتَبَرُ التطورات في جنوب سوريا معيارًا جيدًا لتقييم قدرات نظام الأسد بعد الحرب. بعد استعادة النظام السيطرة على الجنوب في 2018، لم تتمكن الدولة السورية –لا سيما مؤسساتها الخدمية، والتي كانت من أكبر الخاسرين في الحرب– من استعادة زمام المبادرة في محافظة درعا. بدلًا من ذلك، تم نقل مهمة الإدارة المحلية إلى الأجهزة الأمنية العسكرية سيئة السمعة في البلاد. بالمقارنة مع الحدود الشمالية، فإن الحدود الجنوبية أصغر وأقل تعقيدًا، ولكن حتى هناك كان على النظام إعطاء الأولوية للسيطرة الأمنية على الحكم الفعلي، مع نتائج مبدئية. لهذا السبب لا يمكن تكرار مثل هذا النظام للسيطرة من قبل الأجهزة العسكرية والأمنية في الشمال. تتشابك التركيبة السكانية والأمن على طول الحدود الشمالية، وتتطلّب مقاربة مختلفة تمامًا لما حدث في الجنوب. يجب أن يستند هذا النهج الجديد إلى رؤية متماسكة تسمح للنظام بتحويل انتصاره العسكري إلى مكاسب سياسية.

بسبب عدم سيطرة السلطات السورية بشكل كامل على حدودها، لم يتمكن نظام الأسد من العمل بنجاح على المستوى الإقليمي. في الوقت نفسه فإن الحدود لن  تنتظرَ طويلًا. الوضعُ على طول القوس الشمالي السوري بأكمله آخذٌ في التغيّر. إلى أن يتمَّ التوصّل إلى تسويةٍ تؤدي إلى استقرار الوضع في الشمال، والتي قد تستغرق سنوات، فإن نظام الأسد يُفضّل تنفيذ الحلول العسكرية لاستعادة السيطرة على المزيد من الأراضي، بدون تقديم أي رؤية لما بعد الحرب باستثناء تلك التي تضمن بقاءه في السلطة لأطول فترة ممكنة.

  • خضر خضور باحث غير مقيم في مركز مالكولم إتش كير كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت. تتركز أبحاثه حول العلاقات المدنية العسكرية والهويات المحلية في المشرق العربي، مع التركيز على سوريا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى