إذا نَفَّذَ “حزب الله” تهديده بالحرب، فقد يصبحُ لبنان مثل غزّة

مايكل يونغ*

في الآونة الأخيرة، أوضح الأمين العام ل”حزب الله”، السيد حسن نصر الله، أنه إذا بدأت إسرائيل الحفر في حقل غاز كاريش البحري، بدون أن يضمن لبنان أوّلًا ما اعتبره “حقوقه” في الغاز، فقد تكون العواقب حربًا. قبل فترة قصيرة من تعليقاته، في أوائل تموز (يوليو)، حلّقت طائرات مُسَيَّرة عدة ل”حزب الله” فوق كاريش.

بينما يعتقد الكثيرون أن نصر الله لا ينوي تنفيذ تهديده بالحرب في وقت أزمةٍ اقتصادية عميقة في لبنان، فلم تكن هناك نية لخوض الحرب في صيف العام 2006 أيضًا، وهي المرة الأخيرة التي خاضت فيها إسرائيل و”حزب الله” صراعًا كبيرًا. في كثير من الأحيان، تكون الحاجة إلى تجنّب فقدان المصداقية بسبب عدم التصرّف دافعًا لإشعال حريقٍ هائل.

ومع ذلك، لنفترض أن الحرب ستحدث، فهل يفترض “حزب الله” أن تداعياتها ستكون مُشابهة لما حدث في العام 2006؟ في ذلك الوقت، اتهم الحزب خصومه السياسيين المحليين، المُنضمّين إلى ما كان يعرف ب”تحالف 14 آذار”، بخيانة “حزب الله” من خلال محاولة استغلال الحرب لاحتواء تصرفات وإجراءات الحزب.

بمجرد انتهاء الحرب، حشد “حزب الله” أنصاره لتنظيم اعتصامٍ استمر لأشهر بالقرب من مكتب رئيس الوزراء وفَرَضَ تغييرًا في الحكومة يمنحه حق النقض (الفيتو) على قرارات مجلس الوزراء. من بين الأمور التي سعى الحزب وحلفاؤه إلى منعها كانت خطة الأمم المتحدة لإنشاء محكمة لمحاكمة المتورّطين في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري في شباط (فبراير) 2005. وزُعِمَ في حينه أن “حزب الله” وسوريا لعبا دورًا في الجريمة.

استمرّت المواجهة حتى أيار (مايو) 2008، عندما أدت الاشتباكات المسلحة بين الجانبين إلى ما يُعرَف باتفاق الدوحة، والذي جاء برئيسٍ جديد إلى السلطة. لسنواتٍ عدة بعد ذلك، عاد الوضع إلى طبيعته نسبيًّا.

من المشكوك فيه أن مثل هذا الوضع يُمكن أن يتكرّر بعد أيّ حربٍ مستقبلية. أسبابُ ذلك كثيرة، بما في ذلك النوايا الإسرائيلية، والمزاج السائد في لبنان في زمن الانهيار الاقتصادي واستمرارية العقد الاجتماعي في لبنان.

لقد أوضحت إسرائيل بشكل واضح أن الحرب في لبنان ستؤدي إلى دمار واسع النطاق للبلد. على عكس العام 2006، عندما حثّت الولايات المتحدة الإسرائيليين على عدم تدمير لبنان، خشية أن يؤدي ذلك إلى تقويض حكومة رئيس الوزراء آنذاك فؤاد السنيورة، فإن مثل هذه الموانع غير مُرَجَّحة في صراعٍ جديد. على العكس من ذلك، نظرًا إلى أن العديد من الدول تعتبر “حزب الله” قوة مُزعزِعة للاستقرار في المنطقة، فقد تكون هناك موافقة إقليمية ضمنية على ردٍّ مُدمّر.

مع مواجهة لبنان أصلًا لواحدة من أسوإِ الأزمات الاقتصادية في التاريخ الحديث، فإن العواقب الوخيمة للحرب مع إسرائيل قد تدفع بالبلاد إلى حافة الهاوية والهلاك. لن تتمكّن الدولة المُفلسة من إصلاح البنية التحتية أو المنازل المتضررة، وبالتالي يمكن أن يصبح لبنان نسخة أكبر من غزة، الأمر الذي سيؤجج الغضب الشعبي.

في المجتمع الشيعي، الذي ظلّ مواليًا ل”حزب الله” في السرّاء والضراء، سيكون ردُّ الفعل أيضًا غير متوقع للغاية. في العام 2006، كان هناك المال، ولا سيما الأموال القطرية، للبدء على الفور في إعادة بناء القرى والأحياء الشيعية المُدَمَّرة. اليوم، لن يتم تقديم سوى القليل من المساعدات الخارجية لمساعدة المجتمع. أظهرت الانتخابات البرلمانية هذا العام أن هناك استياءً كامنًا بسبب الاقتصاد. بينما فاز “حزب الله” وحليفته حركة “أمل” بجميع مقاعدهما، انخفض عدد الأصوات المؤيدة لهما. كما حقّق المرشحون المستقلون، رُغمَ أنهم ليسوا شيعة، اختراقات في الدوائر التي يهيمن عليها “حزب الله” وحركة “أمل”.

كما تغيّرَ المزاج في لبنان. عددٌ متزايد من اللبنانيين سئموا المسار الذي يقود فيه “حزب الله” بلدهم. لا أحد يريد أن يدفع ثمن تحالف الحزب مع إيران. وبشكلٍ متزايد، على الأرض، أبدت المجتمعات استعدادًا لمقاومة “حزب الله” أو حمل السلاح، كما حدث العام الماضي في خلدة، وقرية شويّا الدرزية، ولاحقًا في عين الرمانة.

على خلفية حربٍ مُدمّرة، سوف ينتشر الاستياء وسيزداد هذا الاتجاه. من شبه المؤكد أنه ستكون هناك دعوات من أعداء “حزب الله” السياسيين لإعادة التفاوض على العلاقة بين الحزب والدولة، لأن لبنان لا يستطيع أن يظل رهينة أجندة “حزب الله” وإيران.

إذا لم يرضَ “حزب الله” وحاول التصعيد ضد منتقديه، فقد يحدث عدد من الأشياء. يمكن أن يدخل لبنان في صراعٍ مفتوح، أو قد يُصعّد خصوم الحزب الوضع ويقولون أنه إذا رفض “حزب الله” الاندماج في الدولة، فإن الخيار الوحيد هو الانفصال والمفاوضات حول ترتيبٍ سياسيٍّ جديد في لبنان.

ما يَجعلُ هذا مُمكنًا هو أن النظام السياسي في لبنان لم يعد يعمل، والعقد الاجتماعي الذي يحكم البلاد منذ نهاية الحرب الأهلية في العام 1990 مُعطّل بشكلٍ ميؤوس منه في ظل حزب استولى على الدولة. “حزب الله”، حتى لو كان قويًّا عسكريًّا، لم يستطع حلّ هذه الأزمة بسلاحه. إذا اتحد خصومه، فقد يضطر الحزب إلى إعادة تقييم دوره الوطني.

هذا من شأنه أن يخلق معضلة. إن رفض “حزب الله” السير في هذا الطريق سيزيد من مخاطر اندلاع حرب أهلية، في حين أن أي اتفاق يقبل به من شأنه أن يُقوّض مهمته نيابة عن إيران. قد تُفسّر عدم قدرة الحزب على حلّ هذه المعضلة سبب عدم احتمال نشوب حرب مع إسرائيل، ولكن عاجلًا أم آجلًا سيتعيّن على “حزب الله” حلّ مشاكله مع بقيّة لبنان.

  • مايكل يونغ هو رئيس تحرير “ديوان”، مُدوّنة برنامج كارنيغي الشرق الأوسط، بيروت، وكاتب رأي في صحيفة “ذا ناشيونال” الإماراتية. يُمكن متابعته عبر تويتر على:  @BeirutCalling
  • كُتِبَ هذا المقال بالإنكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى