ميثاقية غبّ الطلب

راشد فايد*

جَلسَةُ مجلس الوزراء التي دُعِيَت لها حكومة تصريف الأعمال نموذجٌ واضحٌ لما يعنيه استخفاف الطبقة السياسية بمصالح المواطنين، وتقدّم الصراع السياسي، الضَيِّق والسطحي، على أولوية تدعيم بنية الوطن، وتدارك المزيد من انهياره، وتضعضع هيكلية الدولة ومؤسساتها، إلى إفلاس البلاد، وإهدار كل وجوه الحداثة التي وصلت إليها في الطبابة والإستشفاء والتعليم، برُغمِ حشد الأزلام والمُنتفعين في إداراتها.

اللافت أن يُعلِنَ بعض الوزراء أنهم يقاطعون الجلسة لأنهم يرفضون مخالفة الدستور، وتمنعهم وقاحتهم السياسية من أن يروا في تعطيل انتخاب رئيس الجمهورية المُرتَقَب تعطيلًا أخطر  للدستور، وبدل أن يدفعوا بقادتهم السياسين إلى العمل لانتخاب رأس هرم السلطة، لتصدر حكومته الأولى المراسيم اللازمة والواجبة المطروحة على الجلسة الحكومية، وترسم الطريق إلى حالٍ أفضل، بدل السفسطة في الدستور وصلاحيات الحكومة المستقيلة، وما هو دورها، وما ليس كذلك.

في المقابل، لا يُظهِرُ أهل الطبقة السياسية امتعاضًا من شرشحة الدستور، وفق منطقهم، في مسلسل انتخاب الرئيس الذي تدور مشاهده في مجلس النواب، برغم وضوح النصوص في هذا المجال، ولا يتنبّهون إلى أن في عدم انتخاب رئيس ماروني إخلالًا بالميثاقية التي يرفعون رايتها غبّ الطلب. فلا ينتقدون لعبة إفقاد النصاب التي يمتهنها فلول 8 آذار، مُستخفّين بموجبات الدستور، ومن ناحية أخرى، لربما صار مُلِحًّا توسيع مفهوم هذه الميثاقية لتشمل توفير العيش الكريم للبنانيين لعلَّ أصحاب الحلِّ والربط في البلاد يجدون في الأمرِ فرصةً لإبداءِ حسٍّ وطنيٍّ جامع، لا عصبية طائفية عوراء. الواقع أن رفع راية الطائفة أكثر جذبًا لـ”الجمهور” من رفع راية المواطنين.

تفاؤلٌ في غير مكانه، بدليل تسابق القوى المسيحية المُتناحرة على تحليل وفلسفة  “المخالفة الميثاقية”، واستهوالها، وصمت الجميع على تهريب النصاب، في ما يشابه لعبة أولاد غير مسؤولين، مُبتهجين بالإنتصار على مواطنيهم ومدِّ زمن آلامهم.

يُماشي تعطيل انتخاب رئيس للبلاد، واستنكار المُعطّلين اجتماع الحكومة نهجًا إختطه حزب 8 آذار ولا يزال عليه منذ انسحاب قوات الوصاية السورية: يقيل وزراء الثنائي الشيعي (وحليفه العوني) ويمنع أي شخصية شيعية من الإستيزار مكانهم، ويطلق العويل والنحيب على ما يزعمه، بافتعالٍ منه، لا ميثاقية، بصرف النظر عن أن الاستقالة كانت حبرًا على ورق، ولم تُمارَس.

يندرج في هذا المنطق ما يقوله الأمين العام ل”حزب الله”، السيد حسن نصرالله في أكثر من مناسبة، من “أن مَن يريد انتخاب رئيس الجمهورية يجب أن يبتعد عن منطق التحدّي لصالح التشاور”، ولا يبعد عنه، في ذلك  نائبه الذي يكرر أن “لا مجال لأن يصلَ شخصٌ استفزازي من صنع السفارات إلى رئاسة الجمهورية”. وينسى الإثنان أنهما يدعمان، حتى إشعار واضح مرشَّحَين لا واحدًا، يطوف موفدوهما ليس على السفارات بل وعلى الدول الفاعلة على طريق بعبدا.

  • راشد فايد هو كاتب، صحافي ومُحلّل سياسي لبناني. يُمكن متابعته عبر تويتر على: @RachedFayed
  • يصدر هذا المقال في “أسواق العرب” (لندن) توازيًا مع صدوره في صحيفة “النهار” (بيروت).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى