الخليج يَتَطَلَّعُ إلى التقاطِ وتخزينِ الكربون والهيدروجين لدَفعِ عمليةِ تَحوّلِ الطاقة

تعمل شركات النفط الوطنية الخليجية على زيادة إلتقاط واحتجاز الكربون والهيدروجين لدفع عملية تحوّل الطاقة، حيث يمكن للشرق الأوسط التقاط ما يصل إلى 50 مليون طن سنويًا من الكربون بحلول العام 2030.

الأمير عبد العزيز بن سلمان آل سعود: المملكة تهدف إلى أن تصبح أكبر منتج للهيدروجين في العالم

عمّار الحلّاق*

مع جَنِي مُنتِجي الهيدروكربونات عائداتٍ عالية من ارتفاع الأسعار العالمية، تعمل شركات النفط الوطنية في الخليج على تسريع الاستثمار في التقاط الكربون واستخدامه وتخزينه بالإضافة إلى استخدام الهيدروجين وغيره من الطاقات الخضراء لجعل أنشطتها أقل كثافة للكربون ودعم انتقال وتحوّل الطاقة.

قبل أسبوعين توصّلت أرامكو السعودية إلى اتفاقٍ مع شركة سينوبك الصينية لتطوير تكنولوجيا التقاط وتخزين الكربون والهيدروجين أثناء بناء مجمع صناعي في مجمع الملك سلمان للطاقة في شرق المملكة العربية السعودية.

في تموز (يوليو)، وقّعت شركة بترول أبوظبي الوطنية (أدنوك) اتفاقًا مع شركة توتال الفرنسية للتعاون في مجال التقاط وتخزين الكربون والهيدروجين. ستساعد الصفقة أدنوك على تحقيق هدفها المُتمثّل في جمع 5 ملايين طن سنويًا من الكربون بحلول العام 2030، بزيادة ستة أضعاف طاقتها الحالية البالغة 800 ألف طن سنويًا من محطات الغاز التابعة لها.

هذه الصفقات هي الأحدث من بين العديد من الصفقات الأخرى في الأشهر الأخيرة من قبل شركات النفط الوطنية الخليجية، والتي يمكن أن تضعها في مركز القيادة عالميًا في كل من تكنولوجيا التقاط واحتجاز الكربون وتخزين الهيدروجين.

إن مزايا الإنتاج المنخفض التكلفة لشركات النفط الوطنية الخليجية والموارد الهائلة من الهيدروكربونات تعني أن تكنولوجيا التقاط وتخزين الكربون يمكن أن تُقلّلَ من الانبعاثات خلال العقود المقبلة مع استمرار العالم في الاعتماد على النفط والغاز وسط تحوّل الطاقة.

أنتجت أرامكو وأدنوك وشركة البترول الوطنية الكويتية 19.3٪ من النفط العالمي واحتفظت بـ28.7٪ من احتياطات النفط العالمية المؤكّدة في العام 2021، بينما أنتجت شركة قطر للطاقة 4.4٪ من الغاز العالمي واحتفظت بـ13.1٪ من احتياطات الغاز العالمية المؤكّدة.

علاوة على ذلك، مع وجود أرخص طاقة شمسية في العالم، ووفرة من طاقة الرياح والأراضي الشاسعة التي يمكن بناء مشاريع توليد الطاقة الخضراء عليها، يمكن لشركات النفط الوطنية الخليجية أن تؤسس ميزة الحركة المبكرة في إنتاج وتصدير الهيدروجين الأخضر، مما قد يجلب ويدرُّ  200 مليار دولار بحلول العام 2050، وفقًا لتقرير نشرته في العام الماضي شركة الاستشارات “Roland Berger وDii Desert Energy”، وهي شبكة بين القطاعين العام والخاص تُركِّزُ على تحوّل الطاقة.

احتجاز الكربون

يسمح إلتقاط الكربون وتخزينه لشركات الهيدروكربونات بإزالة الكربون من عمليات الإنتاج، والذي يمكن تخزينه أو إعادة نشره في تقنيات مُحسّنة لاستعادة النفط أو تحويله إلى سلع استهلاكية أخرى.

كان العديد من الشركات بطيئًا في تبنّي تكنولوجيا التقاط الكربون وتخزينه نظرًا إلى ارتفاع تكاليفها الأولية وعدم وجود سوق لتعويضات الكربون وائتماناته. ومع ذلك، فإن هذا القطاع يكتسب زخمًا حيث تطلب الأسواق النهائية للمستخدمين، لا سيما في أوروبا، مصادر طاقة أنظف وأسواق تداول الكربون.

ارتفع عدد مشاريع التقاط وتخزين الكربون الجديدة التي تمّ الإعلان عنها عالميًا من 18 في 2019 إلى 38 في 2020 و97 في 2021، وفقًا لوكالة الطاقة الدولية. ومع ذلك، فإن خط الأنابيب هذا من المشاريع فشل كثيرًا في التأثير بشكلٍ هادف في أهداف المناخ العالمية وفقًا للوكالة، التي تقول إن 1.7 مليار طن سنويًا من قدرة التقاط وتخزين الكربون مطلوبة بحلول العام 2030 للوصول إلى صافي انبعاثات صفرية بحلول العام 2050.

نظرًا إلى أن العديد من هذه المشاريع يتم تنفيذها من قبل شركات النفط الوطنية الخليجية، فإنها تُمثّلُ حالة اختبار للاستيعاب العالمي لتكنولوجيا التقاط وتخزين الكربون. وفقًا لشركة “ميتسوبيشي هَفي إندَستريز” (Mitsubishi Heavy Industries)، التي تشارك في العديد من مشاريع توليد الطاقة في المنطقة، يمكن أن ينتج الشرق الأوسط 50 مليون طن سنويًا بحلول العام 2030 – وتتراوح توقعات الإجمالي العالمي في العام 2030 من 80 إلى 89 مليون طن سنويًا.

وفقًا لمعهد “غلوبال سي سي أس” (Global CCS Institute) الأوسترالي، استحوذت قطر والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية على 3.7 ملايين طن سنويًا من الكربون في العام 2020، أو 10٪ من الإجمالي العالمي، ولكن قدّرَ مركز الأبحاث أن دول مجلس التعاون الخليجي يمكن أن تصل إلى 60 مليون طن سنويًا بحلول العام 2035.

في حين أن الأرقام الخاصة بصفقة أرامكو مع سينوبك غير معروفة، فإن الاستثمار سيساعد المملكة العربية السعودية على تحقيق هدفها المتمثل في 11 مليون طن سنويًا من قدرة التقاط وتخزين الكربون بحلول العام 2035، وهو جُزءٌ من هدفها الأوسع لتحقيق صافي انبعاثات صفري بحلول العام 2060. وتلتقط المملكة حاليًا 800 ألف طن سنويًا من الكربون من مصنع تسييل الغاز في الحوية.

وفي الوقت نفسه، تقود شركة قطر للطاقة المنطقة في التقاط 2.1 مليوني طن سنويًا من الكربون من مصنعها لإسالة الغاز في راس لفان وتخطط لتوسيع حقل الغاز في حقل الشمال، حيث من المقرر أن يبدأ الإنتاج في العام 2025.

في تعزيزٍ لاستيعاب تكنولوجيا التقاط الكربون وتخزينه، أطلقت المملكة العربية السعودية في العام الماضي منصّةً لدول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لمُقايضة تعويضات الكربون والأرصدة. أرامكو من بين الأعضاء الأوائل في المنصّة.

بصرف النظر عن هذه الطموحات، هناك بعض القلق من أصحاب المصلحة الدوليين بشأن الاعتماد المفرط على التقاط وتخزين الكربون لتلبية خطط صافي الصفر بسبب الحاجة إلى تطوراتٍ تكنولوجية رئيسة في هذا المجال ولأن التقاط وتخزين الكربون يحتمل أن يوفّر غطاءً لاستمرار إنتاج النفط لعقودٍ مُقبلة بدلًا من تشجيع التحوّل إلى مصادر الطاقة النظيفة.

هيدروجين

وتقوم شركات النفط الوطنية الخليجية أيضًا باستثماراتٍ كبيرة في الهيدروجين، وهو وقودٌ نظيف ومَصدَرٌ للطاقة يمكن توليده من الهيدروكربونات أو مصادر الطاقة الخضراء واستخدامه محلّيًا أو تصديره.

مثل التقاط وتخزين الكربون، اكتسب الهيدروجين زخمًا كبيرًا في السنوات الأخيرة. ارتفع عدد الدول التي طوّرت استراتيجيات الهيدروجين من ثلاث –فرنسا وكوريا الجنوبية واليابان– إلى 17 في العام 2021، مع وجود 20 دولة أخرى في طور تطوير استراتيجياتها.

المملكة العربية السعودية لديها بالفعل مشاريع هيدروجين عاملة بالإضافة إلى خطط طموحة للتوسّع. في آذار (مارس)، بدأت بناء محطة هيدروجين تعمل بالطاقة الشمسية والرياح بتكلفة 5 مليارات دولار في مشروع “نيوم” العملاق، والذي سيكون أكبر مصنع هيدروجين في العالم عند اكتماله، وسينتج 650 طنًا يوميًا.

أعلن الأمير عبد العزيز بن سلمان آل سعود، وزير الطاقة في المملكة العربية السعودية، العام الماضي، أن المملكة تهدف إلى أن تصبح أكبر منتج للهيدروجين في العالم وتستهدف 2.9 مليوني طن سنويًا بحلول العام 2030 و4 ملايين طن سنويًا بحلول العام 2035.

وتعمل دولٌ خليجية أخرى، مثل الإمارات والكويت وسلطنة عُمان، على تطوير استراتيجيات وطنية للهيدروجين، على الرغم من أن قطر لا تُخطّط لإنتاج الهيدروجين نفسه، حيث سيتم استخدام غازها لتشغيل المُحلّل الكهربائي في الخارج.

في أيار (مايو)، أعلنت أدنوك عن شراكة جديدة في مجال الطاقة مع شركة بريتيش بتروليوم لتطوير مراكز الهيدروجين في كلٍّ من الإمارات العربية المتحدة والمملكة المتحدة. ومن المقرر أن تستحوذ أدنوك على حصة في مشروع “إتش 2 تيسيد للهيدروجين” (H2Teesside hydrogen project) التابع لشركة بريتيش بتروليوم، بينما ستستثمر شركة بريتيش بتروليوم في مصنع أدنوك للهيدروجين الأخضر في شركة مصدر بأبوظبي. كما تدرس أدنوك تطوير سلسلة توريد الهيدروجين الخضراء مع اليابان.

رابطة الطاقة الذكية

من خلال اعتماد إلتقاط وتخزين الكربون وتنمية قدراتها على إنتاج وتصدير الهيدروجين، تتطلّع شركات النفط الوطنية الخليجية أيضًا إلى الاستفادة من التقنيات الرقمية الناشئة والذكاء الاصطناعي لتنويع اقتصادات البلدان الخليجية وتمكين النمو المستدام.

تعمل كل من أرامكو وأدنوك بالفعل على نشر الذكاء الاصطناعي لجعل عملياتهما أكثر كفاءة، ومراقبة انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون وتقليلها، ودمج موارد الطاقة الخضراء. ويمكن أن يخلق الاستثمار في التقنيات الرقمية أيضًا أوجه تآزر يمكن أن تؤدي إلى تطوير قطاعات تصنيع جديدة.

على سبيل المثال، أعلنت أرامكو عن صفقة في كانون الثاني (يناير) مع شركة صناعة السيارات الفرنسية “غوسّان” (Gaussin) لاستكشاف تصنيع المركبات التي تعمل بالهيدروجين، والتي جاءت في أعقاب صفقات مع شركات “Air Liquide” و”Alteia” و”Axens” الفرنسية لتطوير الذكاء الاصطناعي واحتجاز الكربون والهيدروجين منخفض الكربون، والأمونيوم والتصنيع.

  • عمّار الحلّاق هو مراسل “أسواق العرب” في أبو ظبي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى