غير مصنوع في لبنان

راشد فايد*

سيُسَجِّلُ الزَمَنُ السياسيّ أنَّ اسمَ مَن سيُنتَخَب لتولّي موقع رئاسة الجمهورية اللبنانية، خَلَفًا للرئيس ميشال عون، ليس مَوضِعَ رهانٍ وتجاذبٍ بين أصحابِ حقِّ الإقتراع والاختيار، ولربما هي من المرّات النادرة، في تاريخ انتخاباتِ رئيسٍ للدولة، التي يتساوى فيها النواب والناس في الجَهلِ بِمَن سينام في قصر بعبدا يوم الأول من تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل، على الأقل، حتى هذه اللحظة.

ما يُكرّس ذلك أن نحو أسبوعٍ يفصلُ لبنان عن بدء المهلة الدستورية لانتخاب رئيس، ولم ترتسم، بعد، في الأفق، أسماءُ مُرَشَّحين جدّيين ووازنين، ولم ترتفع الأصواتُ جاهرةً باسمِ مَن تَرَشَّح، من كل الجهات، في أوضح صورة، منذ الاستقلال، لتسليم الجميع بأن المطلوبَ “رئيسٌ صُنِعَ في لبنان” شعار مسلّ، لكنه غير واقعي البتّة.

لا يُجادل اللبنانيون في صحّة الانطباع العام بأن وصولَ شخصٍ إلى سدّة الرئاسة رهنٌ بتوافقاتٍ دولية وإقليمية ومحلّية (والأخيرة محدودة الحجم والفعل)، وهي الحال السائدة منذ الاستقلال والمُتكرّرة مع 13 رئيسًا مُنتَخَبًا، وهي اليوم أوضح مما سبق، مع فارقٍ هو أنَّ الدورَ المحلّي حالياً شبه معدوم، ولا يتخطّى التبريج وقراءة الكف، أمام تضارب الاستنتاجات الممتدة من حرب روسيا على أوكرانيا، إلى مفاوضات جنيف، وصولًا إلى أيِّ إخلالٍ أمنيٍّ في دَسكَرةٍ من لبنان.

يتناولُ الجميعُ موضوعَ انتخابِ رئيسٍ جديدٍ للبلاد بلا تسميات، كأنهم يتجنّبون التورّط في ما يرونه غير مُجدِ، ولا قرار لهم فيه، فيُعدّدون الأزمات التي يغرق فيها البلد، ويُحوّلونها إلى عناوين لبرنامجٍ اصلاحي، يتوافق الجميع على جدّية أفكاره، ولا يتّفقون على طريقها إلى التحقّق، كأنهم يكتفون بإبداء الحد الأدنى من التفاعل مع مصائب البلد، لعدم إيمانهم بفعالية دورهم كمواطنين، ولقنوطهم من توافرِ فُرَصٍ جدّية للتغيير، بدليلِ تمطيطِ مفاوضات الترسيم البحري، والمفاوضات مع صندوق النقد الدولي، والتي تُوحي بأن الوقتَ حليفُ لبنان، وأن الأزمة في بلدٍ آخر، وليست في كلّ بيت لبناني.

تُذَكِّرُ انتخابات الرئاسة اللبنانية، التي يعيش لبنان أجواءها راهنًا، بعجزِ اللبنانيين عن إمساكِ قرارهم بيدهم، واستفحال ذلك منذ اتفاق الدوحة الذي كان مضمونه تسليمًا بالدور الإيراني، عبر “حزب الله”، في لبنان.

قبل ذلك كان لبنان تحت وصايةٍ سورية، بقرار أميركي–سوفياتي– أوروبي، وعربي، تقلّبَ مزيجها تبعًا للصراعات الدولية والإقليمية، لا سيما الصراع العربي-الإسرائيلى، والتصارع السوري مع منظمة التحرير الفلسطينية، على ما كان يسميه الطرفان، القرار الفلسطيني، و”الساحة اللبنانية”.

في بداية حرب 1975، جاء بيروت محمد أديب الداوودي أول موفدٍ رئاسي سوري بمهمة هي وقف نذر الحرب. وبعد لقاءات مع “القيادات” المتناحرة، إلتقى الصحافيين والمراسلين، وكان أبرز ما قاله لهم في فندق الكومودور: لقد فَقَدَ اللبنانيون قدرتهم على إدارة شؤونهم بأنفسهم، ونحن سنتولّاها عنهم.

توصيف الداوودي لحال لبنان قبل نحو 50 سنة لا يبعدُ من الحقيقة القائمة اليوم، وبعدما أدارت دمشق الأمور اللبنانية، حلّت طهران مكانها، بعدما شاطرتها “المسؤولية” لفترة، فهل تحل مكان الإثنتين “عصبةٌ” تضمّ إليهما فرنسا ببركةٍ أميركية وغضّ بصر روسي مدروس؟

  • اشد فايد هو كاتب، صحافي ومُحلّل سياسي لبناني. يُمكن متابعته عبر تويتر على: @RachedFayed
  • يصدر هذا المقال في “أسواق العرب” (لندن) توازيًا مع صدوره في صحيفة “النهار” (بيروت).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى