الهَدَفُ الأساس لرحلةِ بايدن إلى الشرق الأوسط

كابي طبراني*

استمر “صيف الديبلوماسية” للرئيس الأميركي جو بايدن في الأسبوع الفائت، ولكن هذه المرة بالتوجّه إلى الشرق الأوسط، حيث زار دولتين حليفتين إقليميتين للولايات المتحدة منذ أمد طويل، إسرائيل والمملكة العربية السعودية. ولكن على عكس المحطات الأخيرة في جبال الألب الألمانية لحضور الاجتماع السنوي لمجموعة الدول السبع أو في مدريد لحضور قمة قادة “الناتو”، أثارت اجتماعات بايدن في الرياض، على وجه الخصوص، قدرًا كبيرًا من الانتقادات وحتى الازدراء.

قبل الرحلة، حذّرَ النقاد من أن زيارة السعودية تتعارض بشكلٍ مُباشر مع وعدِ حملة بايدن بعدم منح المملكة “شيكًا على بياض” عندما يتعلق الأمر بسجلّها في مجال حقوق الإنسان. القلق في واشنطن بشأن العلاقات الأميركية مع السعودية ليس بالأمر الجديد. لكنه تحوّل أخيرًا إلى غضبٍ أخلاقي بسبب تورّط الحكومة السعودية في مقتل الصحافي السعودي المعارض جمال خاشقجي في العام 2018، فضلًا عن الأزمة الإنسانية في اليمن التي ولّدتها حرب التحالف بقيادة السعودية هناك.

قال السناتور الأميركي بيرني ساندرز: “أنا لا أعتقد أننا يجب أن نحافظ على علاقة دافئة مع ديكتاتورية كهذه”. ويُدرِكُ آخرون أهمية تعزيز المصالح الأميركية في المنطقة، لكنهم يصفون الرحلة بأنها “النوع الخاطئ من السياسة الواقعية”. في أحسن الأحوال، قال البعض إنها ” خطوة خاطئة” حتى لو بدا منطق القيام بها “صحيحًا”. في الواقع، ذهب بايدن إلى حدّ الدفاع عن الزيارة في مقال نشره في صحيفة الواشنطن بوست قبل سفره، حيث قال “إنها ستعمل على تعزيز المصالح الأميركية المهمة”، بما في ذلك استقرار تدفق النفط من المنطقة ومنع التطرّف ذي الدوافع الدينية.

على الرغم من أن الأمر مفهوم، فإن مؤيدي رحلة بايدن إلى السعودية يقولون بأن انتقاد خطوته هذه على وجه التحديد، وسياسته تجاه المنطقة بشكل عام، هو في غير محله. ويُشبّهون ذلك بالنقد المماثل الذي وُجِّهَ إلى إدارة ترامب في العام 2020، عندما كانت تعمل على توقيع اتفاقات أبراهام، التي طبّعت العلاقات الديبلوماسية الإسرائيلية مع الإمارات العربية المتحدة والبحرين والسودان والمغرب.

السبب في أن هذه الانتقادات في غير محلّها هو أن رحلة بايدن، مثل ديبلوماسية عهد ترامب، لم تكن تتعلّق بالبلدين اللذين زارهما، بل كانت تتعلق بالقوة الإقليمية التي لم يزرها: إيران. ويتّضح الغرض من الرحلة –لحشد الدعم ضد إيران– عندما يُنظر إلى الوضع ككل، بدلًا من التركيز فقط على أيٍّ من المحطّتين اللتين زارهما بايدن.

أوّلًا، على الرغم من أن اتفاقات أبراهام كانت من الإنجازات البارزة في السياسة الخارجية لإدارة ترامب، إلّا أن بايدن لم يبتعد منها. على العكس من ذلك، فقد احتضنها. يُمكن للمرء أن يَنظُرَ إلى هذه الرحلة على أنها محاولة لمواصلة إرساء الأساس الديبلوماسي اللازم للمملكة العربية السعودية نفسها للتوقيع في نهاية المطاف على اتفاقيةٍ مُماثلة مع إسرائيل، والتي شبّهها بعض المراقبين بالكأس المُقدّسة لتكامل إسرائيل السياسي والاقتصادي في المنطقة الأوسع. قد يتساءل البعض عما إذا كان هذا مُمكنًا. لكن الاتفاقات تدور حول ترسيخِ تحالفٍ لموازنة ومواجهة إيران بقدرِ ما تتعلق بتحويل العلاقة بين الدول المُوَقِّعة.

وكما كتب الأكاديميان الأميركيان “توفا نورلين” و”تامر سينا” في ورقةٍ بحثية تُحلّلُ اتفاقات أبراهام بعد توقيعها: “من الناحية الجيوسياسية، تُعزّزُ الصفقة التحالف غير الرسمي المُناهِض لإيران في المنطقة، ما يزيد الضغط على طهران ويُعزّز علاقات الولايات المتحدة مع حلفائها الرئيسيين في الشرق الأوسط”. وتُعزّزُ رحلة بايدن تلك الجهود. منذ أن قامت مصر وإسرائيل بتطبيع العلاقات من خلال توقيع اتفاقية كامب ديفيد في العام 1978، كان الجُزء المهم المفقود لتحقيق الاستقرار في وضع إسرائيل في المنطقة هو تطبيع علاقاتها مع المملكة العربية السعودية. مع اقتراب طهران أكثر من أيِّ وقتٍ مضى من إنتاج “السلاح النووي”، أصبحت الحاجة المُتَصَوَّرة لهاتين الدولتين للتعاون والتوازن ضد إيران أكبر من أي وقت مضى.

ثانيًا، وما يتّصل بذلك، يتجلّى الجهد المبذول لتحقيق التوازن مع إيران في الاتفاقيتين المُوَقَّعتين خلال الرحلة. عَبَّرَ إعلان القدس، الذي وقّعه بايدن ورئيس الوزراء الإسرائيلي المؤقت يائير لابيد في 14 تموز (يوليو)، عن “التزام الولايات المتحدة الدائم بأمن إسرائيل”. في حين أنه من المُمكن قراءة هذا على أنه التزامٌ عام بالدفاع عن إسرائيل، فإن التهديد الأمني ​​الأساسي الذي تواجهه إسرائيل الآن بوضوح هو إيران. علاوةً على ذلك، وضع الإعلان صراحةً إيران في قلب هذا الضمان الأمني​​، مؤكدًا أن “جُزءًا لا يتجزّأ من هذا التعهّد هو الالتزام بعدم السماح لإيران أبدًا بامتلاك سلاحٍ نووي، وأن [الولايات المتحدة] مستعدة لاستخدامِ جميع عناصر السلطة الوطنية لضمان تلك النتيجة”. كما لو كان للتأكيد على هذه النقطة، في المؤتمر الصحافي اللاحق، أمضى بايدن ولابيد وقتًا طويلًا في مناقشة الموضوع الإيراني، حتى لو عبّرا عن خلافاتٍ حول كيفية التعامل مع الخطر الذي تُمثّله طهران، حيث فضّلَ بايدن الديبلوماسية واعتقد لابيد أن استخدام القوة فقط هو الذي سينجح. .

استمرّت مناقشة هذه المواضيع في الرياض، حيث وقّع بايدن وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، بيان جدة. وشدّدت هذه الوثيقة، مثل إعلان القدس، على أهمية “منع إيران من امتلاك سلاح نووي”.

ثالثًا، وعلى وجه الخصوص، تُناسِبُ هذه الرحلة نمطًا لإدارة بايدن باستخدام القمم الكبيرة لبناء تحالفاتٍ تهدفُ إلى تحقيق التوازن مع وبين متافسين استراتيجيين. كان هذا هو الحال مع قمة بايدن للديموقراطية في كانون الأول (ديسمبر)، والتي كانت ظاهريًا حول الديموقراطية وتعاملت مع مجموعة من التحديات التي تواجه الدول الديموقراطية في جميع أنحاء العالم. لكن “أوراق الاعتماد الديموقراطية” المشكوك فيها للعديد من المشاركين أوضحت أن الهدف كان أقل حول مَن كان حاضرًا هناك، بل كان أكثر حول من لم يكن حاضرًا: الصين وروسيا.

وبالمثل، خذ بعين الاعتبار الملاحظات التي أدلى بها بايدن في المحطة الأخيرة من جولته الشرق أوسطية، قمة دول مجلس التعاون الخليجي + 3 في مدينة جدة، والتي حضرها قادة دول مجلس التعاون الخليجي –البحرين والكويت وعُمان وقطر والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية– بالإضافة إلى مصر والعراق والأردن. بتأكيده على أن الولايات المتحدة “لن تَنسحِبَ وتترك فراغًا تملأه الصين أو روسيا أو إيران”، من الواضح أن بايدن كان ينوي تعزيز التحالف الإقليمي ضد إيران، فضلًا عن تبديد المخاوف من تخلي الولايات المتحدة عن “الشرق الأوسط الأوسع” في أعقاب انسحابها الكارثي من أفغانستان في آب (أغسطس) الماضي.

يمكن للمرء أن يتساءل عن الحكمة من العداء الذي تشعر به الولايات المتحدة تجاه إيران، أو على الأقل تجاه برنامجها النووي؟ لكن رحلة بايدن تتماشى مع سياسة واشنطن المستمرة منذ فترة طويلة لدعم الدول الشريكة، ولا سيما إسرائيل والمملكة العربية السعودية، والتي يمكن أن تساعد على مواجهة التهديدات الإقليمية المُتَصَوَّرة، سواء كان ذلك في عراق صدام حسين أو إيران منذ الثورة الإسلامية في العام 1979. يبدو أن التركيز على ما إذا كانت دولةٌ مُعَيَّنة تشارك القيم العليا التي عبّر عنها المسؤولون الأميركيون أو التي يحتفظ بها الجمهور الأميركي يُخطئ الهدف. ما يهم هو، حسب الدولة العميقة في أميركا، ما إذا كانت هذه الدولة تشترك في المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة.

  • كابي طبراني هو ناشر ورئيس تحرير مجلة وموقع “أسواق العرب” الصادرَين من لندن. ألّف خمسة كتب بالعربية والإنكليزية من بينها “الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني: من وعد بلفور إلى إعلان بوش” (2008)؛ “كيف تُخطّط إيران لمواجهة أميركا والهَيمَنة على الشرق الأوسط” (2008)؛ و”معاقل الجهاد الجديدة: لماذا فشل الغرب في احتواء الأصولية الإسلامية”، (2011). يُمكن متابعته عبر موقعه: gabrielgtabarani.com أو عبر تويتر على:  @GabyTabarani

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى