هل الشرق الأوسط على المَسارِ الصحيح لتَحقيقِ أهدافِه المناخية؟

دخلت منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مناقشة شؤون المناخ كمنطقةٍ مُضيفة لأهم مؤتمر للمناخ في العالم. لكن تقدّمَ المنطقة متفاوتٌ للغاية، وبدون دعمٍ من العالم المُتقدّم، فمن المؤكد أنها ستتظل على هذا النحو.

مبادرة صافي الصفر: مسار الإمارات إلى الحياد الكربوني.

الدكتورة لَما الحَتُو*

على مدى العامين المُقبلَين، ستستضيف منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا “مؤتمر الأطراف” المُنبثق عن اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ- أو “كوب” (Cop)- المؤتمر العالمي الأول لتغيّر المناخ. سُيعقَد “كوب 27″ في مصر، و”كوب 28” في الإمارات العربية المتحدة، ما يجعل هذا الوقت محوريًا لإلقاء الضوء على طموحات المناخ في المنطقة ومسارها نحو مساراتٍ منخفضة الكربون وخالية منه.

تتضمّن النتائج المُتَوَقَّعة من “كوب 27” أربعة بنود رئيسة سيتم الاتفاق عليها: تمويل المناخ؛ التكيُّف؛ الخسائر والأضرار؛ وزيادة الطموح. في ما يتعلق بتمويل المناخ، هناك أمل في أن تلتزم الدول المتقدمة بالمبلغ الذي تم الاتفاق عليه مُسبقًا والبالغ 100 مليار دولار سنويًا للبلدان النامية، وهو ما لم يتحقّق بالكامل منذ اتفاقية باريس الموقّعة في العام 2015.

يُعَدُّ التكيّف، بالإضافة إلى الخسائر والأضرار، من النقاط الرئيسة لأن مؤتمر مصر هو مؤتمر أفريقي، مع تعرّض البلدان الأكثر ضعفًا في هذه القارة لخطر غمر وإبادة الأراضي والتنوّع البيولوجي. لذلك، من الضروري الاتفاق على آليةِ التعامل مع الخسائر والأضرار.

النقطة الرابعة في جدول الأعمال، وهي زيادة الطموح، تتطلّب المزيد من الإرادة السياسية من المجتمع الدولي. يشير تقريرٌ صدر في شباط (فبراير) 2022 عن الهيئة الحكومية الدولية المَعنية بتغيّر المناخ إلى أن الزيادات في درجات الحرارة العالمية يجب أن تظل أقل من 1.5 درجة مئوية لتجنّب كارثة مناخية، وإنه لم يتبقَّ لدينا سوى 10 سنين حتى يتمّ استخدام “موازنة الكربون” بالكامل. علاوة على ذلك، بحلول العام 2030، ينبغي خفض مستويات الانبعاثات إلى النصف من أجل الحفاظ على مسار ال1.5 درجة مئوية. هذا يعني أنه أمامنا أقل من 10 سنين لاتخاذ إجراءاتٍ قوية وخفض انبعاثاتنا على مستوى العالم.

التزمت البلدان بالمساهمات المُحَدَّدة وطنيًا من أجل الحدّ من انبعاثاتها. والمساهمة المُحَدَّدة وطنيًا هي خطة عمل مناخية لخفض الانبعاثات والتكيّف مع تأثيرات المناخ مع وضع هدف خفض الانبعاثات في الاعتبار. قَيَّمَ ميثاقُ غلاسكو للمناخ في العام 2021 أنه إذا تمَّ تنفيذ جميع أهداف المساهمات المُحَدَّدة وطنيًا التي تمّ التعهّد بها في باريس، فسنظل نتجه نحو 2.4 درجة مئوية من الاحتباس الحراري، مع سيناريو أسوَإ حالةٍ عند 2.8 درجة مئوية إذا لم يتم تنفيذ جميع التعهدات، وأفضل سيناريو عند 1.8 درجة مئوية إذا تمَّ تنفيذ جميع الإجراءات الجديدة في غلاسكو. لا يزال هذا فوق علامة الاحترار 1.5 درجة مئوية اللازمة لتجنّب الكارثة. لذلك، تم الاتفاق في غلاسكو على أنه بحلول موعد انعقاد مؤتمر مصر، ستزيد جميع الدول طموحاتها وتضع تعهدات جديدة لخفض انبعاثاتها. هذا هو المكان الذي تشتدّ الحاجة فيه إلى الإرادة السياسية العالمية.

تعهّدت مصر، كدليلٍ على حسن النية بصفتها مضيفة “كوب 27″، بأن تكون أول دولة تنشر تعهّدها المُحَدَّث قبل المؤتمر. في تموز (يوليو)، نشرت الدولة مساهمتها المٌحَدَّدة وطنيًا المُحَدَّثة، مُبتعدةً من خطتها لعام 2017 من خلال التعبير عن التزامات التخفيض من الناحية الكمية (كانت نسخة 2017 نوعية بحتة). لقد بذلت مصر بعض الجهود الطموحة للعمل من أجل العمل المناخي التدريجي على مدى السنوات القليلة الماضية، مع استثماراتٍ جادة في الطاقة الشمسية، بما في ذلك “مجمع بنبان للطاقة الشمسية” في أسوان الذي ينتج 1.8 جيغاواط من الطاقة الشمسية. ولكن لا يزال من الممكن أن تذهب أبعد من ذلك. علاوةً، فإن المساهمة المُحَدَّدة وطنيًا المُحَدَّثة لعام 2022 تُحدّدُ أهداف الخفض التي يتعيّن تحقيقها في قطاعات محددة: الكهرباء (بنسبة 33 في المئة)، والنقل (بنسبة 7 في المئة)، والنفط والغاز (بنسبة 65 في المئة). ومع ذلك، قد يكون الهدف الوطني مفيدًا، حيث أن “أداة تعقّب العمل المناخي”، وهي أداة قياس مُمَوَّلة دوليًا، تُقدّرُ أن بلدًا بحجم مصر وملفها الشخصي سيحتاج إلى تقليل الانبعاثات بنسبة 25 في المئة بشكلٍ عام بحلول سنة 2030 -مُقارنةً بمستويات اليوم- إذا أردنا أن نظلَّ أقل من هدف 1.5 درجة مئوية.

من المنطقة العربية، الدولة الوحيدة إلى جانب مصر التي قدّمت مساهمات مُحَددة وطنيًا مُحَدَّثة هي تونس والإمارات العربية المتحدة.

ستعمل المساهمة المُحَدَّدة وطنيًا المُحَدَّثة في تونس على خفض الانبعاثات الوطنية بنسبة 45 في المئة بحلول العام 2030، مُقارنةً بالمستوى المَرجَعي لعام 2010، مُقابل تخفيضٍ بنسبة 41 في المئة فقط مُتصوَر بموجب المساهمة المُحَدَّدة وطنيًا الأولى. ومع ذلك، فإن هذا الرقم مرهونٌ بالدعم المالي الدولي. وفي حالة فشل هذا الدعم، تعهّدت تونس بتخفيضٍ غير مشروطٍ بنسبة 28 في المئة لانبعاثاتها بحلول العام 2030 مُقارنةً بالمستوى المَرجَعي لعام 2010، مُقابل خفضٍ بنسبة 13 في المئة فقط مُتصَوَّر في إطار المساهمة المُحَدَّدة وطنيًا الأولى. هذا التعهّد المُحَدَّث تقدّمي، لكن طارئه على الدعم المالي الدولي يضع التركيز على تمويل المناخ الذي سيتم صرفه، والذي لا يزال حتى اليوم مُتخلّفًا عن الهدف الأوّلي البالغ 100 مليار دولار سنويًا.

بصفتها الدولة المضيفة لـ”كوب 28” في العام المقبل، تعهدت دولة الإمارات بخفض انبعاثاتها بنسبة 31 في المئة بحلول العام 2030، مُقارنَةً بالعمل المعتاد. ويمثل هذا زيادة بنسبة 7.5 في المئة عن المساهمة المُحَدَّدة وطنيًا لعام 2020 البالغة 23.5 في المئة. علاوة على ذلك، أطلقت الإمارات في وقت سابق من هذا العام، مبادرة صافي الصفر بحلول العام 2050، والتي تُوضّح كيف تعمل الدولة نحو الانتقال إلى مسار انعدام الانبعاثات. وتوفّرُ هذه الخطوة الجريئة، المتمثلة في الالتزام بمسارٍ خالٍ من الانبعاثات بدلًا من مسارٍ مُنخفِضِ الانبعاثات، الأمل في أن تحذو بقية المنطقة حذوها.

الواقع أن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا قد دخلت في عمق مناقشة شؤون المناخ كمنطقة مضيفة لأهم مؤتمر للمناخ في العالم. لكن تقدم المنطقة متفاوت للغاية، وبدون دعم من العالم المُتقدّم، فمن المؤكد أنها ستظل على هذا النحو.

من الفيضانات المدمرة في باكستان إلى حرائق الغابات في البرازيل إلى موجات الحرارة القاتلة في جميع أنحاء أوروبا، نحن على شفا كوارث مناخية في كل مكان حولنا. لم تعد الإرادة السياسية للدول ترفًا، بل أصبحت ضرورة لبقائنا.

  • الدكتورة لَما الحَتُو هي باحثة متخصّصة في البيئة وتغيّر المناخ.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى