اليمن: هدنةٌ أم عَواقِب؟

رُغم تمديد وقف إطلاق النار في اليمن، تُشير كل الدلائل إلى أن الحرب قد تكون مُهَيَّأة للاشتعال مُجدَّدًا في وقتٍ قريب.

مبعوث الأمم المتحدة الخاص لليمن، هانز غروندبيرغ: يعمل جاهدًا لجمع الأطرافَ المتحاربة من أجل السلام، ولكن…

أحمد ناجي*

أدّت الهدنة المستمرة في اليمن إلى خفض حدّة الصراع في البلاد مؤقتًا. ومع ذلك، فإن الانتهاكات المُتزايدة للهدنة والفشل في التوصّل إلى وقفٍ دائمٍ لإطلاق النار يعنيان أن الوضعَ الحالي قد يكون مُجرّد مُقدّمة لجولةٍ جديدة وحشية من المواجهة العسكرية.

في 2 آب (أغسطس)، أعلن مبعوث الأمم المتحدة الخاص لليمن، هانز غروندبيرغ، أن الأطرافَ المُتحاربة في اليمن وافقت على تمديد الهدنة لشهرين إضافيين. وهذا هو التمديد الثاني منذ دخول اتفاقية الهدنة حيّز التنفيذ في أوائل نيسان (أبريل)، بين “أنصار الله”، المعروفين بالحوثيين، والتحالف العربي بقيادة السعودية، والذي يدعم الحكومة اليمنية المُعتَرَف بها دوليًا. وتشمل بنود الهدنة السماح بدخول سفن الوقود إلى ميناء الحديدة والسماح برحلتين تجاريتين أسبوعيًّا من وإلى مطار صنعاء. وينص الاتفاق أيضًا على أن المبعوث الخاص “سيدعو الأطراف إلى اجتماعٍ للاتفاق على فتحِ طُرُقٍ في تعزّ والمحافظات الأخرى لتسهيل حركة المدنيين من الرجال والنساء والأطفال …”.

خفّضت الهدنة عدد الاشتباكات العسكرية بين الجانبين، وخصوصًا الهجمات العابرة للحدود، التي زاد تواترها بشكل كبير في وقت سابق من هذا العام. كما مكّنت بعض اليمنيين من الاستفادة من الرحلات الجوية المباشرة إلى الأردن أو مصر عبر مطار صنعاء. وفي الوقت نفسه، أدى تدفّق الوقود على المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون إلى خفض أزمة الوقود في تلك المناطق، والتي كانت في أوجها في الفترة التي سبقت الاتفاق. والأهم من ذلك، أن الهدنة خلقت مساحة للمحادثات السياسية.

ومع ذلك، يبدو أن الاتفاق يتعثّر الآن بسبب عدم فتح طرق في تعز والمحافظات الأخرى، وهي إحدى نقاطه الرئيسة. وقد تمكّن مكتب المبعوث الخاص من رعاية المحادثات المباشرة بين الجانبين في العاصمة الأردنية عمّان، لكن التوصّل إلى تفاهمٍ حول هذه القضية ظل بعيد المنال. وقد أدّى ذلك إلى خيبة أمل كبيرة بين اليمنيين الذين ينظرون إلى فتح الطرق على أنه علامة على جدّية الأطراف المتصارعة في التخفيف من معاناة الشعب اليمني والتوصّل إلى تفاهمٍ سياسي أوسع.

كما تُساهم علاماتٌ أخرى في زيادة الشكوك حول استمرار هذه الهدنة. وفقًا لمرصد الهدنة اليمني، الذي يديره موقع الصراع المُسلّح ومشروع بيانات الأحداث، كان هناك حوالي 1,860 انتهاكًا للهدنة حتى 29 تموز (يوليو)، ما أدّى إلى مقتل 316 شخصًا. ومع ذلك، لم تَحدُث انتهاكاتٌ من قبل التحالف العربي ضد الحوثيين أو من قبل الحوثيين ضد المملكة العربية السعودية أو الإمارات العربية المتحدة. بدلًا من ذلك، شملت جميع الانتهاكات قتال اليمنيين في ما بينهم. وكُشِفَ أن الجهة الأكثر مسؤولية عن خرق الهدنة هي الحوثيون، الذين ارتكبوا حوالي 1,680 انتهاكًا، أو 95 في المئة من الإجمالي، وتسبّبوا في مقتل 300 شخص.

تُوضّح هذه الأرقام سبب اعتبار العديد من المدنيين للهدنة في المقام الأول على أنها هدنة أحادية الجانب من قبل الحكومة اليمنية، مع وقف الحوثيين للهجمات ضد دول التحالف فقط. في غضون ذلك، استمرّت العمليات العسكرية للحوثيين في مناطق داخلية عدة، لا سيما في تعزّ ومأرب. ولا تشمل الهدنة نشر فرق للإشراف على مراقبة ما إذا كانت الأطراف تحترم شروطها. بالأحرى، تُرك التنفيذ لحسن نية الأطراف.

على مسارٍ آخر، تواصلت المحادثات بين السعودية والحوثيين في مسقط في سلطنة عُمان. ولم تُحقّق هذه أيَّ تقدّمٍ كبير حتى الآن، لكن المحادثات قد تؤدي إلى اتفاق سعودي- حوثي. وكل هذا يعني أن نمط الحرب اليمنية قد يكون في طور التغيير. الحكومة اليمنية مُستَبعَدة من محادثات مسقط، حيث أنه لو توصّل السعوديون والحوثيون إلى تفاهم، فإن الحرب في اليمن قد تستمرّ بين الأطراف المحلية المتنازعة بمجرد انسحاب السعوديين وحلفائهم.

اليوم، هناك ثلاث قضايا رئيسة تؤثّر في الهدنة والمفاوضات الجارية. أوّلًا، يعتقد الحوثيون أنهم الممثل الشرعي الوحيد لليمن ولا يحقّ لأحدٍ تمثيل البلاد إلّا هُم. إنهم ينظرون إلى الحكومة المُعترَف بها دوليًا وخصومهم الآخرين على أنهم جُزءٌ من التحالف الذي تقوده السعودية، أو “مرتزقة” كما يسمونهم في وسائل الإعلام الخاصة بهم. اكتسبت هذه القناعة قوّة لأن الحوثيين يشعرون أنهم ينتصرون في الصراع المستمر منذ سبع سنوات، بخاصة بعد أن تمكنوا من شنّ هجماتٍ ضد أهدافٍ استراتيجية داخل السعودية والإمارات.

ثانيًا، يبدو أن الحكومة اليمنية هي الحلقة الأضعف في المشهد السياسي والعسكري الحالي. منذ تشكيله في بداية نيسان (أبريل) بعد عزل الرئيس عبد ربه منصور هادي، لم يتمكّن المجلس القيادي الرئاسي من تجاوز العديد من العقبات والتحديات التي يواجهها. ولم يتجاوز استيعابه كل الجماعات المناهضة للحوثيين الإطار الرسمي، ولا يزال المجلس عاجزًا ومُنقسمًا. وتأخر توحيد المكوّنات العسكرية الخاضعة للمجلس الرئاسي، الأمر الذي قد يؤدي إلى انهيار الهدنة، وإعادة الوضع إلى المربع الأول.

ثالثًا، ينظر التحالف الذي تقوده السعودية إلى دوره باعتباره وسيطًا وليس كطرفٍ متحارب. تتمثل الإستراتيجية الجديدة للرياض وأبو ظبي في تصوير الحرب على أنها قضية يمنية محلية، من دون ذكر الدور الذي لعبته كلٌّ منهما منذ آذار (مارس) 2015. وأصبح هذا النهج مٌهيمنًا بعد أن أنشأت الاثنتان وكلاء محليين للدفاع عن مصالحهما. ليس من المستغرب أن ينصبُّ تركيز السعوديين في محادثاتهم مع الحوثيين على وقف الهجمات عبر الحدود، وليس على معالجة القضايا اليمنية الداخلية.

الهدنة ليست غاية في حدّ ذاتها. إنها مُجرّد وقفة يُمكن أن تؤدي إما إلى وقفٍ دائمٍ لإطلاق النار أو فصلٍ جديد من حربٍ مُدمّرة إذا لم يتم استغلالها. إننا نشهد ظهور حالة مزعجة، تتضاءل فيها فُرَصُ السلام بينما يتجاهل المشاركون في الصراع بشكلٍ مُتهوّر رفاه المدنيين. وهذا يجعل اليمن تجسيدًا لفشل الحرب والسلام معًا.

  • أحمد ناجي هو باحث غير مقيم في مركز “مالكولم إتش كير” كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت، حيث تتركز أبحاثه حول اليمن. يمكنكم متابعته عبر تويتر على: @AhmedNagiYE

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى