الشرق الأوسط: ماذا جرى في العام 2022 إقتصاديًّا؟

على الرُغم من الأزمة الإقتصادية المستفحلة في العالم منذ بداية العام 2022 والتي حملت التضخم إلى الإقتصادات العالمية، فإن غالبية البلدان في الشرق الأوسط وخصوصًا في الخليج العربي إستطاعت مواجهة الأزمة.

الإقتصاد المصري سينمو 5.9% خلال العام 2022.

هاني مكارم*

في عامٍ من عَدَمِ اليقين الاقتصادي العالمي الذي يُغذّيه التضخّم والأزمات الجيوسياسية وانعدام الأمن في سلسلة التوريد، شهد الشرق الأوسط للعام الثاني على التوالي نموًّا اقتصاديًّا، حيث استثمرت دول المنطقة في التقنيات والمشاريع الجديدة التي يمكن أن تُبشّرُ بتكاملٍ أكبر في السنوات المقبلة.

في حين أنه من المتوقع أن يتباطأ توسّع الناتج المحلي الإجمالي العالمي من 6٪ في العام 2021 إلى 3.2٪ في العام 2022، فمن المتوقع أيضًا أن يدفع استمرار أسعار النفط المرتفعة نمو الناتج المحلي الإجمالي في الشرق الأوسط من 4.1٪ في العام 2021 إلى 5٪ في العام 2022، وفقًا لتوقعات صندوق النقد الدولي في تشرين الأول (أكتوبر). على الرُغم من أن التوسع الاقتصادي الإقليمي من المتوقع أن يتراجع إلى حد ما إلى 3.6٪ في العام 2023، إلّا أن هذا المعدل يتجاوز الرقم العالمي المتوقع عند 2.7٪.

كانت الدول المنتجة للنفط في دول مجلس التعاون الخليجي هي الأفضل أداءً في المنطقة هذا العام: من المتوقع أن يتوسع الناتج المحلي الإجمالي للكويت بنسبة 8.7٪ في العام 2022، تليها المملكة العربية السعودية (7.6٪) والإمارات العربية المتحدة (5.1٪) وسلطنة عُمان (4.4٪). في غضون ذلك، شهد العراق نموًا في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 9.3٪ على خلفية النفط، بينما واصلت مصر (6.6٪) والجزائر (4.7٪) تعافيهما بعد جائحة كوفيد -19.

وقد ولّدت المكاسب غير المُتَوَقَّعة من عائدات النفط مزيدًا من المرونة المالية وفوائض في الميزان الخارجي، ما سمح لأعضاء مجلس التعاون الخليجي مواصلة تمويل جهود التنويع، بينما فتح تحسين العلاقات الديبلوماسية إمكانية تعزيز التكامل الإقليمي والعالمي.

قوّة ماليّة

تبدو دول مجلس التعاون الخليجي في وضعٍ قوي مع اقتراب العام الجديد. ساعد ارتفاع أسعار الطاقة في العام 2021 أكبر اقتصاد في الخليج، المملكة العربية السعودية، على التوقع بأول فائض في الموازنة منذ ثماني سنوات لعام 2022. ومع ذلك، ظلّ العديد من البلدان يركز على موازنة ميزانياتها بعد عامين من الإنفاق المرتبط بالوباء – وهو اتجاه استمر في 2022.

في الفترات الماضية التي شهدت أسعارًا مرتفعة للنفط – على سبيل المثال، في 2002-2008 و2011-2014 – ارتفعت أجور القطاع العام في دول مجلس التعاون الخليجي بنسبة 51٪ و 40٪ على التوالي. لكن هذه المرة، كانت الزيادة في الإنفاق، خصوصًا في الأجور، محدودة على الرغم من أن المنطقة حققت فائضًا إجماليًا قدره 100 مليار دولار في العام 2022، وفقًا لصندوق النقد الدولي.

كانت الإصلاحات في القطاع المصرفي عاملًا آخر وراء تحسن أرصدة المالية العامة، حيث ظلت بنوك دول مجلس التعاون الخليجي محمية من ظروف الاقتصاد الكلي واتخذت تدابير لضمان الاستقرار في المستقبل.

من خلال تبنّي الرقمنة وتنويع مصادر التمويل وإنشاء شبكات تمويل مستدامة تساعد على الحماية من المخاطر الاجتماعية والبيئية، يعمل مقدمو الخدمات المالية في الخليج على التخفيف من المخاطر المستقبلية.

كان الاستثمار في الأمن السيبراني اتجاهًا ملحوظًا آخر في العام 2022، حيث انتشرت الهجمات الإلكترونية في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا. أطلقت الهيئة الوطنية للأمن السيبراني في المملكة العربية السعودية في أيار (مايو) البوابة الوطنية لخدمات الأمن السيبراني لتطوير وإدارة الخدمات الإلكترونية ودعم آليات الاتصال وتعزيز قدرات الأمن السيبراني لأكثر من 400 مؤسسة وطنية.

مسارات التنويع

إن الأرصدة المالية الإيجابية في السنوات المقبلة – حيث من المتوقع أن توفر دول مجلس التعاون الخليجي 33٪ من عائداتها النفطية في الفترة من 2022 إلى 2026– تضع منطقة الخليج في وضع يمكّنها من تمويل جهود التنويع بعيدًا من عائدات الهيدروكربونات.

تميّزَ العام الماضي بالاهتمام بالتقنيات الجديدة أو الناشئة مثل الذكاء الاصطناعي (AI) التي يُمكن أن تُعزّزَ القطاعات عالية القيمة مثل الطاقة والتمويل والخدمات الحكومية. قامت شركة بترول أبوظبي الوطنية (أدنوك) بالفعل بنشر التعلم الآلي لاستخراج بياناتها التاريخية والحالية لإنشاء سيناريوهات وتوقع عمليات.

التصنيع والرعاية الصحية والتعليم والسيارات وتجارة التجزئة والتجارة الإلكترونية والنقل هي مجالات أخرى من الاقتصاد يمكن أن تستفيد من هذه التكنولوجيا، والتي يمكن أن تولد ما يقدر بنحو 320 مليار دولار للمنطقة بحلول العام 2030.

في السنوات الأخيرة، نشرت مصر وقطر والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية استراتيجيات طموحة تقودها الحكومة لتطوير الذكاء الاصطناعي، إلى جانب الاستثمار الكبير في التعليم. مع ما يقرب من ثلاثة أرباع أهداف رؤية المملكة العربية السعودية 2030 تتضمن البيانات والذكاء الاصطناعي، وتخطط لتدريب 20 ألف متخصص في البيانات والذكاء الاصطناعي بحلول نهاية العقد.

ركزت جهود التنويع في المنطقة أيضًا على تعزيز الأمن الغذائي استجابةً لاضطرابات سلسلة التوريد الناجمة عن الغزو الروسي لأوكرانيا. قبل جائحة كوفيد -19، اعتمدت دول مجلس التعاون الخليجي على الواردات لتلبية 85٪ من احتياجاتها الغذائية.

يتم تخصيص أموال عامة كبيرة لدعم مرونة سلسلة التوريد، فضلًا عن التكنولوجيا الزراعية لإنتاج الابتكار والحلول المحلية، بما في ذلك الأنواع البديلة من المحاصيل. وقد أنشأت المملكة العربية السعودية، أكبر مستورد للأغذية في دول مجلس التعاون الخليجي، صندوقين يبلغ مجموع قيمتهما معًا 2.5 ملياري ريال سعودي (666 مليون دولار أميركي) – ركز أحدهما على تقديم ضمانات قروض لمصدري السلع الرئيسة والآخر موجه إلى المزارعين المحليين.

وفي الوقت نفسه، على الرغم من أن مصر قوة زراعية، إلّا أنها تعتمد على روسيا وأوكرانيا في ما يقرب من 70٪ من واردات القمح، ويعمل العديد من الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا الزراعية جنبًا إلى جنب مع الحكومة لمعالجة هذا النقص.

الإيرادات هي الدافع لتحوّل الطاقة

لعبت جهود دول مجلس التعاون الخليجي ونجاحاتها في قيادة السياسة الإنتاجية لمنظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) دورًا مركزيًا في الحفاظ على ارتفاع أسعار النفط.

عندما بدا الاقتصاد العالمي هشًا بشكل خاص في أيلول (سبتمبر)، وكانت أسعار النفط المرتفعة تضيف ضغوطًا تضخّمية على الدول المستهلكة، قادت الدول المنتجة للنفط في الخليج خفضًا إضافيًا للإنتاج على الرغم من ضغوط الولايات المتحدة ضد الإجراء، حيث رأت أن الطلب سوف يضعف.

إنخفضت أسعار النفط بالفعل في الأشهر اللاحقة، ما يعني أن القيادة الخليجية ربما تكون قد تجنبت انهيارًا محتملاً في الأسعار إذا استمرت أوبك في الإنتاج عند مستويات الصيف.

ضمنت هذه السياسة عائدات طاقة قوية، والتي تمَّ توجيهها بدورها نحو الاستثمار في انتقال وتحوّل الطاقة، وتحديدًا في القدرة على نشر تقنيات احتجاز الكربون واستخدامه وتخزينه وإنتاج الهيدروجين.

أعلنت المملكة العربية السعودية عن خطط لقيادة العالم في إنتاج الهيدروجين وتهدف إلى إنتاج 2.9 مليون طن سنويًا بحلول العام 2030 و4 ملايين طن سنويًا بحلول العام 2035. في آذار (مارس)، بدأت بناء محطة هيدروجين تعمل بالطاقة الشمسية والرياح بقيمة 5 مليارات دولار في مشروع نيوم الضخم. ستكون المنشأة أكبر مصنع هيدروجين في العالم عند اكتمالها، حيث ستنتج 650 طنًا يوميًا.

في أيار (مايو)، أعلنت أدنوك عن شراكة طاقة جديدة مع شركة بريتيش بتروليوم لتطوير مراكز هيدروجين في كل من الإمارات العربية المتحدة والمملكة المتحدة. ومن المقرر أن تستحوذ أدنوك على حصة في مشروع “إتش 2 تيسايد” للهيدروجين التابع لشركة بريتيش بتروليوم، بينما ستستثمر شركة بريتيش بتروليوم في مصنع أدنوك للهيدروجين الأخضر في “مصدر” بأبوظبي.

كما التزمت دول الخليج بتوليد مصادر طاقة متجددة، مدعومة بإمكانيات الطاقة الشمسية الوفيرة في المنطقة. وتهدف المملكة العربية السعودية، على سبيل المثال، إلى إنتاج 50٪ من طاقتها الكهربائية من مصادر الطاقة المتجددة بحلول العام 2030.

في العام 2023، ستتطلع المنطقة إلى الاستفادة من مجالات التركيز هذه في انتقال وتحوّل الطاقة حيث تستضيف دولة الإمارات العربية المتحدة مؤتمر الأمم المتحدة رقم 28 حول تغير المناخ. موطن لمجموعة واسعة من ابتكارات الطاقة النظيفة والوكالة الدولية للطاقة المتجددة، فإن دور دولة الإمارات كمضيفٍ للمؤتمر سيشكّل جدول الأعمال، الذي من المقرر أن يُركز على إزالة الكربون من خمسة قطاعات –الطاقة، والنقل البري، والصلب، والهيدروجين، والزراعة– لخفض تكاليف الطاقة وتعزيز الأمن الغذائي.

نظرًا إلى أن البناء والإسمنت مسؤولان عن أكثر من 50 ٪ من الانبعاثات العالمية، فمن المحتمل أيضًا أن يتضمن “كوب 28” (COP28) جهودًا لإزالة الكربون في هذه المجالات من الاقتصاد العالمي.

نمو التجارة في المستقبل

شجعت الآفاق الاقتصادية المُحسَّنة دول الخليج على الاستثمار في المشاريع التي يمكن أن تُعزّزَ تكاملًا اقتصاديًا إقليميًا طويل الأجل والتجارة.

كان أحد التطورات الواعدة هو إحياء مشروع سكة حديد دول مجلس التعاون الخليجي، والذي سيمتد من مدينة الكويت في الشمال عبر الجبيل والدمام في المملكة العربية السعودية قبل أن يمرّ عبر المنامة في البحرين والدوحة في قطر. سيعود الخط بعد ذلك إلى المملكة العربية السعودية ويمر عبر مناطق رئيسة في الإمارات – أبو ظبي ودبي والفجيرة – قبل أن ينتقل جنوبًا إلى مسقط في عُمان. إن القدرة على نقل البضائع على نطاق واسع بالسكك الحديدية ستزيد من الاتصال والتجارة الإقليميين.

واتفق زعماء دول مجلس التعاون الخليجي الستة في كانون الأول (ديسمبر) الماضي على إنشاء هيئة سكك حديد دول مجلس التعاون الخليجي للإشراف على المشروع. في حين تَعرقَلَ المشروع في السابق بسبب الضغوط المالية، يمكن أن تكون هذه التحركات بَشيرَ زيادة التكامل الاقتصادي الإقليمي. في غضون ذلك، اتخذت قطر والسعودية والإمارات خطوات لتحسين شبكات السكك الحديدية المحلية في العام 2022.

كما أطلقت دول مجلس التعاون الخليجي مفاوضات مع المملكة المتحدة في حزيران (يونيو) للتوصل إلى اتفاقية تجارة حرة على مستوى المنطقة تتطلع إلى تعزيز الطاقة المتجددة والأمن الغذائي.

لا يوجد جدول زمني رسمي لإتمام الصفقة، لكن كلا الجانبين استمر في المفاوضات في العام 2022 ويأملان في التوصل إلى اتفاق بحلول نهاية العام 2023. مثل مشروع سكة حديد دول مجلس التعاون الخليجي، تهدف الصفقة إلى تعزيز نفوذ المنطقة ككتلة تجارية عالمية.

  • هاني مكارم هو مدير تحرير “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى