ليز تراس: أنا صهيونية وسأنقل السفارة البريطانية إلى القدس؟؟!

عرفان نظام الدين*

عايَشتُ رؤساءَ الحكوماتِ والقياداتِ البريطانية منذ نصف قرن، وأجريتُ مُقابلاتٍ تلفزيونية وصحافية مع عدد منهم بينهم المرأة الحديدية مارغريت ثاتشر وجون مايجور. وبغضِّ النظر عن سيئاتهم وحسناتهم فإنني لم أجد أفشل من رئيسة الوزراء الجديدة ليز تراس وأوقَح منها بعد ان رمت بنفسها أخيرًا في أحضان الصهياينة وغازلت إسرائيل بإعلانها بكل صراحة: نعم، أنا صهيونية منذ صغري، وسأنقلُ السفارة البريطانية من تل ابيب إلى القدس؟
وجاء هذا التصريح المُجحِف والاستفزازي بعد سلسلة قراراتٍ خاطئة ومُتَسَرِّعة اتّخذتها في اليوم الاول لتسلمها السلطة ثم اضطرّت للتراجع عنها بعد تعرّضها للنقد ولحملات استنكارٍ وتهديدٍ بإسقاطها ومن بينها أمورٌ اقتصادية وضرائبية لمصلحة الأثرياء. وكان آخر قرارٍ أثارَ ضجّة قضى بطرد وزير التجارة كونور بيرنز من منصبه بعد أسبوعٍ على تعيينه. لكلِّ هذا توقّعَ الخبراء أن لا تبقى تراس في الحكم طويلًا.
صحيحٌ أن هذا الأمر شأنٌ بريطاني، لكن ما يهمّنا هو هروب تراس من متاعبها وأصداء فشلها وحقيقة الكارثة الاقتصادية التي تعيشها بريطانيا لتُغازل إسرائيل وتُوَرّط بلادها في مشكلةٍ أُخرى هي نقل السفارة البريطانية إلى القدس، ضاربةً عرض الحائط بقرارات الشرعية الدولية وحقوق الشعب الفلسطيني. وهذا شأنٌ عربي وإسلامي يبدو أن تراس وغيرها واثقون من عدم اندلاع موجة استنكار، أو صدور تهديدات بقطع العلاقات او المقاطعة وهو ما أصبح من الماضي. فالعرب في هذه الأيام نائمون في العسل، وهم بين لا مُبالٍ وخائفٍ ومشغولٍ بحروبه وأفراحه ومُطَبّعٍ ومُرتَميٍ في أحضان إسرائيل، الأمر الذي أدّى إلى شللٍ تام وعجزٍ عن اتخاذ مواقف حاسمة.
واختمُ مع سؤالٍ وجّهته إلى مسؤولٍ بريطاني كبير، كان يجلس إلى جانبي في حفل عشاءٍ كانت تحضره الملكة الراحلة إليزابيث الثانية، وعرّضتُ نفسي للحرج. فقد سالته عن جولةٍ لوزير الخارجية على رأس وفدٍ أوروبي للترويج لمبادرةٍ أوروبية للسلام وهل يتوقّع نجاحها؟ فإذا به يضحك بصوتٍ عالٍ ثم يهمس في أُذني قائلًا: “أنتَ صحافي مُطَّلِع، وتَعرِفُ أنَّ كلَّ هذه المبادرات هي مجرد حبرٍ على ورق لكسب الوقت تخدير العرب … لن تنجح أي مبادرة من أيِّ جهةٍ أتت إلّا إذا ضغطتم علينا وعلى الدول الكبرى بقوة وجدية وقرار مُوَحَّد”.
ومضى المسؤول البريطاني الكبير قائلًا: “لا تُصدّق كل ما يقال عن مطالب وضغوط عربية، ففي كل زيارة يتركّز الحديث على الصفقات والعقود وبعدها الشكوى من الصراعات والتدخلات من قبل دول شقيقة!؟”.
وختم المسؤول حديثه الساخر قائلًا: “عفوًا نسيتُ أن أقول لك إننا عند لحظة الوداع يقول لنا المسؤول العربي هناك أزمة الشرق الاوسط نأمل أن تحاولوا عمل أي شيء بشانها؟!”.
وهكذا ضاعت القضية يا ولدي وكان آخر من طعنها حفيدة بلفور إسمها ليز تراس.

  • عرفان نظام الدين هو كاتب، صحافي ومُحلّل سياسي مُقيم في لندن. كان سابقًا رئيس تحرير صحيفة “الشرق الأوسط” السعودية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى