الدورُ الأميركي في الانتخابات الرئاسية في لبنان

السفير يوسف صدقة*

يتبيّن لمتابعي السياسة الخارجية الأميركية الحالية بأن منطقة الشرق الأوسط لم تعد تحظى بالأولوية لدى إدارة جو بايدن، فقد أضحت أولويات سياستها الخارجية تتمحور حول الصين وروسيا، بعد اجتياح الجيش الروسي لأراضي أوكرانيا. ويبدو أنَّ فعالية الأجهزة الأمنية من المخابرات المركزية (CIA) و المكتب الفيديرالي (FBI) وغيرهما قد حدّت من الأعمال الإرهابية بشكلٍ كبير وبخاصة المنظمات المرتبطة بتنظيمي “القاعدة” و”داعش” وأخواتهما. وقد انتقلت صناعة الإرهاب إلى أفراد أميركيين يقومون بالقتل والتفجيرات تنفيذًا لإيديولوجياتٍ عنصرية وشعبوية.

فالأمن الاميركي في الداخل بات مؤمّنًا من التأثيرات الخارجية، ما أدّى إلى تراجع الاهتمام الأميركي في الشرق الأوسط.

على الرغم من ذلك، تفيد المعلومات الواردة من واشنطن بأن الأولويات الاميركية في منطقة الشرق الأوسط، تتمثّل في: تحقيق أمن إسرائيل، إنجاز الاتفاق النووي مع ايران، منع الانهيار الاقتصادي والأمني في لبنان، دعم المؤسسة العسكرية بالمعدات والمال، واعتراف ضمني بدور “حزب الله” في لبنان، على أن لا تؤثر نشاطاته على أمن إسرائيل.

الملف النووي الايراني

تستمر إدارة بايدن ، في انتهاج “عقيدة أوباما” التي عبّر عنها، في المقابلة الشهيرة مع مجلّة “ذا أتلانتيك” والتي تتمثل في تقسيم النفوذ في منطقة الخليج بين إيران وجيرانها العرب، مع اعترافٍ بدورٍ أساسي لإيران في الخليج. من هنا فإن الإدارة الأميركية مهتمّة بالتوقيع مع إيران على الاتفاق النووي في فيينا. وما يحول دون حماس واشنطن على التوقيع في الوقت الحاضر هو معارضة الجمهوريين وقسم من الديموقراطيين في الكونغرس لهذا الاتفاق، حيث يسعى الرئيس بايدن إلى تأخير التوقيع خوفُا من الخسارة الكبيرة التي قد يُمنى بها في الانتخابات النصفية للكونغرس في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل.

كما تُعارض الاتفاق ايضًا الجماعات المتعاطفة مع اسرائيل سواء في الكونغرس أو في اللوبي اليهودي، وبالمقابل فإن الايرانيين يُركّزون في الإعلام والحوار مع الغرب على الملف النووي لتجاوز مسألة الصواريخ البالستية الدقيقة والنفوذ الإيراني المتزايد في كلٍّ من العراق وسوريا ولبنان. ويتبيَّن من متابعة السياسة الأميركية في الشرق الاوسط، أن واشنطن تُماشي الرأي العام الاميركي الذي لا يؤيّد ان تلعب أميركا دور الشرطي في العالم بعد الإخفاقات المدوية في أفغانستان والعراق على صعيد حجم الموازنات العسكرية الكبيرة والخسائر في الأرواح.

من هنا، فإن الإدارة الأميركية الحالية ليست على استعداد لشنِّ حربٍ على إيران إرضاءً لإسرائيل، فهي تتعايش مع النفوذ الإيراني في العراق تماشيًا مع الوضع والسياسة الواقعية.

معركة الرئاسة في لبنان

من الطبيعي أن تكون التفاهمات اللبنانية بين الأطراف الفاعلة في لبنان هي التي تُعزّز اختيار رئيس للجمهورية اللبنانية بدون الحاجة إلى تدخل خارجي. إلّا أنَّ الواقع يُخالف التمنيات، فالتدخلات الخارجية هي التي تحسم اسم رئيس الجمهورية المقبل. وهذا العرف تعوّدت عليه الطبقة الحاكمة في لبنان منذ استقلال لبنان، باستثناء انتخاب الرئيس الراحل سليمان فرنجية في العام 1970. وقد أفادت تقارير ديبلوماسية واردة من واشنطن بأن الإدارة الاميركية أعلنت عدم رغبتها في التدخل المباشر بالانتخابات الرئاسية في لبنان، إلّا أنها كلّفت فرنسا في طرح الأسماء المقبولة وغير المحسوبة بشكل مباشر على “حزب الله”، والتنسيق مع الأخير على مرشّح وسطي، وقد احتفظت واشنطن بحق الفيتو على أسماء مرشحين ومتحالفين بشكل مباشر مع “حزب الله”.

من هنا فإن الإدارة الأميركية ليست في وارد إعداد خطة لإضعاف “حزب الله” في لبنان، ولكن التعايش معه ما دام لا يشكل تهديدًا مباشرًا لأمن إسرائيل.

من ناحية أخرى، إتصل الرئيس الأميركي جو بايدن برئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لابيد لتسهيل عملية ترسيم الحدود مع لبنان لنزع فتيل التفجير في الجنوب اللبناني. وفي المقابل فإن واشنطن دعمت قرار مجلس الامن 2650 حول التمديد لقوات اليونيفيل في جنوب لبنان، على قاعدة توسيع صلاحيات اليونيفيل، إرضاءً لإسرائيل.

الاسماء المطروحة لرئاسة الجمهورية

تُفيدُ المعلومات بأن الإدارة الأميركية كلّفت وزارة الخارجية بالتواصل مع السفارة الاميركية في لبنان والمخابرات المركزية في موضوع الانتخابات الرئاسية في لبنان، بحيث تكون السفارة المعبر الاول لأسماء المرشحين المحتملين. وقد قام عدد من النواب اللبنانيين من المرشحين للرئاسة بزيارة واشنطن لدعم ترشيحهم، حيث تمّ الاتصال عبر جمعيات اللوبي في واشنطن بأعضاء من الكونغرس، وبعض المسؤولين في وزارة الخارجية والاستخبارات، إلّا انهم لم يلقوا أي تجاوب من الإدارة الاميركية باعتبارهم مرشّحين من الصفّ الثاني، أو أن ساعتهم لم تحن بعد، وهم مؤهلون لتولّي مناصب وزارية في الوقت الحاضر.

يبقى أن قائد الجيش العماد جوزف عون هو اسم جدّي مطروح لمنصب الرئاسة، إلّا أنَّ الإدارة الأميركية لن تطرح اسمه بشكلٍ مباشر، ولكنها ستدعمه إذا ما تمَّ التوافق عليه بين الأطراف اللبنانية والقوى الإقليمية والدولية المعنية بشؤون لبنان.

في المحصلة النهائية، فإن انتخاب الرئيس اللبناني سيكون نتيجةً لتفاهماتٍ لبنانية وإقليمية ودولية، وسيكون لبكركي دورٌ فاعلٌ في موضوع الرئاسة وذلك في التواصل مع فرنسا ومع الكتل النيابية في المجلس النيابي، كما إنَّ التفاهمَ الفرنسي-السعودي سيُمثّل دورًا أساسيًاً في انتخابات الرئاسة التي يبدو أنها لن تحصل في موعدها الدستوري لأن التفاهمات المحلية والإقليمية والدولية ما زالت في طور الإعداد والتحضير.

  • السفير يوسف صدقة هو ديبلوماسي لبناني مُتقاعد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى