الحوثيون يَستَغِلّون وَقفَ إطلاق النار لترسيخِ سلطتهم

كابي طبراني*

التوصّلُ إلى تمديدِ الهدنة الأخير في اليمن، الذي أعلنته الأمم المتحدة في 2 آب (أغسطس)، تمَّ بصعوبةٍ وفي اللحظة الأخيرة. ويَرجعُ ذلك جُزئيًا إلى أن مليشيات الحوثي المدعومة من إيران، والتي تورّطت في صراعٍ منذ سبع سنوات مع الحكومة اليمنية المُعترَف بها دوليًا وداعميها الخليجيين، أشارت في البداية إلى أنها سترفض تمديدها بعد أن زار الرئيس الأميركي جو بايدن المملكة العربية السعودية في تموز (يوليو). ولكن، يبدو أنَّ السبب الأهم هو أن الحوثيين لم يَعُدوا يشعرون بأيِّ حافزٍ لتقديم المزيد من التنازلات، أو حتى تنفيذ تلك التي وافقوا عليها أصلًا.

بعد أن رأت قيادة الحوثيين أن مطالبها تُقبَلُ وتُلَبّى بشكلٍ أو بآخر خلال جولتي المفاوضات لوقف إطلاق النار، فإنها تبدو الآن أقل التزامًا من أي وقت مضى بالوفاء بالتزاماتها بموجب الترتيب الذي اتُفِقَ عليه خلال تلك المفاوضات. مع مرور الوقت على آخر تمديد لمدة شهرين، فإن عدمَ انخراط المجموعة وعدم احترام التزاماتها بشكلٍ فعّال يُشكّلان تهديدًا خطيرًا لآفاقِ التوصّلِ إلى سلامٍ دائم.

كانت اتفاقية الهدنة الأساسية –التي تم الاتفاق عليها في 2 نيسان (إبريل) ومُدِّدَت في 2 حزيران (يونيو)– بسيطة في تصميمها. تضمّنت هذه الاتفاقية المُكَوَّنة من نصف صفحة عُنصُرَين رئيسيَين: وقف جميع العمليات العسكرية الهجومية البرية والجوية والبحرية داخل اليمن وخارجه، وتجميد المواقع العسكرية الحالية على الأرض، مع التركيز على الحد من النشاط العسكري وتخفيف حدّة الصراع في مناطق محددة من اليمن. منذ دخولها حيّز التنفيذ، قام التحالف الذي تقوده السعودية والداعم للحكومة المُعترَف بها دوليًا في اليمن بضبط نشاطه في البلاد، وقيّد الحوثيون هجماتهم عبر الحدود، والتي استهدفت في الماضي كلًّا من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.

ومع ذلك، لم يجرِ أيُّ عملٍ مُفيد لمعالجة انتهاكات اتفاق وقف إطلاق النار داخل البلاد، بما في ذلك إجراءات بناء الثقة الحاسمة التي تم تضمينها في اتفاقية الهدنة لتمهيد الطريق لمحادثاتِ سلامٍ أوسع. وشملت التنازلات التي قدّمتها الحكومة السماح بدخول سفن الوقود إلى ميناء الحديدة الذي يسيطر عليه الحوثيون في الشمال، وكذلك السماح للأشخاص الذين يحملون جوازات سفر صادرة عن الحوثيين بالخروج من مطار صنعاء الدولي في عاصمة البلاد. وفي المقابل، طالبت الحكومة اليمنية الحوثيين بفتح الطرق المؤدية إلى تعزّ التي تخضع لحصار الحوثيين منذ 2015، لتمكين دخول المساعدات وتخفيف المعاناة الإنسانية في المدينة.

لكن حتى الآن، استفاد الحوثيون من جميع تنازلات الحكومة، لكنهم، وفقًا للأمم المتحدة، رفضوا الوفاء بالتزاماتهم برفع الحصار عن تعزّ. وبدلاً من ذلك، صعّدت الجماعة هجماتها على المدينة، ما أثار إدانةً من الأمم المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أخيرًا.

وعلى الرُغمِ من الانخفاض العام للعنف، فقد استمرت انتهاكات وقف إطلاق النار. وفقًا لموقع النزاع المسلح وبيانات الأحداث التابعة لمشروع مراقبة الهدنة في اليمن، كان هناك 1,806 خرقًا للهدنة بين 2 نيسان (إبريل) و29 تموز (يوليو)، مع 314 حالة وفاة تم الإبلاغ عنها. كان الحوثيون مسؤولين عن 1,680 من هذه الحوادث، أي 93 في المئة من الانتهاكات، التي تمّت بشكل أساس من خلال الهجمات الصاروخية والقصف والمدفعية. وكان عنفُ مليشيات الحوثي مسؤولًا عن 299 حالة وفاة تم الإبلاغ عنها، أو 95 في المئة من القتلى خلال فترة سريان الهدنة. وتُشيرُ البيانات إلى تقلّب وخطورة الوضع، لكنها تشير أيضًا إلى مشكلة أكثر أهمية: الحوثيون المدعومون من إيران ليس لديهم حافزٌ لوقف انتهاكاتهم، ناهيك عن التفاوض.

في الواقع، بينما كانت الأمم المتحدة تضغط من أجلِ تسويةٍ سياسية في اليمن، استغلَّ الحوثيون الوقت الذي توفّره الهدنة لإعادة تجميع صفوفهم وتعزيز قبضتهم على السلطة، عسكريًا وسياسيًا. ونتيجة لذلك، تحوّلَ الاهتمام الآن إلى التوصل إلى تسويةٍ سياسية أكثر ديمومة تهدف إلى أكثر من مجرد الحد من العنف العام على الأرض.

هذا هو السبب في أن البيت الأبيض، الذي أدركَ الحاجة إلى حلٍّ دائمٍ للصراع في اليمن، كان يدفع الأطراف المتحاربة بنشاط نحو مسارٍ للحوار والمصالحة المُستدامَين. أدى ضغط الرئيس بايدن على المملكة العربية السعودية لتقليص تدخلها العسكري إلى آثارٍ إيجابية، حيث تؤيد الرياض الآن حلًا سلميًا لحرب اليمن. ومع ذلك، فقد وثّقَ المبعوث الأميركي الخاص إلى اليمن تيموثي ليندركينغ العقبات العديدة التي تواجه عملية السلام بالإضافة إلى عدم تعاون الحوثيين.

من الناحية النظرية، يتطلّبُ تنفيذ الهدنة بنجاح فكّ الارتباط من خلال تحرّكاتٍ مُماثلة من قبل كل طرف. هذه المعاملة بالمثل هي الطريقة الوحيدة لبناء الثقة والانتقال إلى مناقشاتٍ أوسع حول تسويةٍ سلمية. في حين أن هناك رغبة عامة لوقف النشاط العسكري، فإن مليشيات الحوثي لا تزال مترددة في المشاركة والانخراط بشكلٍ كامل. وبدلًا، كانت تعمل على تعزيز سلطتها وترسيخها، الأمر الذي يؤخّر إمكانية إجراء محادثات أوسع نطاقًا.

في الواقع، في السنوات القليلة الماضية، اكتسب الحوثيون اليد العليا – ليس فقط في ساحة المعركة ولكن أيضًا في المفاوضات. خلال سبع سنوات من الصراع، وافق الحوثيون بشكلٍ منهجي على تنازلاتٍ لم ينفّذوها. ومنذ دخول وقف إطلاق النار الأول حيّز التنفيذ، لم يهتموا لأيّ مخاوف وملاحظات أعرب عنها مسؤولو الأمم المتحدة بشأن انتهاكاتهم المتكررة، لأن هذه الانتهاكات لم تسفر عن أي عواقب. مع تركيز سياسة الأمم المتحدة على جذب جميع الأطراف إلى الانخراط في عملية سلام مأمولة بغض النظر عن أفعالها، لم يكن هناك ببساطة أي حافز لتغييرٍ حقيقي.

إن قدرة الحوثيين على التفوّق على الأمم المتحدة وخداعها في المفاوضات جعلت من الصعب االانخراط بشكلٍ هادفٍ في عملية سلام على مستوى البلاد. كان مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى اليمن، هانز غاندربيرغ، شفّافًا في مناقشة العقبات التي تعترض تنفيذ وقف إطلاق النار، وكان حذرًا بالنسبة إلى تحميل الأطراف المسؤولية عن التزاماتها أمام المجتمع الدولي. وأظهرت إحاطته التي قدّمها لمجلس الأمن الدولي في منتصف آب (أغسطس) تركيزه على توسيع الهدنة لصالح الشعب اليمني وفي الوقت نفسه جَعلِ الحوثيين، على وجه الخصوص، يفون بالتزاماتهم بموجب الاتفاقية. كما اتّخذَ خطواتٍ مُهمّة كان سلفه، مارتن غريفيث، متردّدًا في اتخاذها، مثل زيارة تعز والتعبير علنًا عن مخاوفه بشأن انتهاكات الحوثيين هناك.

للمضي قدمًا، يجب على الأمم المتحدة أن تحاول الحدّ من الحوافز للعودة إلى العنف من خلال ضمان وجود التزاماتٍ ملموسة في تمديد وقف إطلاق النار في المستقبل، وطُرُقٍ لجميع الأطراف للحصول على تعويضٍ عن أيِّ انتهاكات. في الوقت عينه، يجب ألّا تترك الأمم المتحدة أي مجال للتفسير الإبداعي للتمديدات المستقبلية، ما يجعل النص واضحًا لجميع الأطراف المعنية. لقد استغلَّ الحوثيون عدم دقة اللغة الخاصة بتعزّ في اتفاق وقف إطلاق النار الحالي لمنع دخول المساعدات إلى المدينة، الأمر الذي يقوّض روح الصفقة. يجب أن يتم تفصيل أي تدابير لبناء الثقة وضمانات أمنية في المستقبل في الاتفاقية من دون أن يكون هناك مجالٌ لأيِّ ثغراتٍ أو إغفالاتٍ من شأنها أن تسمح بحدوث تهرّب مماثل في وقت لاحق من العملية.

في الوقت الحالي، يظل وقف إطلاق النار في اليمن، رُغمَ أنه غير كامل وغير شامل، الأداة الديبلوماسية الوحيدة المُتاحة لتحريك كلا الجانبين نحو تسوية سلمية. لكن كلما طالت مدة التفاوض على تسويةٍ سلمية، أصبح موقف جميع الأطراف أكثر حدّة. نتيجةً لذلك، يجب على الأمم المتحدة والوسطاء الدوليين الآخرين ضمان عدم تمديد الهدنة بشكلٍ متكرر من دون تنفيذها. خلاف ذلك، سيصبح اليمن ببساطة ساحةً لمزيد من القتال بمجرد انتهاء هذه الفترة القصيرة من الهدنة.

  • كابي طبراني هو ناشر ورئيس تحرير مجلة وموقع “أسواق العرب” الصادرَين من لندن. ألّف خمسة كتب بالعربية والإنكليزية من بينها “الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني: من وعد بلفور إلى إعلان بوش” (2008)؛ “كيف تُخطّط إيران لمواجهة أميركا والهَيمَنة على الشرق الأوسط” (2008)؛ و”معاقل الجهاد الجديدة: لماذا فشل الغرب في احتواء الأصولية الإسلامية”، (2011). يُمكن متابعته عبر موقعه: gabrielgtabarani.com أو عبر تويتر على:  @GabyTabarani

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى