الأسلِحَةُ النَوَوِيِّةُ الإسرائيلية هي أكبرُ تهديدٍ للشرقِ الأوسط

يُعتَقَدُ أن إسرائيل تملك حاليًّا “ما يكفي من المواد الانشطارية لتصنيع من 60 إلى 300 سلاح نووي”، وفقًا للضابط السابق في الجيش الأميركي إدوين كوكران وبعض التقارير الإستخبارية الأخرى.

شيمون بيريز: والد القنبلة النووية الإسرائيلية.

رمزي بارود*

بينما تطرحُ الدول الغربية النظرية القائلة بأن روسيا يُمكِنُ أن تُصَعِّدَ صراعها مع أوكرانيا إلى حربٍ نووية، يواصلُ العديدُ من الحكومات الغربية غضَّ الطرف عن قدرات إسرائيل العسكرية النووية. لحسن الحظ، لا يشترك العديد من الدول حول العالم في هذا النفاق الغربي المُزمِن.

عُقِدَ “مؤتمر إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل الأخرى في الشرق الأوسط” في الفترة من 14 إلى 18 تشرين الثاني (نوفمبر)، بهدفٍ وحيد هو وضع معايير جديدة للمُساءلة التي، كما كان ينبغي أن تكون دائمًا، تُطَبَّقُ بالتساوي على جميع دول الشرق الأوسط.

لا يُمكِنُ أن يكونَ النقاشُ بشأنِ الأسلحة النووية في الشرق الأوسط أكثر صلةً بالموضوع أو إلحاحًا. لاحظ المراقبون الدوليون بحقّ أن الفترة التي ستعقب الحرب الروسية-الأوكرانية من المُرجَّح أن تُسَرِّعَ السعي للحصول على أسلحةٍ نووية في جميع أنحاء العالم. وبالنظر إلى حالة الصراع التي تبدو دائمة في الشرق الأوسط، فمن المرجح أن تشهد المنطقة تنافسًا نوويًا أيضًا.

على مدى سنوات، حاولت الدول العربية وغيرها إثارة قضية تتمثّل بأن المُساءلة التي تتعلّق بتطوير وحيازة الأسلحة النووية لا يمكن أن تقتصر فقط على الدول التي يُنظَرُ إليها على أنها عدوة لإسرائيل والغرب.

وكان آخرُ هذه الجهود قرارُ الأمم المتحدة الذي دعا إسرائيل إلى التخلّص من أسلحتها النووية، ووَضعِ مُنشآتِها النووية تحت رقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية. تم تمرير القرار رقم “A / C.1 / 77 / L.2″، الذي صاغته مصر بدعمٍ من الدول العربية الأخرى، بغالبية 152 صوتًا مقابل 5 أصوات. ومما لا يثير الدهشة، أن من بين الدول الخمس التي صوّتت ضد مشروع القانون كانت الولايات المتحدة وكندا، وبالطبع إسرائيل نفسها.

على الرغم من الدعم الأميركي والكندي الأعمى لتل أبيب، ما الذي يجبر واشنطن وأوتاوا على التصويت ضد مشروع بعنوان: “خطر الانتشار النووي في الشرق الأوسط”؟ مع الأخذ في الاعتبار الحكومات اليمينية المتطرفة المتعاقبة التي حكمت إسرائيل لسنوات عديدة، يجب على واشنطن أن تفهم وتُدرِك أن خَطَرَ استخدامِ الأسلحة النووية تحت ستارِ صَدِّ “تهديدٍ وجودي” هو احتمالٌ حقيقي.

منذ نشوئها، لجأت إسرائيل إلى عبارة “التهديد الوجودي” واستخدمتها مرّاتٍ لا تُحصى. تمَّ اتهامُ حكوماتٍ عربية مختلفة، وإيران في ما بعد، وحتى حركات المقاومة الفلسطينية الفردية، بتعريضِ وجودِ إسرائيل ذاته للخطر. حتى حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (BDS) التي يقودها المجتمع المدني الفلسطيني السلمي اتهمّها رئيس الوزراء آنذاك بنيامين نتنياهو في العام 2015 بأنها تُشكّلُ تهديدًا وجوديًا لإسرائيل. وزعم نتنياهو أن حركة المقاطعة “لا علاقة لها بأفعالنا، بل إنها مُرتَبِطة بوجودنا ذاته”.

يجب أن يُقلِقَ هذا الأمر الجميع، ليس فقط دول الشرق الأوسط، ولكن العالم بأسره. ينبغي ألّا يُسمَحُ لدولةٍ بهذه الحساسية المفرطة تجاه “التهديدات الوجودية” المُتَخَيَّلة بالحصول على هذا النوع من الأسلحة الذي يمكن أن يُدمّرَ الشرق الأوسط بأكمله، مرّاتٍ عدة.

قد يٌجادِلُ البعض بأن ترسانة إسرائيل النووية كانت مُرتبطة ارتباطًا جوهريًا بمخاوف حقيقية ناتجة عن صراعها التاريخي مع العرب. ولكن هذا ليس صحيحًا ولا هو الحال. بمجرّد أن أنهت إسرائيل التطهير العرقي للفلسطينيين من وطنهم التاريخي، وقبل وقتٍ طويل من تنفيذ أي مقاومة عربية أو فلسطينية جادة للردّ، كانت إسرائيل اصلًا تبحث عن أسلحة نووية.

في أوائل العام 1949، عثر الجيش الإسرائيلي على رواسب من اليورانيوم في صحراء النقب، ما أدّى في العام 1952 إلى إنشاء لجنة الطاقة الذرية الإسرائيلية بسرّية شديدة.

في العام 1955، باعت الحكومة الأميركية إسرائيل مفاعلًا للأبحاث النووية. لكن هذا لم يكن كافيًا. كانت تل أبيب حريصة على أن تُصبِحَ قوة نووية كاملة، فقد لجأت إلى باريس في العام 1957. وأصبحت الأخيرة شريكًا رئيسًا في أنشطة إسرائيل النووية الشريرة عندما ساعدت الحكومة الإسرائيلية على بناءِ مفاعلٍ نووي سرّي بالقرب من ديمونا في صحراء النقب.

لم يكن والد البرنامج النووي الإسرائيلي في ذلك الوقت سوى شيمون بيريز الذي حصل، للمفارقة، على جائزة نوبل للسلام في العام 1994. ويُطلق على مفاعل ديمونا النووي الآن “مركز شيمون بيريز للأبحاث النووية – النقب”.

مع عدم وجود رقابة دولية على الإطلاق، وبالتالي بدون أيّ مُساءلة قانونية، يستمر سعي إسرائيل النووي حتى يومنا هذا. في العام 1963، اشترت إسرائيل 100 طن من خام اليورانيوم من الأرجنتين، ويُعتَقَدُ بقوة أنه خلال الحرب الإسرائيلية-العربية في تشرين الأول (أكتوبر) 1973، اقتربت إسرائيل من القيام بضربةٍ استباقية نووية، وفقًا لريتشارد سايل، الذي كتب ذلك في وكالة “يونايتد برس انترناشونال أو (UPI).

حاليًا، يُعتَقَد أن لدى إسرائيل “ما يكفي من المواد الانشطارية لتصنيع من 60 إلى 300 سلاح نووي”، وفقًا للضابط السابق في الجيش الأميركي إدوين كوكران وتقارير إستخبارية أُخرى.

تختلف التقديرات، لكن الحقائق المُتعلّقة بأسلحة الدمار الشامل الإسرائيلية لا جدال فيها. إسرائيل نفسها تُمارِسُ ما يُعرَف بـ”الغموض المُتَعَمَّد”، لتوجيه رسالة لأعدائها عن قوتها الفتاكة، بدون الكشف عن أيِّ شيءٍ قد يجعلها مسؤولة أمام التفتيش الدولي.

ما نعرفه عن أسلحة إسرائيل النووية أصبح مُمكنًا جُزئيًا بسبب شجاعة تقنيٍّ نووي إسرائيلي سابق يدعى موردخاي فعنونو، الذي كشف عن المخالفات لصحيفة “صاندي تايمز” البريطانية، الأمر الذي أدى إلى خطفه من لندن واحتجازه في الحبس الانفرادي في إسرائيل لمدة عقدٍ بسبب شجاعته في كشف أحلك أسرار الدولة العبرية.

ومع ذلك، ترفض إسرائيل التوقيع على معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، التي صادقت عليها 191 دولة.

يلتزمُ القادةُ الإسرائيليون بما يُعرَفُ بـ”مبدَإِ بيغن”، في إشارةٍ إلى مناحيم بيغن، رئيس الوزراء الإسرائيلي اليميني الذي غزا لبنان في العام 1982، مما أسفر عن مقتل الآلاف. تتم صياغة العقيدة حول فكرة أنه بينما تمنح إسرائيل لنفسها الحقّ في امتلاك أسلحة نووية، فإن أعداءها في الشرق الأوسط يجب ألّا يتمتّعوا بالحق نفسه. يستمر هذا الاعتقاد في توجيه الأعمال الإسرائيلية حتى يومنا هذا.

لا يَقتَصِرُ دعمُ الولايات المتحدة لإسرائيل على ضمان تمتّع الأخيرة بـ”التفوّق العسكري” على جيرانها في ما يتعلق بالأسلحة التقليدية، ولكن أيضًا لضمان بقاء إسرائيل القوة العظمى الوحيدة في المنطقة، حتى لو استلزم ذلك الهروب من المُساءلة الدولية عن تطوير أسلحة الدمار الشامل.

إن الجهودَ الجماعية التي تبذلها الدول العربية والدول الأخرى في الجمعية العامة للأمم المتحدة لإنشاءِ منطقةٍ خاليةٍ من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط هي مبادرات مُرَحَّبٌ بها. يَتَعَيَّنُ على الجميع، بما في ذلك واشنطن، الانضمام إلى بقية العالم لإجبار إسرائيل أخيرًا على الانضمام إلى معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، وهي خطوة أولى لكنها حاسمة نحو المُساءلة التي طال انتظارها.

  • رمزي بارود هو صحافي، كاتب ورئيس تحرير “The Palestine Chronicle. ألّفَ ستة كتب. كتابه الأخير، الذي شارك في تحريره إيلان بابيه، هو: “رؤيتنا للتحرير: قادة ومثقفون فلسطينيون منخرطون يتحدثون بصراحة”. من كتبه الأخرى “أبي كان مناضلًا من أجل الحرية” و”الأرض الأخيرة”. كما إنه باحثٌ أول غير مقيم في مركز الإسلام والشؤون العالمية (CIGA). يمكن متابعته عبر موقعه الإلكتروني: ramzybaroud.net.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى