لماذا يُريدُ أردوغان إعادة العلاقات مع الأسد؟

تساعد الانتخابات المقبلة في تركيا على تفسير سبب تفكير رجب طيب أردوغان في إعادة إحياء العلاقات مع سوريا.

وزير خارجية تركيا مولود جاويش أوغلو: دعا إلى الانفتاح على النظام السوري

فرانشيسكو سيكاردي*

كانت لسوريا حصة الأسد في النقاشات السياسية التي كانت تدور في تركيا هذا الصيف. بعد إعلانه عن عزمه القيام بعملية عسكرية جديدة في شمال سوريا، لم يتمكّن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من إقناع نظيريه الروسي فلاديمير بوتين والإيراني ابراهيم رئيسي بالموافقة على خطته في القمم الدولية المتعاقبة. اختار الجيش التركي بدلًا من ذلك تكثيف ضرباته في المنطقة بواسطة الطائرات المُسَيَّرة والصواريخ، حيث تبيَّنَ أن الأشهرَ القليلة الماضية كانت من أكثر الشهور دموية في السنوات الأخيرة.

في آب (أغسطس)، كانت الذكرى السنوية الأولى لأعمال الشغب العنيفة التي وقعت ضد الجالية السورية في أنقرة بمثابةِ تذكيرٍ آخر بتصاعد المشاعر المُعادية للاجئين في تركيا في العام الفائت. في الآونة الأخيرة، أطلق أردوغان ووزير خارجيته مولود جاويش أوغلو تصريحاتٍ يبدو أنها كانت تهدف إلى تمهيد الطريق لتقاربٍ تركي مع الرئيس السوري بشار الأسد، بعد سنواتٍ من التوتّر.

قبل بضع سنوات فقط، وصف الرئيس التركي الرئيس الأسد بأنه “إرهابي قتل ما يقرب من مليون شخصٍ من مواطنيه”. في 19 آب (أغسطس)، أعلن أردوغان نفسه أن “تركيا ليست لديها مشكلة في هزيمة الأسد أو عدم هزيمته”، قبل أن يضيف أنه “لا يوجد ضغينة وعداء دائم في السياسة”.

ومع ذلك، فإن هذا التحوّل في موقف أنقرة تجاه نظام دمشق لا يَتعارض مع مبادئ سياسة تركيا تجاه سوريا. ويشيرُ إلى أن القيادة التركية مُستعدّة للعمل مع النظام السوري لمعالجة أهداف تركيا في سوريا، والتي تُركّزُ على مكافحة الإرهاب وأمن الحدود، وليس على تغيير النظام.

مُستَرشِدةً بهذه الأولويات، أطلقت الحكومة التركية أربع عمليات عسكرية في الأراضي السورية منذ آب (أغسطس) 2016، وخططت لعملية خامسة، واستخدمت باستمرار نشاطها في سوريا للوصول إلى قاعدتها الوطنية، وحشد البلاد حول العَلَم، وفي نهاية المطاف تحسين فُرَصِها الانتخابية. وفي حين لا تفصل تركيا سوى أشهر عن الانتخابات العامة المقبلة، ترى أنقرة أن بإمكانها الاستفادة على الساحة المحلية من الانفتاح على الرئيس السوري. وفي هذا السياق، تمتلك القيادة التركية ثلاثة أسباب وجيهة تدفعها إلى مثل هذا الاعتقاد.

أولًا، من خلال إظهار استعدادها الصريح للتعامل مع الأسد، فإن الحكومة التركية تسرق إحدى نقاط حديث المعارضة. لقد أعلن قادة حزب الشعب الجمهوري والحزب الصالح أن إعادة إحياء العلاقات مع الأسد ستكون إحدى أولى خطواتهم إذا قُدِّرَ لهم أن يكونوا في السلطة، وأن تحالف المعارضة المُكَوَّن من ستة أحزاب يناقش ما إذا كان ينبغي إدراج إجراء حوار مع دمشق في بيانه الانتخابي.

ويزعَم البعض أن من شأن علاقة أكثر إيجابية مع الرئيس السوري ستُسرّع في إعادة ما يقرب من 4 ملايين لاجئ سوري يعيشون حاليًا في تركيا، وهو وعدٌ انتخابي رئيس في وقت تتفاقم حالة الاستياء والغضب ضد اللاجئين بسبب الأزمة الاقتصادية في البلاد.

ثانيًا، بينما لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت العلاقات الأفضل مع دمشق ستدفع السوريين إلى العودة إلى ديارهم، فإن التفاوض مع الأسد هو إحدى المبادرات القليلة التي يمكن للحكومة التركية اتخاذها لإقناع الناخبين بأنها تُحاولُ حلّ أزمة اللاجئين. ولم تُثبت الإجراءات الأخرى، مثل بناء مخيمات في شمال سوريا الخاضعة للسيطرة التركية، أنها حاسمة حتى الآن.

ثالثًا، فتح قنوات الحوار مع النظام السوري سيعطي أهمية للمسألة الكردية في الجدل السياسي التركي – وهو أمرٌ يعتقدُ أردوغان أنه سيُفيده. تشترك أنقرة ودمشق في مصلحة وضع حدٍّ للاستقلال الجزئي للإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، والتي يسميها الأكراد “روج آفا”، وهي منطقة تسيطر عليها قوات سوريا الديموقراطية. وتهيمن على هذه المجموعة وحدات حماية الشعب الكردية التي تعتبرها تركيا امتدادًا لحزب العمال الكردستاني الذي تعتبره أنقرة منظمة إرهابية. إن اتخاذ موقف متشدد من الأكراد السوريين من شأنه أن يُحفّزَ الناخبين الوطنيين لأردوغان، مما يعقد خطط المعارضة للوصول إلى الأكراد الأتراك، وهم جمهور رئيس لهزيمة حزب العدالة والتنمية الحاكم في صناديق الاقتراع.

ولكن، وبعيدًا من العناوين الرئيسة وخطاب الحكومة التركية، فإن أساسيات الأزمة السورية موجودة في البلاد لتبقى. أيّ مفاوضات بين أنقرة ودمشق ستتعثّر أمام مسألة مَن يحكم شمال سوريا. تتطلّب التغييرات في الوضع الراهن من تركيا التخلّي عن المناطق التي تسيطر عليها حاليًا، وأن يستولي النظام السوري على الأراضي التي تسيطر عليها قوات سوريا الديموقراطية في الشمال الشرقي، وأن تتوصل الحكومتان إلى تسوية أمنية جديدة للحدود التركية-السورية. ومن المحتمل أن يكون مثل هذا الاتفاق مستوحى من اتفاقية أضنة لعام 1998، التي أجبرت دمشق على إنهاء دعمها لحزب العمال الكردستاني.

هناك عقبات أخرى أمام الصفقة الكبرى بين أردوغان والأسد. وتشمل هذه العقبات المفاوضات الصعبة حول ضمانات العودة الآمنة للاجئين. كما تشمل مناقشة مصير المعارضة السورية المسلّحة المدعومة من تركيا. وبشكلٍ عام، يجب أن تتناول المفاوضات الخطوط العريضة للنظام الدستوري السوري الجديد.

إن الانفتاحَ الأخير على الأسد مُهمٌّ أيضًا لأنه يُمثّلُ خطوةً أخرى نحو عودة تركيا إلى سياسةٍ خارجية أقل عدوانية. كان هذا التغيير في المسار واضحًا على جبهاتٍ عدة في العام الماضي، حيث قامت تركيا بإصلاح العلاقات مع إسرائيل والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. والمعروف أن الإمارات، التي حصلت تركيا على دعمها الاقتصادي والمالي الحاسم في شباط (فبراير) الماضي، تقود جبهة الدول العربية الداعية إلى التطبيع مع دمشق. ويتماشى تصحيح مسار السياسة الخارجية هذا مع هدف أردوغان لتعزيز مصالح تركيا الأمنية والاقتصادية في الشرق الأوسط من أجل زيادة فرص إعادة انتخابه.

وبالمثل، فإن الانفتاحَ على الأسد ليس سوى أحدث نتيجة لعملية التوازن المستمرة بين تركيا وروسيا، والتي أصبحت مُعقّدة بشكلٍ متزايد بعد غزو الأخيرة لأوكرانيا. بالنسبة إلى روسيا، فإن الحوار التركي-السوري سيُحقّق فائدة تتمثّل في تقليص فُرَص توسيع الوجود العسكري التركي في شمال سوريا، بينما يدقّ إسفينًا بين أنقرة وحلفائها الغربيين الذين يعارضون أي مصالحة مع النظام السوري.

بالنسبة إلى تركيا، فإن الحفاظ على علاقة عمل مع روسيا يجلب فوائد مالية كبيرة والتي تُعتَبَرُ حاسمة في الوضع الاقتصادي الحالي. كما أن المصالح المشتركة والمتضاربة لأنقرة وموسكو تشمل الصفقات المالية والعسكرية والمتعلقة بالطاقة بالإضافة إلى التسويات الجيوسياسية عبر أوكرانيا والقوقاز وشرق البحر المتوسط. في نهاية المطاف، تتمثل لعبة تركيا في موازنة موقعها من أجل تعظيم الفوائد في الداخل. يبقى أن هدف الحكومة التركية يكمن في تحسين فرصها في البقاء السياسي. ومع وجود الكثير على المحك في العام الانتخابي، ستستمر المصالح الانتخابية في إملاء سياسة تركيا تجاه سوريا.

  • فرانشيسكو سيكاردي هو مدير برنامج أول ومحلل أبحاث أول في كارنيغي أوروبا. يمكن متابعته عبر تويتر على: @fsiccardi

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى