ألغامُ الحربِ الأهلية تُهَدِّدُ حياةَ اليمنيين حاضرًا ومُستَقبَلًا

اللجوءُ إلى زرعِ الألغامِ في بلدٍ مُنهَك، مثل اليمن، بسبب الصراعات على الثروة والسلطة، يُعبّرُ عن سلوكٍ عدواني تجاه المواطنين ومؤسساتهم المدنية.

البحث عن الألغام في اليمن: بطريقة بدائية

عادل دشيلة*

أشارَ برنامجُ المرصد اليمني لنَزعِ الألغام أنّه وَثّقَ، منذ تأسيسه في منتصف 2019 حتى أيار (مايو) 2022، مَقتلَ 370 مدنيًا تيجة الألغام والعبوات التي زرعها الحوثيون والقذائف من مُخلّفات الحرب. ووثّقَ التحالف اليمني لرصد الانتهاكات ضد حقوق الإنسان خلال السنوات الست الماضية سقوط أكثر من 1929 قتيلًا مدنيًا، وتدمير وتضرّر أكثر من 2872 منشأة عامة وخاصة في عدد من المحافظات اليمنية نتيجة  استخدام الألغام المُضادة للأفراد أوالمُضادة للمركبات. خلال المرحلة الأولى من مشروع نزع الألغام الطارئ التابع للأمم المتحدة فقد “تمَّ إجراءُ عملياتِ مَسحٍ وتطهير للأراضي في 21 محافظة و233 مديرية، وتطهير أكثر من 23 مليون متر مربع من الأراضي.  وتمَّت إزالة ما يقرب من 635,000 قطعة من الذخائر المتفجّرة. وبدأت المرحلة الثانية في تشرين الأول (أكتوبر) 2021 وتستمر حتى 30 أيلول (ديسمبر) 2026. تُشيرُ آخر إحصائيات مشروع مسام السعودي لنزع الألغام الحوثية في اليمن إلى أن المركز قام منذ تأسيسه في 2018 حتى نيسان (إبريل) 2022 بنزع زإتلاف 322,789 لغمًا وعبوة ناسفة وقذيفة غير مُنفَجرة. وتفيد تقارير عدة متطابقة أن اليمن بحاجة إلى ثماني سنوات حتى يتخلّص من نزع هذه الألغام. أما تقرير المركز الأميركي للعدالة فقد أشار إلى أن 75% من المُصابين بالألغام تعرّضوا للإعاقة الدائمة أو التشويه الملازم لهم طيلة حياتهم.

عانى اليمن من ظاهرة زراعة الألغام منذ تفجّر الصراعات السياسية والعسكرية في ستينات القرن الماضي مرورًا بحروب المناطق الوسطى وأحداث 1994 وما بعدها. في مطلع القرن الحالي، كان اليمن أول بلدٍ عربي ينهي عملية تحطيم مخزونه من الألغام المُضادة للأفراد. وأكّد مصدرٌ في المركز الوطني اليمني لمكافحة الألغام أنّ اليمن بموجب توقيعه على معاهدة أوتاوا لنزع الألغام، التي تنصّ على تحريم زرع وصنع واستيراد الألغام، فقد دمّر مخزونه من الألغام بحلول 2007–  وبهذا كان اليمن قريبًا من إعلانه خاليًا من الألغام، إلّا أنّه نتيجةً لاستمرارِ الصراع حينها بين جماعة الحوثي والحكومة فقد ازدادت ظاهرة زراعة الألغام منذ اندلاعه في بداية 2011 وازدياد حدّته في 2014 حينما اقتحم الحوثيون صنعاء. منذ ذلك الحين وحتى إعلان الهدنة في نيسان (إبريل) 2022 فقد زُرع عدد كبير من الألغام في مناطق الاشتباك في أكثر من محافظة، ناهيك عن زراعة الألغام في البحر الأحمر. وللأسف، لا توجد خرائط واضحة عن مناطق زراعتها ما يجعل مُحاولة نزعها في المستقبل أمرًا في غاية الصعوبة. يُعَدُّ اليمن، الآن، من أكثر الدول التي تنتشر فيها زراعة الألغام- المحظورة عالميًا.

تداعيات الألغام على المدنيين

تُمثِّلُ الألغام الأرضية والمُتفجّرات تهديدًا مُباشرًا على حياة المدنيين والأطفال على وجه التحديد. حتى 31 آب (أغسطس) 2021  بلغ عدد القتلى والمُصابين ما يقرب من 10,000 طفل بسبب النزاع، وذلك بحسب الأرقام التي تمكّنت الأمم المتحدة من التحقّق منها. جُزءٌ من هؤلاء كانوا ضحايا الألغام، حيث أكدت منظمة “هيومن رايتس ووتش” أن ألغام الحوثيين تقتل المدنيين. وفي حقيقة الأمر، يواجه المدنيون، والمسافرون، ورعاة المواشي، والمزارعون، والأطفال، والنساء والنازحون، وحتى الحيوانات، أخطارًا جسيمة مُهَدِّدة للحياة، إضافةً إلى ظهور تشوّهات نفسية واجتماعية لدى ضحايا الألغام.

يُعاني كثيرٌ من الأُسَر التي تعتمد على الرعي والزراعة ولا سيما عندما يتعرّضُ ربّ الأسرة لإعاقةٍ كاملة نتيجة تعرّضه للغم أرضي، وبالتالي تفقد معيلها الرئيس. وعلى المستوى الصحي، تنتشر الأمراض العصبية والتشوّهات الجسدية التي يصعب معالجتها نتيجة لافتقار البلد لأبسط الخدمات الطبية لغياب برامج الدعم النفسي والاجتماعي، وعدم توفّر مراكز حديثة لتركيب الأطراف الصناعية لذوي الإعاقات. أما على المستوى الاقتصادي، يمتنع كثيرٌ من المزارعين عن حرث مزارعهم خوفًا على حياتهم.

مسؤولية نزع الألغام

منذ بداية الصراع في مناطق الاشتباك، خصوصًا في تعزّ وصعدة والحديدة ومأرب وأبين ولحج والضالع والجوف والبيضاء وصنعاء وشبوة ومناطق أخرى، فقد تمّت زراعةُ عددٍ كبير من الألغام بطُرُقٍ عشوائية. وبحسب معلومات حكومية يمنية فقد زرعت جماعة الحوثي مليوني لغم أرضي. أشار تقريرٌ ل”نيويورك تايمز” إلى أنه يبدو أن الحوثيين قد زرعوا أغلب الألغام الأرضية وغيرها من العبوات الناسفة المدفونة في اليمن، وتطرّق معهد واشنطن للحجم الهائل لاستخدام الألغام الأرضية من قبل الحوثيين، ما يثير تساؤلات عدة حول مصدرها وإمداداتها، ذلك أن اليمن لا يُفترَض أن يمتلك مخزونات محلية من الألغام الأرضية. وهذا يجعل من الصعب تحديد مكان هذه الألغام خصوصًا المُضادة للأفراد والعربات نتيجة لزرعها العشوائي. كما أن استمرار سيطرة الجماعات المسلحة على بعض مناطق البلاد يُمثّلُ تحدّيًا آخر أمام جهود إزالة الألغام. وهناك تحديات أخرى تواجه عملية تطهير اليمن من الألغام منها: عدم وجود خرائط واضحة، ونوعية الألغام التي تمّت زراعتها، وعدم وجود كوادر محلية مُؤهّلة للتعامل مع هذه الألغام كي يتم نزعها في فترة زمنية قصيرة. ضمن التحديات التقنية، عدم توفر أجهزة حديثة لدى الحكومة للكشف عن هذه العبوات والمتفجرات. كما أن جرف السيول لبعض الألغام من منطقة لأخرى يُعقّد التحقّق من الأماكن التي تنتشر فيها.

من هذا المنطلق يتوجّب الالتزام باتفاقية حظر واستعمال الألغام، وبخاصة المادة الرابعة التي تنصّ على إزالة المتفجّرات من مُخلّفات الحرب أو التخلّص منها أو تدميرها، والتي تُلزِمُ كل طرفٍ من الأطراف المُنخرطة في الصراع أن يكون مسؤولًا عن الأراضي التي تقع تحت سيطرته. وبالتالي، يجب تقديم خرائط زرع الألغام. ويتوجب أيضًا فور الانتهاء من الحرب القيام بتوعية شاملة عن مخاطر الألغام من خلال تزويد سكان المناطق المتضررة من هذه المتفجرات بالمعلومات الضرورية وتوعيتهم بمخاطرها.

للأسف، الجهود المحلية والإقليمية والدولية في الوقت الراهن غير كافية للتخلّص من الألغام خلال فترة وجيزة. بالنسبة إلى جهود الحكومة اليمنية فهي ضعيفة بسبب هشاشة مؤسساتها. ولذا، فإن التنسيق المشترك بين الدولة اليمنية والجهات الإقليمية والدولية المانحة في هذا المجال، لتعيين جهة واحدة مسؤولة عن كشف المناطق التي تم تطهيرها وتلك التي لا تزال تواجه خطر الألغام، ستكون له نتائج أكثر فاعلية.

ختامًا، ستبقى الألغام خطرًا يُهدّد حياة اليمنيين في مرحلة ما بعد الحرب، ما يتطلّب تدخّلًا عاجلًا من المبعوث الدولي وفريقه الخاص إلى اليمن لمناقشة خرائط الألغام في مناطق الاشتباك ومناطق الحدود مع المملكة العربية السعودية وسواحل اليمن على البحر الأحمر. كما ينبغي مساعدة اليمن من خلال دعم مشاريع المركز الوطني لنزع الألغام، وتدريب فرق محلية ودولية لنزع الألغام. ويتوجّب أيضًا تأسيس هيئة مستقلة للتوعية بمخاطر الألغام الأرضية، ووضع خطة عملية لمرحلة ما بعد الحرب، وتأسيس صندوق لرعاية ضحايا الألغام.

  • عادل دشيلة هو كاتب وباحث يمني حاصل على درجة الدكتوراه في الأدب الإنكليزي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى