الخطوة الأُولى في الكتاب المدرسي

هنري زغيب*

مقالي في “أسواق العرب”، الخميس الماضي، الذي كان عن ابن النبطية رضا شعيتاني مخترع السيارة الكهربائية سنة 1948، أَخذَني إِلى معاودة الاطِّلاع على ابنٍ آخرَ للنبطية مخترعٍ كبيرٍ هو حسَن كامل الصبَّاح، وكيف كان له سنة 1932، أَي قبل 90 عامًا، أَن يؤَسِّسَ لعملية تخزين الطاقة الشمسية في بطَّاريات تولِّد الكهرباء، ويسجّلَ اختراعه لدى دائرة تسجيل الملكية الفكرية في واشنطن تحت رقم 1870027 تاريخ 2 آب/أغسطس 1932، وهو أَحد 37 اختراعًا مسجَّلًا لدى الدائرة ذاتها في واشنطن. واختراعاتُهُ مع أَرقام تسجيلها وتواريخ التسجيل، مذكورةٌ بالتفصيل في عدد من المنصات الإِلكترونية وكتُب صادرة عن الصبّاح.

قد لا تكون مصادفةً غامضةً أَن يموتَ الصبَّاح في ربيعه الحادي والأَربعين، لكن المصادفة الغريبة أَلَّا نجد ذكْرًا له في المرجع الأَول لتعريف التراث اللبناني إِلى الجيل الجديد، وهو الكتاب المدرسي.

كثيرون من تلامذتنا في المدارس وطلَّابنا في الجامعات يعرفون عن السيارة الكهربائية الواصلة حديثًا إِلى لبنان، ويَرَون على سطوح الأَبنية أَلواحَ الطاقة الشمسية الغازيةَ حديثًا مناطق لبنان، ولكنْ… مَن منهم يعرف أَنَّ الطاقة الشمسية والسيارة الكهربائية اختراعان في أَساسهما رجُلَان من لبنان؟

أُسَمِّي الكتاب المدرسي تحديدًا، وأُعَوِّل عليه، لأَنه المصدر الأَكيد بين أَيدي جيلنا الجديد الذي قد لا يكون له اطِّلاعٌ أَو حافزُ اطِّلاعٍ على هذه المعلومات عن أَعلامٍ من لبنان سبَّاقين بعبقريَّتهم إِلى اكتشافات واختراعات سَرَت وتَسري في العالم بفضل أُولئك الأعلام من لبنان. بينما في الكتاب المدرسي، وما يُصاحبه من تمارينَ وأَعمالٍ تطبيقية ميدانية في الصف وخارجَ الصف، يطَّلع الجيل اللبناني الجديد على تراث بلاده فيَفخَر ببلاده، ويقوى بحبِّها، ويُؤْمن أَنه من وطنٍ أَركانُه مبدعون خلَّاقون ساطعون في العالم، وليس وطنَهم هذا الذي تتحكَّم به طبقة سياسية فاسدة فاشلة طاغية أَوصلَتْه إِلى الخراب، وتَشويهِ صورته في العالم، وإِلى تهجير أَبنائه كافرين به وبما فيه ومَن فيه.

أَبناؤُنا وأَحفادُنا لن يُحبُّوا لبنان إِن لم يعرفوه. فلا القصائدُ الوطنية في الكتب المدرسية ولا الأَغاني الوطنية تُمطر حولهم، تكفيهم لكي يُحبُّوا لبنان. لكنهم، حين يدركون أَن لبنانهم وطنٌ غنيٌّ بمبدعيه، فقيرٌ بسياسييه، يَفهمون أَنهم، عن غيرِ قصدٍ وانتباه، يَكْفُرون بدولته وسُلطتها، لا بوطنهم الباقي جليلًا في الزمان ولو دالت الدولة وزالت سلطتُها.

الذي يَحرِمُهم رغيفَ الخبز ولمبةَ الكهرباء وودائعَهم في المصارف هو لبنان الدولة التي تَحكُمها وتتحكَّم بها سُلطة شريرة، وليس لبنانَ الوطن الذي مهما هجَره أَبناؤُه يعودون دومًا إِليه لأَن فيه فَراداتٍ إِنسانيةً وطبيعيةً أَقوى من تفاهة السلطة، وأَمتنَ من هشاشة الدولة وانهيارِها بسبب رُعُونة ساستها.

وأُكرِّر: الكتابُ المدرسيُّ أَولُ بابٍ ينفتحُ لنقْل تراثنا إِلى أَحبابنا من الجيل الجديد، كي يَعرفوا لبنانَ الحقيقي، وهو غيرُ الذي يُشاهدونه مشوَّهًا على الشاشات. وعندها، إِذ يلمَسون في الصف أَهميةَ وطنِهم الحقيقي، يَخرجون من الصف رافضين حكَّامهم عن اقتناع، ومصمِّمين أَن يلقِّنوهم درسًا قاسيًا عند كل استحقاق. فديمومة الوطن تبدأُ بتشكيل سُلطة تحترمُه حين تبني له دولةً على مستواه الحضاري، فيعي جيلُه الجديد أَنه ينمو ويعيش في وطنٍ جذورُهُ كالأَرز: يَرفض الأَغصان الفاسدة ويُسْقِطُها، ولا يُبقي إِلَّا على مَن يستاهل أَن يكونَ فرعًا سليمًا مُـخْلِصًا من غصنٍ سليمٍ على جذعِ باسقةٍ سامقةٍ من أَرز لبنان.

  • هنري زغيب هو شاعر، أديب وكاتب صحافي لبناني. وهو مدير مركز التراث في الجامعة اللبنانية الأميركية. يُمكن التواصل معه عبر بريده الإلكتروني: email@henrizoghaib.com  أو متابعته على موقعه الإلكتروني: www.henrizoghaib.com أو عبر تويتر: @HenriZoghaib

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى