كيف يُنظَرُ إلى حرب أوكرانيا من الصين

مارك ليونارد*

هل الغزو الروسي لأوكرانيا هو مجرّد أوّل غزوٍ في سلسلةٍ من الصراعات التي ستجعل أوروبا تبدو أقرب إلى الشرق الأوسط في السنوات المقبلة؟ طرح عليّ أكاديمي صيني طلب عدم الكشف عن هويته هذا السؤال في الأسبوع الفائت، وأظهر تفكيره كيف ينظر غير الغربيين بشكلٍ مُختلف إلى الحرب التي تُعيدُ تشكيل النظام الجيوسياسي الأوروبي.

في حديثي مع الأكاديميين الصينيين لفَهمِ كيف ينظرون إلى العالم، وجدتُ أنهم يبدؤون من موقعٍ مُختلف جوهريًا عن الكثيرين في الغرب. لا يقتصر الأمر على احتمال إلقاء اللوم في حرب أوكرانيا على توسّع الناتو أكثر من وضع اللوم على الكرملين؛ الواقع هو أن العديد من افتراضاتهم الاستراتيجية الأساسية هو أيضًا عكس افتراضاتنا.

في حين أن الأوروبيين والأميركيين ينظرون إلى الصراع على أنه نقطةُ تحوّلٍ في تاريخ العالم، فإن الصينيين يرونه مُجرّد حربِ تدخّلٍ أخرى، وهي حربٌ أقل أهمية من تلك التي شُنَّت في كوريا وفيتنام والعراق وأفغانستان على مدار الـ75 عامًا الماضية. بالنسبة إليهم، الاختلاف المادي الوحيد هذه المرة هو أنه ليس الغرب هو الذي يتدخّل.

علاوة على ذلك، بينما يعتقد الكثير في أوروبا أن الحربَ كانت بمثابة علامة على عودة أميركا إلى المسرح العالمي، فإن المُثقّفين الصينيين يرونها تأكيدًا إضافيًا لعالم ما بعد أميركا المقبل. بالنسبة إليهم، لقد خلقت نهاية الهيمنة الأميركية فراغًا تملأه روسيا الآن.

في حين يرى الغربيون هجومًا على النظام العالمي الراهن القائم على قواعد، يرى أصدقائي الصينيون ظهورَ عالمٍ أكثر تعدّدية، عالمٌ تسمح فيه نهاية الهيمنة الأميركية بمشاريع إقليمية وشبه إقليمية مختلفة. وهم يجادلون بأن النظام العالمي القائم على قواعد كان يفتقر دائمًا إلى الشرعية؛ لقد أوجدت القوى الغربية القواعد، ولم تُظهِر أبدًا الكثير من الانزعاج حيال تغييرها عندما يتناسب ذلك مع أهدافها (كما في كوسوفو والعراق).

الواقع أن هذه الحجج تقود إلى تشابه بما يحصل في الشرق الأوسط. لا يرى زميلي الصيني بأن الوضع في أوكرانيا حربًا عدوانية بين دولٍ ذات سيادة، وإنما مراجعة لحدود ما بعد الاستعمار بعد انتهاء الهيمنة الغربية. وبالمثل، في الشرق الأوسط، تتساءل الدول عن الحدود التي رسمها الغرب بعد الحرب العالمية الأولى.

لكن أكثر ما يلفت الانتباه هو أن الصراع في أوكرانيا يُنظَرُ إليه على نطاقٍ واسع على أنه حربٌ بالوكالة. مثلما تم تأجيج الحروب في سوريا واليمن ولبنان واستغلالها من قبل القوى العظمى، كذلك الحرب في أوكرانيا. مَن هم المستفيدون الرئيسيون؟ يقول صديقي الصيني إنه بالتأكيد ليس روسيا أو أوكرانيا أو أوروبا. بدلًا من ذلك، ستستفيد الولايات المتحدة والصين في النهاية أكثر من غيرهما، وكلاهما كان يتعامل مع الصراع باعتباره حربًا بالوكالة في تنافسهما الأكبر.

استفاد الأميركيون من حصر الأوروبيين واليابانيين والكوريين في مواءمة جديدة للأولويات التي تُمليها الولايات المتحدة، وعزل روسيا وإجبار الصين على توضيح موقفها من قضايا مثل وحدة الأراضي. في الوقت نفسه، استفادت الصين من خلال ترسيخ موقف التبعية لروسيا، وحثّ المزيد من الدول في الجنوب العالمي على تبنّي عدم الانحياز.

بينما يُصوِّر القادة الأوروبيون أنفسهم على أنهم “تشرشل” القرن الحادي والعشرين، يرى الصينيون أنهم مُجرّد بيادق في لعبة جيوسياسية أكبر. الإجماع بين جميع الخبراء والأكاديميين الصينيين الذين تحدثت معهم هو أن الحرب في أوكرانيا هي تحويلٌ غير مهم إلى حدٍّ ما عند مُقارنتها بالاضطرابات قصيرة المدى لـ”كوفيد-19″ أو الصراع طويل المدى من أجل التفوّق بين الولايات المتحدة والصين.

من الواضح أنه يمكن للمرء أن يجادل في نقاط زميلي الصيني. من المؤكد أن لدى الأوروبيين وكالة أكثر مما يشير إليه، ويمكن أن يمنع رد الغرب القوي على العدوان الروسي الحرب من أن تكون الأولى في سلسلةٍ أطول من النزاعات الحدودية، كما حدث خلال حروب خلافة يوغوسلافيا التي استمرت عقدًا من الزمن في التسعينات الفائتة.

ومع ذلك، فإن حقيقة أن المراقبين والخبراء الصينيين يؤطّرون الأشياء بشكلٍ مختلف تمامًا عمّا نفعله يجب أن يمنحنا وقفة تأمّل. على الأقل، يجب علينا نحن في الغرب أن نفكر مليًا في الكيفية التي تَنظرُ بها إلينا بقية العالم. نعم، من المُغري رفض الحجج الصينية باعتبارها مجرد نقاطٍ للحديث، مُصَمَّمة للأكاديميين من نظامٍ مُعادٍ وغير ديموقراطي، والمناقشات العامة حول أوكرانيا تخضع لسيطرة شديدة في الصين. لكن ربما يكون هناك بعض التواضع في محله.

حقيقة أن المراقبين الصينيين لديهم وجهة نظر مختلفة جذريًا قد تساعد على تفسير سبب عدم حصول الغرب على دعمٍ شبه عالمي لعقوباته ضد روسيا. في وقت تتصاعد سياسات “استعادة السيطرة”، لا ينبغي أن نندهش كثيرًا لرؤية الحكومات الأخرى تستبعد أهمية أوكرانيا. عندما نرى دفاعًا بطوليًا عن النفس عن النظام الدولي الراهن القائم على قواعد، يرى الآخرون اللحظات الأخيرة للهيمنة الغربية في عالمٍ أصبح سريعًا متعدد الأقطاب.

  • مارك ليونارد هو مدير المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية ومؤلف كتاب “عصر عدم السلام: كيف يؤدي الاتصال إلى الصراع” (مطبعة بانتام، 2021).
  • كُتِبَ هذا المقال بالانكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى