مصر وقطر تواصلان إذابة الجليد في علاقاتهما ولكن لأسبابٍ مختلفة

زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي للدوحة كانت بمثابة وسيلة لمقايضة المصالح الاقتصادية لمصر مع المصالح السياسية لقطر، مع الإشارة إلى حقبة جديدة من الاعتماد المصري على الخليج الذي هو في طور التكوين.

وزير الخارجية القطري الشيخ محمد عبد الرحمن آل ثاني: العلاقات المصرية-القطرية تسير في الاتجاه الصحيح.

لينا الخطيب*

خطت قطر ومصر قبل أسبوعين خطوةً كبيرة أخرى نحو التقارب، حيث قام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بزيارة إلى الدوحة استغرقت يومين. كانت هذه الرحلة هي الأولى التي يقوم بها السيسي إلى قطر منذ أن علّقت القاهرة العلاقات الديبلوماسية مع الدوحة وانضمّت إلى الحظر الذي قادته المملكة العربية السعودية في حزيران (يونيو) 2017. وبعد أكثر من ثلاث سنوات من الأزمة، أعلنت الرياض في كانون الثاني (يناير) 2021 إنهاء حصارها لقطر، والذي تمت بعده استعادة العلاقات الديبلوماسية بين مصر وقطر رسميًا.

ولكن على الرغم من الخطوات العديدة التي تم اتخاذها منذ ذلك الحين لتطبيع العلاقات –بما في ذلك استئناف الرحلات الجوية المباشرة بين القاهرة والدوحة، وتوقيع اتفاقات استثمار ثنائية، وزيارة أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني إلى القاهرة في حزيران (يونيو)– فإن العلاقات بين البلدين ظلّت فاترة.

إذا كان الدافع القطري وراء التقارب مع القاهرة سياسيًا، فإن التعافي الاقتصادي هو المُحرّك الرئيس لمصر، مع استمرار ركود الاقتصاد المصري بسبب مجموعةٍ من التحديات المحلّية والعوامل الدولية.

ومع ذلك، تحرص القاهرة على رسم صورة جذابة عن نفسها لجمهورٍ عالمي. وفقًا لوزير المالية المصري، فقد تضاعف حجم الاقتصاد ثلاث مرات خلال السنوات الست الماضية. تدّعي السلطات أن السياحة، التي تُشكّلُ ما يقرب من 15 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد ولكنها تضرّرت بشدة خلال الوباء، عرفت انتعاشًا كبيرًا. وبحسب تقرير حديث لمجلس الشيوخ المصري، فقد حققت السياحة 30 مليار جنيه مصري، أو 1.5 مليار دولار، في العام الفائت، أو نحو 70 في المئة من مستواها قبل انتشار الوباء. وتأمل البلاد أيضًا الاستفادة من استضافة قمة الأمم المتحدة السابعة والعشرين لتغيّر المناخ (كوب 27) في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل.

لكن الآثارَ العالمية للغزو الروسي لأوكرانيا شكّلت ضغطًا على الاقتصاد المصري. على الرغم من أن مصر لا تزال وجهةً شهيرة للسياح الروس، الذين يتخلّون بشكل متزايد عن وجهات السفر الغربية، فقد انخفض عددهم أخيرًا، ما قلّلَ من عائدات السياحة في القاهرة. وقد ساهمت الحرب أيضًا في ارتفاع أسعار الفائدة وكذلك أسعار المواد الغذائية والطاقة، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع تكاليف الاستيراد في مصر في هذه العملية. في الصيف الماضي، تم الإبلاغ عن نقصٍ في السلع الاستهلاكية في جميع أنحاء مصر.

الواقع أن هذه الضغوط الاجتماعية والاقتصادية التي أوجدتها الحرب في أوكرانيا تتواجد جنبًا إلى جنب مع تحدّياتٍ محلّية أُخرى، ينبع الكثير منها من الوباء والمشاركة العسكرية الواسعة في مختلف القطاعات الاقتصادية –من البناء إلى الترفيه– والتي أدّت بمرور الوقت إلى تثبيط الاستثمار الأجنبي وخنق القطاع الخاص.

لكن التحدّي الأكبر الذي يواجه الاقتصاد المصري هو حجم ديونه الكبيرة، حيث بلغ الدين الخارجي 94٪ من الناتج المحلي الإجمالي قبل اندلاع الحرب في أوكرانيا. كما أدّى خفض قيمة الجنيه المصري بنسبة 15 في المئة في آذار (مارس) 2022، والذي تلاه خسارة تدريجية بنسبة 4 في المئة أخرى من قيمته، إلى ارتفاع التضخّم. نتيجةً لذلك، تتفاوض القاهرة على حزمةِ قروضٍ مع صندوق النقد الدولي، والتي من المتوقع أن تتضمّن خططًا لزيادة تخفيض قيمة الجنيه وإدراج 10 شركات كبيرة مملوكة للدولة والجيش في البورصة.

في الوقت الذي يزن صناع السياسة في مصر إيجابيات وسلبيات الشروط التي يطالب بها صندوق النقد الدولي مقابل إعطاء الضوء الأخضر لحزمة القروض، تتوقع القاهرة أيضًا دخلًا جديدًا من بيع الغاز الطبيعي المُسال إلى الدول الأوروبية التي تتخلّص من واردات الطاقة الروسية. لكن هذه المكاسب غير المُتَوَقَّعة لن تكون كافية لإنقاذ الاقتصاد المصري.

لذا، يجب فهم الانفتاح المصري الأخير على قطر في هذا السياق.

تسعى القاهرة بشكلٍ مُتزامنٍ إلى تعميق علاقاتها الاقتصادية مع المملكة العربية السعودية، التي كانت تاريخيًا مصدر دعم مالي في أوقات الشدة. وقد أعلن صندوق الاستثمارات العامة السعودي أخيرًا عن تعهّد بنحو 10 مليارات دولار في استثمارات جديدة في مصر لتوسيع بصمته الموجودة أصلًا، في حين تهدف اتفاقية قطر مع مصر إلى جلب 5 مليارات دولار أخرى خلال السنوات المقبلة. كما ضاعفت الإمارات العربية المتحدة الإنفاق الاستثماري في مصر بأكثر من الضعف خلال السنة المالية 2021-2022، وزادته إلى 1.9 مليار دولار في النصف الأول من السنة المالية.

سيساعد الاستثمار من دول الخليج على تعزيز جهود مصر لتحقيق الاستقرار في اقتصادها، لكنه لن تؤدي في حد ذاته إلى انتعاشٍ اقتصادي كامل، لأسبابٍ ليس أقلها سيطرة الجيش المصري على القطاع الخاص، حتى في الوقت الذي يُتَوَقَّع أن يعرف سكان مصر واحدًا من أسرع معدلات النمو في العالم خلال الخمسين عامًا المقبلة. وبالتالي، بالنسبة إلى دول الخليج، فإن الاستثمار في الاقتصاد المصري يتعلق بالسياسة والاستقرار بقدر ما يتعلق بالبحث عن عوائد على الاستثمار.

من جانبها، تحرص الدوحة على الاستفادة من التواصل الاقتصادي مع مصر لتعزيز نفوذها الديبلوماسي. بعد زيارة السيسي، أفرجت مصر عن صحافي الجزيرة أحمد النجدي، الذي احتجزته القاهرة من دون محاكمة منذ آب (أغسطس) 2020 بتهمة الإرهاب ونشر “أخبار كاذبة”. لم تُقدِّم قطر أيّ تنازلات مماثلة من جانبها. كما أن زيارة السيسي لم تُسفر عن أيِّ تنازلٍ كبير من الدوحة بشأن الصراع في ليبيا، حيث تدعم قطر ومصر أطرافًا متعارضة ومتنافسة.

ولكن مثل باقي دول مجلس التعاون الخليجي، ترى قطر أيضًا أن دعم الاقتصاد المصري هو ضمانة ضد عدم الاستقرار السياسي، الذي تخشى أن ينتشر في اتجاهها إذا اندلع في مصر، كما حدث في العام 2011. لذلك، فإن زيارة السيسي للدوحة كانت بمثابة وسيلة لمقايضة المصالح الاقتصادية لمصر مع المصالح السياسية لقطر، مع الإشارة إلى حقبة جديدة من الاعتماد المصري على الخليج الذي هو في طور التكوين.

  • لينا الخطيب هي مديرة برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في تشاتام هاوس. يشمل عملها في الشرق الأوسط الجغرافيا السياسية، والصراع، والتحولات السياسية، والسياسة الخارجية تجاه المنطقة. يُمكن متابعتها عبر تويتر على: @LinaKhatibUK

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى