السعودية تُعلّم طلّابها اللغة الصينية!

استثمار الحكومة السعودية في تعليم اللغة الصينية متجذّر في أهدافها الجيوسياسة، ولكن تحديات التطبيق كثيرة.

رئيس جامعة جدة عدنان بن سالم بن سليمان الحميدان: “يجب على جميع الراغبين في الانضمام إلى جامعتنا دراسة مقرر مهارات اللغة الصينية”.

هند الأنصاري*

بعد مرور نحو عامَين ونصف العام على الجولة الآسيوية لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، تعمل الحكومة السعودية على تطوير شراكة أقوى وتعزيز التعاون الاقتصادي مع الصين، البلد المنافِس للولايات المتحدة. يُقدّم القطاع التربوي أحد الأمثلة الأوضح على الروابط الآخذة في التطور، فالدولة تستثمر بقوّة في تعليم اللغة الصينية. وفي حين أن الهدف النهائي قد يكون تنشئة جيل جديد من السعوديين الذين يُتقنون اللغة الصينية والمُوَجَّهين نحو الصين بدلًا من الولايات المتحدة وأوروبا، تكشف نظرة فاحصة إلى المبادرة عن تحدياتٍ كبيرة في التنفيذ قد تتسبّب بعرقلة هذه العملية.

في شباط (فبراير) 2019، عقد بن سلمان اجتماعًا مع الرئيس الصيني شي جين بينغ، حيث تطرّقا إلى المصالح الثنائية والتعاون في القطاع التكنولوجي. وقد أعلن  ولي العهد السعودي في حينه عن الالتزام بإدراج لغة المَندَرين الصينية في المنهج التعليمي للمدارس الحكومية السعودية – في إشارة واضحة إلى الأولويات المتطورة للسياسة الخارجية السعودية. سرعان ما التفّت وسائل الإعلام الرسمية السعودية حول القرار؛ وكانت “قناة العربية” الفضائية من أوائل الوسائل الإعلامية التي بادرت إلى نشر مقالٍ عن الطلاب السعوديين الذين يعيشون في الصين ويتكلمون لغة المَندَرين بطلاقة.

لكن عددًا كبيرًا من السعوديين عبّر عن هواجسه عبر موقع “تويتر”، حيث ركّز بعضهم على الشوائب القائمة في النظام التربوي. فقد أشار البعض إلى ما اعتبره عيوبًا في طريقة تدريس اللغة العربية في المدارس. وأعرب آخرون عن هواجس مماثلة بشأن المنهج الإنكليزي، مُعتبرين أنه لا يُحضّر الطلاب على نحوٍ فعّال لاكتساب مهاراتٍ لغوية ملائمة. وأساس الحجة التي يسوقها النقّاد هو أنه يجب العمل على معالجة الشوائب القائمة في منظومة المدارس الحكومية قبل الشروع في تعليم لغةٍ أجنبية جديدة.

على الرغم من هذه الاعتراضات، أعلنت المتحدثة باسم وزارة التربية ابتسام الشهري في تغريدة عبر تويتر في العام 2020 أن عددًا من المدارس الثانوية ستبدأ بتعليم اللغة الصينية كلغةٍ اختيارية. وفي كانون الأول (ديسمبر) 2021، ارتفع عدد المدارس الثانوية التي تُعلّم اللغة الصينية إلى أكثر من 700  مدرسة في المجموع. على المستوى الجامعي، وقّع رئيس جامعة الملك سعود اتفاقًا مع معهد كونفوشيوس الصيني في العام 2019 لإنشاءِ قسمٍ لتعليمِ اللغة الصينية.

على الرغم من أن وزارة التربية أعلنت أن تعلّم اللغة الصينية اختياري، فقد فرض بعض الجامعات على طلاب السنة الأولى إلزامية تعلّم اللغة. ففي جامعة جدة مثلًا، يُلزَم طلاب السنة الأولى بدراسة لغة المَندَرين بغض النظر عن اختصاصهم. وفي هذا الصدد، شدّد رئيس الجامعة، عدنان بن سالم بن سليمان الحميدان، على أنه “يجب على جميع الراغبين في الانضمام إلى جامعة جدة دراسة مقرر مهارات اللغة الصينية”. فضلًا عن ذلك، ومع توسُّع دمج اللغة الصينية في المناهج الدراسية كلغة أجنبية، يخضع المدرّسون المحليون لبرنامجٍ تدريبي مُكثّف لمدّة سنة واحدة من أجل تعلّمِ لغة المَندَرين من الصفر ثم تدريسها في قاعات الصفوف.

إنتشر مقطع فيديو عبر مواقع التواصل الاجتماعي يَظهر فيه مدرّس لغة سعودي وهو يقرأ كلمات صينية أمام مجموعة من الأساتذة في قاعة تدريس صغيرة في مدينة الطائف. يستخدم المدرّس تقنية التعليم من طريق الاستظهار والحفظ، ويطلب من المعلمين تكرار كل كلمة بعده. أثارت هذه المنهجية، بالإضافة إلى ما تنطوي عليه من استراتيجية أوسع لدمج تعليم اللغة الصينية، سجالًا عبر موقع تويتر، وقد سخر بعضهم من مقطع الفيديو. وفقًا لصحيفة “عكاظ”، يتمثل أحد الأهداف الأساسية لتعليم اللغة الصينية للمدرّسين السعوديين في تخفيف الأعباء المالية عن الوزارة. فتدريس اللغة للأساتذة المحليين بطريقة مكثّفة – وهي استراتيجية تُطرَح علامات استفهام حولها – يبدو أقل كلفة من استقدام مدرّسين صينيين.

نظرًا إلى أن اللغة الصينية هي من أصعب اللغات في التعلّم، مع التمايز في النبرة وطريقة اللفظ، لا يكفي ببساطة اكتساب مهارات لغوية أساسية أو امتلاك تجربة مُسبَقة في التعليم. في هذا الصدد، تلفت شركة “فوكسي” (Voxy) إلى أن حجم الأحرف الصينية وتعقيدات نظام الكتابة تجعل تعلّم اللغة الصينية مهمة شاقّة، ما يشير إلى ضرورة الإلمام بالعلوم التربوية/البيداغوجية التخصصية.

وقد أكّد طلاب سعوديون في إحدى الجامعات في شمالي البلاد على صعوبة تعلّم اللغة الصينية. ففي دراسة بحثية أجراها البروفسور السعودي حماد الشمري، قال 80 في المئة من الطلاب والطالبات المشاركين في الدراسة، وعددهم 25، إنهم يوافقون بشدة على أن تعلّم اللغة الصينية أكثر صعوبة من تعلّم اللغة العربية. ففي اللغة العربية مثلًا، يمكن أن تكون لكلمة واحدة معانٍ عدّة بحسب السياق، أما في اللغة الصينية فيتغيّر معنى الكلمة استنادًا إلى تعديلات طفيفة في طريقة اللفظ. وتُظهر نتائج الدراسة أيضًا أن الطلاب يفتقرون إلى الدافع لتعلّم اللغة أو لا يُبدون اهتمامًا بالأمر، ما قد يجعل عملية التعلم أكثر صعوبة وتطلّبًا بالنسبة إليهم.

علاوةً على ذلك، قد يقع المتعلمون تحت الصدمة وتَخيب توقعاتهم الأولية بسبب عدم تآلفهم مع اللغة الصينية أو عدم احتكاكهم بها قبل تعلّمها. تحدّث رئيس مجلس الأعمال السعودي-الصيني، فهد العرجاني، في مقابلة معه عبر قناة 24 السعودية، عن تجربته في تعلّم اللغة الصينية. فقد أشار بدايةً إلى أن شعوب الشرق الأوسط ليست معتادة على سماع اللغة الصينية في محيطها، وذلك بخلاف اللغة الإنكليزية. ووصف الأشهر الأولى في مرحلة تعلّمه اللغة الصينية بأنها كانت بمثابة “صدمة صوتية” وشدّد على أن “الأشخاص المُصمّمين على تعلّم اللغة سوف يُكمّلون. أما الآخرون فلن يتمكّنوا من ذلك”.

بمعزلٍ عن الصعوبات اللغوية، التواصل بين الثقافات هو جُزءٌ أساس في عملية التعلّم. فتدريس اللغة لا يمكن فصله عن تلقين المتعلمين معتقدات الشعوب الأصلية وممارساتها. في الصين مثلًا، يرتبط بعض الأشياء بسوء الطالع. ففي حين أن الساعة تُقدَّم عادةً كهدية إلى الأصدقاء وأفراد العائلة في منطقة الخليج العربي، يُنظَر بتجهّم في الثقافة الصينية إلى إهداء الآخرين ساعة يد أو حائط؛ فالوقت هو تعبيرٌ مجازي عن الموت بحسب هذه الثقافة. يجب على الطلاب تعلّم هذه المعتقدات، لا سيما وأن تقديم الهدايا هو ممارسة شائعة في السعودية وسائر دول مجلس التعاون الخليجي. وعلى الأرجح أن الأساتذة المحليين الذين يتعلّمون اللغة الصينية لن يتمكّنوا، في أكثريتهم، من تطوير كفاءاتهم الثقافية في غضون فترة زمنية قصيرة.

فضلًا عن ذلك، قد يقتضي تدريس اللغة الصينية في ثقافةٍ محافظة استبعاد بعض الممارسات الثقافية. تحدّثت لينغ ماي، طالبة الدراسات العليا سابقًا في جامعة نيويورك في شنغهاي، عن الوقت الذي أمضته في تعليم اللغة الصينية في السعودية ووصفت تدريس الثقافة الصينية في المملكة بأنه يطرح تحدّيًا كبيرًا. فعلى سبيل المثال، كان عليها أن تضع الحساسيات الدينية في اعتبارها حين اتخذت قرارًا بشأن الممارسات الثقافية التي ستُدرجها في المنهج الدراسي.

إدخال اللغة الصينية كلغة أجنبية في المدارس والجامعات السعودية هو خطوةٌ طموحة حقًا. لكن الافتقار إلى فهمٍ شاملٍ للمنافع والمخاطر – والذي يُعزى خصوصًا إلى التسرّع في التنفيذ – يُلقي بضغوطٍ على عملية التعلم ويتسبّب بتعطيل النتائج المرجوّة. في العموم، ومن أجل تلبية الهدف الجيوسياسي للدولة بإعداد مواطنين سعوديين يتكلمون اللغة الصينية وتحويل وجهة مصالحهم نحو الشرق، يجب على صنّاع السياسات العمل على تطوير استراتيجيات تحفيزية فعّالة لإثارة الاهتمام الحقيقي بتعلم اللغة الصينية كلغة أجنبية، وبالأهمية نفسها، تحفيز تفاعل المواطنين السعوديين مع الثقافة الصينية.

  • هند الأنصاري هي باحثة متخصصة بالسياسات العامة في برنامج الشرق الأوسط في مركز ويلسون. يركّز عملها على الإصلاح الاجتماعي والتربوي في العالم العربي والإسلامي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى