“حد حايشك”!

راشد فايد*

أطلق الوكيل الشرعي العام للسيد علي خامنئي في لبنان الشيخ محمد يزبك يد “البيئة الحاضنة” في استعداء قوات “اليونيفيل” حين “ترجم” قرار تمديد فترة عملها، الصادر عن مجلس الأمن الدولي، بأنه يحوّلها إلى “قوة احتلال ودورها حماية العدو الإسرائيلي بتعقّب المقاومة”.

تجاهل الوكيل الشرعي أن الحكومة اللبنانية، التي طلبت تمديد عمل القوات الأممية، لم تستعن، خلافًا لجاري عادتها، تحديدًا بعد حرب تموز/يوليو 2006، بالصين وروسيا لتعديل التعديل.

يعود وجود قوات اليونيفيل في لبنان إلى العام 1978 وذلك بعد الاجتياح الإسرائيلي وسيطرته على جنوب البلاد، حيث قدّمت الحكومة اللبنانية احتجاجًا إلى مجلس الأمن ليتبنّى بعدها القرارين 425 و426 اللذين يدعوان إسرائيل إلى وقف أعمالها العسكرية وسحب قواتها من جميع الأراضي اللبنانية.

اللافت أن الحكومة التي يتّهمها يزبك بالتخاذل، له فيها، مع حلفائه، الوزن المرجح، وأن سيطرة حليفه على وزارة الخارجية اللبنانية لا تمارى ولا توارى، وهي الجهة التي، بهديها، حاول وزيرها، الدكتور عبدالله بوحبيب، إقناع العرب باستعادة سوريا مقعدها في “الجامعة العربية”. فكيف استعظم استمرار بُعد سوريا عن الجامعة، واستصغر تعديل مهمة اليونيفيل الذي يقضّ مضاجع الحزب المُهَيمِن؟ أم أن موقف “حزب الله” اللاحق بالتعديل قنبلة صوتية على غرار الاستعراض الوزاري عند الخط الأزرق برًّا، والبحري عند الشاطئ الجنوبي، وغيره من إيماءات الحياة؟

لا يوازي تبرّؤ يزبك من القرار جنوبًا، سوى تبرّؤ حزبه من المسؤولية عن الحالة الداخلية، فهو يرى أن “واقعنا المأسوي يزداد سوءًا يومًا بعد يوم… والسلطة مشغولة بعيدًا من كل معاناة المواطنين… والاستحقاق الدستوري لا يُعذر ولا يبرِّر لكل مسؤول يسوق الى الفراغ … والواجب المبادرة إلى تشكيلِ حكومةٍ كاملة الصلاحيات والعمل الجاد على انتخابِ رئيسٍ للجمهورية قادر على الجمع وإنقاذ الوطن من الانهيار”.

أحسن الشيخ توصيف بحر الأزمات، ونسي أن حزبه، ولو توارى، كغيره من الأطراف، برمي المسؤوليات على الآخرين، فإن ظلاله لا تخفى حتى عن الأعمى. فلِمَ لا يُسهم في تحقيق الحلول؟ أم أن “المقاومة” التي ينتحلها تحتاج مجتمعًا يقتات من الجوع؟

في أواخر السبعينات من القرن الفارط، على قول أهل المغرب الكبير، أي دول شمال إفريقيا، أغرق النقاش الفلسطيني، والعربي،  في فكرة قيام دولة فلسطينية على أي بقعة من أرض فلسطين ينسحب منها الإحتلال الإسرائيلي، فأضاف خلافات إلى الخلافات العربية الكثيرة.

كان نايف حواتمة، زعيم “الجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين”، أول من أطلق الفكرة بدفعٍ من ياسر عرفات الذي أبدى، علنًا، قبل المؤتمر، تأييدًا غامضًا لها.

في هذه الأجواء انعقدت، في أخر السبعينات في بنغازي الليبية، القمة الأخيرة، أو ما قبل الأخيرة، لزعماء ما كان يسمّى “جبهة الصمود والتصدي”، وكانت تضم إلى ليبيا، كلًّا من سوريا والجزائر ومنظمة التحرير الفلسطينية والعراق، وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية.

إفتتح معمر القذافي، المُضيف، النقاش بسؤال الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات: هل صحيح أنك تتبنّى الموضوع؟ واسترسل في إعطاء دروس في العروبة وقدسية فلسطين، ورفض التنازلات وكاد يُخوّن ضيفه، فالتفت إليه عرفات قائلًا: هو انت قادر تحرّر فلسطين وحد حايشك؟!

يعرف اللبنانيون أن سماحته وصحبه قادرون على حل الكثير من العقد التي يرمونها على الآخرين، فمن يردّهم عن ذلك، أو “حد حايشهم؟”.

  • راشد فايد هو كاتب، صحافي ومُحلّل سياسي لبناني. يُمكن متابعته عبر تويتر على: @RachedFayed
  • يصدر هذا المقال في “أسواق العرب” (لندن) توازيًا مع صدوره في صحيفة “النهار” (بيروت).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى