قيس سعَيِّد خبرٌ سيِّئٌ لحقوق المرأة في تونس

يمكن للرئيس التونسي قيس سعَيِّد إعطاء الأولوية للمساواة بين الجنسين إذا أراد ذلك، لكن بعد مرور أكثر من ثلاث سنوات على رئاسته، لم يُظهر اهتمامًا يُذكَر بحماية المرأة التونسية.

التظاهرات في تونس: المرأة كانت في المقدمة.

سارة يِركِس*

تراجع الرئيس التونسي قيس سعيِّد بثبات عن عقدٍ من التقدّم الديموقراطي في البلاد منذ توطيد سلطته عبر انقلاب ذاتي في تموز (يوليو) 2021. أحد الحقوق الأكثر تعرّضًا للتهديد اليوم هو المساواة بين الجنسين. منذ استقلالها عن فرنسا في العام 1956، افتخرت تونس بكونها واحدة من أكثر الدول تقدّمًا في العالم العربي عندما يتعلّقُ الأمر بحماية حقوق المرأة وتعزيز تمكينها. ومع ذلك، فقد استخدم سعَيِّد مجموعةً مُتنوِّعة من الأدوات مباشرةً من “كتاب اللعب الاستبدادي” للتشدّق بالكلام عن المساواة بين الجنسين في تونس، في الوقت الذي يقوم بتقويضها.

هذا الأمرُ له آثارٌ تتجاوز النطاق الأخلاقي والمعنوي. تُعَدُّ المساواة بين الجنسين أحد أبعاد الحكم الرشيد. لقد أظهرت الأبحاث التي أجرتها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أن زيادة مشاركة المرأة في الحكومة يُمكن أن تُسهِمَ في الحدّ من عدم المساواة وتحسين ثقة الجمهور في الحكومة. إنَّ التمثيل السياسي الكامل يضمن بأن يَعكُسَ صناّعُ القرار في الدولة بشكلٍ أكثر دقة تركيبة المجتمع. وتميلُ المجتمعات ذات المستويات الأعلى من المساواة بين الجنسين في التعليم إلى تحقيقِ نموٍّ اقتصادي أعلى.

حقوق المرأة قبل الثورة

بدأت تونس سَنَّ إصلاحات جنسانية بعد فترة وجيزة من استقلالها، حتى مع الحفاظ على رقابةٍ صارمةٍ على المنظمات النسوية. وقد روّجَ أول رئيس للبلاد، الحبيب بورقيبة، لقانون الأحوال الشخصية الذي ألغى تعدد الزوجات، ونظّمَ الطلاق، ورفع سن الزواج، واشترط موافقة المرأة على الزواج، من بين تدابير أخرى. كانت تونس في مقدمة المنحنى على مستوى العالم في تزويد النساء بإمكانية الوصول إلى وسائل منع الحمل في العام 1962. وتم تشريع الإجهاض في العام 1973.

في الوقت الذي كانت حكومة بورقيبة ما بعد الاستقلال تُسيطِرُ بشدة على الكثير من الفضاء النسوي، بدأ المجتمع المدني التونسي في التراجع بشكلٍ جدي في السبعينيات، ما خلق حركة نسوية مستقلة تحدّت التفاوتات المُتَبَقِّية في دائرة الأحزاب. استمرت مجموعات حقوق المرأة في النمو من حيث الحجم والأهمية في عهد الرئيس السابق زين العابدين بن علي، الذي خلف بورقيبة في العام 1987، كجُزءٍ من فلَكٍ محدود لمنظمات المجتمع المدني المسموح لها بالعمل داخل حدودٍ معينة.

خلال ثورة 2010-2011 التي أطاحت بن علي، لعبت النساء دورًا مهمًا. نزلن إلى الشوارع للاحتجاج، وحشدن الشبكات ونظمنها من خلال النشاط السيبراني. حصلت المُدوّنة والناشطة التونسية، لينا بن مهني، على ترشيحٍ لجائزة نوبل للسلام لعام 2011 عن عملها المباشر في تغطية الاحتجاجات في المناطق الداخلية من البلاد. ومع ذلك، عانت النساء أيضًا من العنف القائم على النوع الاجتماعي خلال الانتفاضات، بما في ذلك حالات اغتصاب النساء المحتجزات في وزارة الداخلية في كانون الثاني (يناير) 2011.

عندما بدأت تونس تحوُّلها الديموقراطي في العام 2011، كان دور المرأة من أكثر القضايا الخلافية. كافح المجلس الوطني التأسيسي الذي كُلِّفَ بمهمة صياغة أول دستور ديموقراطي للبلاد حول كيفية تحديد حقوق المرأة. وطالب بعض أعضاء حزب “النهضة” الإسلامي بإعلان المرأة “مُكَمِّلة” للرجل في الدستور. لكن اللغة النهائية نصّت على أن الرجال والنساء “متساوون في الحقوق والواجبات وهم متساوون أمام القانون من دون أيِّ تمييز”.

خلال التحوُّل الديموقراطي، سنّت تونس أيضًا أحد أكثر قوانين المساواة بين الجنسين تقدّمية في العالم. على المستوى الوطني، كان مطلوبًا من الأحزاب التناوب بين الرجال والنساء في قوائم المرشحين الخاصة بها وأن يكون هناك تكافؤ عام بين الجنسين في قوائمها. على المستوى المحلي، طُلِبَ من الأحزاب التناوب بين الرجال والنساء في قوائم المرشحين، ولكن أيضًا إدراج النساء على رأس نصف قوائمها. في أول انتخابات بلدية ديموقراطية على الإطلاق في البلاد في العام 2018، ساعدت الكوتا في تحقيق شبه تكافؤ بين الجنسين، حيث فازت النساء بنسبة 47 في المئة من المقاعد.

في العام 2017، أقرَّ البرلمان التونسي تشريعًا تاريخيًا يهدف إلى القضاء على العنف القائم على النوع الاجتماعي. وقد أزالَ التشريع، المعروف باسم القانون 2017-58 بشأن القضاء على العنف ضد المرأة، مادةً من قانون العقوبات تسمح للمغتصبين بالزواج من ضحاياهم هربًا من الملاحقة القضائية، وأكد للناجيات من العنف القائم على النوع الاجتماعي الوصول إلى خدمات الدعم، وصنَّفَ الاغتصاب الزوجي كشكلٍ من العنف القائم على النوع الاجتماعي، من بين أحكام أخرى. جاء القانون في وقتٍ تفشّى العنف القائم على النوع الاجتماعي – في العام 2017، أفادت حوالي 70 في المئة من النساء التونسيات أنهن ضحايا للعنف القائم على النوع الاجتماعي.

على الرغم من تطبيق القانون الجديد، شهدت جائحة كوفيد-19 زيادة كبيرة في حالات العنف القائم على النوع الاجتماعي في تونس، بسبب نقص الوعي العام بالقانون الجديد وانعدام الإرادة السياسية لتنفيذه. وقد ألقت “هيومن رايتس ووتش” باللوم في الإخفاقات على الأموال غير الكافية لتنفيذ القانون إلى جانب “المواقف بين الشرطة والقضاء” التي تؤدي إلى محاولات غير مُتَّسقة وفاشلة في كثير من الأحيان لتزويد النساء بالحماية التي يوفّرها القانون.

تأثير سعَيِّد

على غرار الحكام المستبدين الآخرين في المنطقة، استخدم قيس سعيِّد الترويج الذي تقوده الدولة للمساواة بين الجنسين كإلهاءٍ عن الحملة القمعية الاستبدادية التي يقوم بها. لقد اتخذ القليل من الإجراءات العامة لتحسين حياة النساء التونسيات، اللواتي ما زلن يُعانين من العنف القائم على النوع الاجتماعي، فضلًا عن الفجوة الهائلة في توظيف الإناث وانتشار الثقافة الأبوية في تونس.

يساعد هذا في تفسير السبب الذي جعل سعَيِّد، عندما عيّنَ نجلاء بودن رئيسةً للوزراء في تشرين الأول (أكتوبر) 2021، أول امرأة تتولى هذا المنصب في العالم العربي، يُثيرُ غضب المجتمع المدني والنساء التونسيات، اللواتي وصفن أفعاله بـ”الغسيل الوردي”، “أدائي”و”مُضَلّل “. وتتمتع بودن بسلطة قليلة وتخضع لسيطرة سعَيِّد الكاملة – وهذا يُعتبَرُ تحوّلًا كبيرًا عن دستور 2014 الذي يُقسّم السلطات التنفيذية بين رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء.

نشط سعَيِّد أيضًا في منع إجراء إصلاحاتٍ على قانون الميراث الذي يُمكنُ أن يمنح المرأة نصيبًا مُساويًا في الميراث للرجل. ويُساهِمُ فشل المرأة في الوصول إلى الحرية الاقتصادية في استمرار العنف الأسري، ما يترك النساء يواجهن حالات سوء معاملة بدون حرية مالية ضرورية للخلاص والهروب.

في المجال القانوني، أصدر سعيَّد مرسومًا ألغى الالتزام باحترام المساواة بين الجنسين في التعيينات الحكومية وألغى حصص (كوتا) النساء في قانون الانتخابات الصادر في أيلول (سبتمبر) 2022. إنَّ المشروع السياسي الأساسي لسعيّد، الدستور الذي تمَّ تبنّيه في تموز (يوليو) 2022، أزال أيضًا ذكر الطبيعة المدنية للدولة التونسية، وبدلًا من ذلك أدخل خطًا إشكاليًا يُحتَمَل أن يعهد إلى الدولة بمهمة “تحقيق أهداف الإسلام”.

التطلُّع قُدُمًا

القضايا التي منعت المرأة من تحقيق المساواة منتشرة اليوم تمامًا كما كانت في 2010. وكما قال ناشط تونسي لمجلة نيوزويك، “المرأة التونسية تقف حاليًا على حافة الهاوية”. وفقًا للبنك الدولي، تشارك أكثر من ربع النساء التونسيات في القوى العاملة، أي حوالي نصف متوسط دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. ويُعزى معدل المشاركة المنخفض في القوى العاملة إلى مزيجٍ من “ضعف الطلب على العمالة، والأدوار المخصصة للجنسين، ومحدودية توافر خدمات رعاية الأطفال بأسعار معقولة، والفجوات بين الجنسين في ملكية الأصول الإنتاجية”. والذي أدى إلى تفاقم المشكلة، كما وجدت دراسة أجرتها منظمة أوكسفام، هو أن النساء في تونس يقضين في المتوسط ثماني ساعات يوميًا في أنشطة الرعاية غير مدفوعة الأجر بينما يقضي الرجال أقل من 45 دقيقة، مما يجعل من المستحيل تقريبًا على العديد من النساء في أدوار الرعاية الانضمام إلى القوى العاملة.

لا يزال العنف القائم على النوع الاجتماعي مُستَمِرًّا في تونس. في العام 2021، سجّلت الشرطة ما يقرب من 69,000 شكوى عن العنف ضد النساء والفتيات، مع احتمال عدم الإبلاغ عن العديد من الحالات الأخرى. وقد وجد تقرير الحكومة التونسية لعام 2022 لتقييم القانون 58-2017 العديد من أوجه القصور في تطبيقه، بما في ذلك نقص الموارد المالية لتنفيذ القانون، وضعف تدريب المسؤولين القضائيين ونقص المشورة القانونية المجانية أو المساعدة للضحايا. علاوةً على ذلك، تُواجه مجموعات المجتمع المدني، التي تلعب دورًا حاسمًا في الدعوة إلى مزيد من المساواة بين الجنسين وفي الضغط من أجل حماية ضحايا العنف القائم على النوع الاجتماعي، قيودًا متزايدة على مساحة المجتمع المدني في تونس اليوم، وتواجه أيضًا تهديدًا بمزيدٍ من القيود التي تحدّ من قدرتها للوصول إلى التمويل الدولي الحاسم. .

بغض النظر عن نتيجة الانتخابات التشريعية هذا الشهر، ستبقى السلطة في يد سعيِّد. في حين سعت الوزارة الوطنية للأسرة والمرأة والطفولة والمسنين إلى تحسين الوعي بالقانون 58-2017، عندما فشل سعيِّد نفسه في التنديد علنًا بعدم المساواة بين الجنسين، فإن رسالته تُسمع بصوت عالٍ وواضح. يمكن لسعَيِّد إعطاء الأولوية للمساواة بين الجنسين إذا أراد ذلك. لكن بعد مرور أكثر من ثلاث سنوات على رئاسته، لم يُظهر اهتمامًا يُذكر بحماية المرأة التونسية.

  • سارة يِركِس هي زميلة في برنامج الشرق الأوسط في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، حيث تركز أبحاثها على التطورات السياسية والاقتصادية والأمنية في تونس وكذلك العلاقات بين الدولة والمجتمع في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى