النفط لن يكونَ المُقرِّرَ لمُستَقبلِ العراق

الدكتور بول سوليفان*

العراق في حالةٍ هشّة. يُمكن أن يؤدي تزايد أزمات المياه والتصحّر وتغيّر المناخ إلى زيادةِ عدم الاستقرار بل وحتى العنف في المستقبل.

يأتي حوالي 98 في المئة من المياه السطحية للعراق من نهرَي دجلة والفرات وروافدهما. شهد كلا النهرين تدفّقات طبيعية مُتناقصة من المياه إلى العراق وسوريا منذ عقود. لكن التدفقات تباطأت بشكل كبير في السنوات الأخيرة بسبب تطوير مشاريع السدود في تركيا.

جُزءٌ كبير من منطقة العراق الواقعة على الحدود مع تركيا كردي، والعلاقات التركية-الكردية كانت على الدوام محفوفة بالصعوبات لفترة طويلة بشكل استثنائي. الماء جُزءٌ من تلك التوترات. تُخطّط المناطق الكردية لسدِّ المزيد من المياه، الأمر الذي سيؤدي إلى توترات مع الجنوب.

على الأكثر، يأتي 6 في المئة من المياه المُتدفِّقة إلى العراق من الأنهار في إيران إلى نهر دجلة. كما تراجعت التدفقات من الأنهار في إيران بسبب بناء السدود وانخفاض هطول الأمطار هناك.

وبطبيعة الحال، فإن ضعف العراق يُمكّن إيران في سعيها للهيمنة والنفوذ الخبيث في المنطقة، لا سيما في جنوب العراق، حيث تتمتع أصلًا بالنفوذ. بسبب النقص في الطاقة والغذاء، الذي يرجع جُزئيًا إلى الإجهاد المائي، اضطر العراق إلى استيرادهما بشكل متزايد من إيران.

كما أدى الإجهاد المائي في العراق إلى زيادة البطالة في الريف. لقد اعتاد ربع سكان العراق على العمل في الزراعة. ومع انخفاض العمالة الزراعية، زادت الهجرة إلى المدن.

أدت الهجرة من الريف إلى الحضر إلى زيادة الموارد والضغوط الاجتماعية على العديد من المدن العراقية. نظرًا إلى أن العمالة في الزراعة والصناعات ذات الصلة آخذة في الانخفاض، فإن إغراء الكثيرين بالذهاب إلى الصناعات غير المشروعة والمؤسسات الإجرامية آخذٌ في الازدياد. ومع وجود مستويات هائلة من بطالة الشباب، فإن المشكلة تزداد سوءًا.

علاوة على ذلك، فإن الصراعات العرقية والطائفية، مُعَرَّضة لخطرِ الازدياد مع ندرة المياه وانتشار التصحّر. مع تفاقم الإجهاد المائي، يمكن أن تكون هناك زيادات كبيرة في الهجرة الخارجية من العراق.

أدت ندرة المياه المتزايدة إلى تدمير بعض المجتمعات. ومن الأمثلة العديدة، أهوار الجنوب التي جفت إلى حدٍّ كبير. تنتقل المياه المالحة إلى أعلى نهر شط العرب وإلى منسوب المياه الجوفية التي تُعتَمَدُ في الزراعة ومياه الشرب. ونتيجة لذلك، بدأت هجرة  السكان.

لم تعد أنظمة الأنهار التي كانت سابقًا قوية. ويؤثر هذا التغيير الهائل في معيشة وثقافة وأمن البلد بأكمله. تؤدي آثار أزمات المياه والتصحّر وتغيّر المناخ إلى تمزيق المجتمعات.

من الواضح أن تغيّر المناخ يعمل. لقد أدّت العواصف الترابية المتزايدة وانخفاض معدل هطول الأمطار وانخفاض إمكانية التنبؤ به وزيادة درجات الحرارة إلى جعل الحياة صعبة للغاية بالنسبة إلى الكثيرين حيث زاد تبخر المياه في الخزانات والأنهار والمزارع.

ينبع بعض المشاكل من قضايا دولية، مثل المياه المشتركة الآتية إلى العراق والتي تبدو الدول الأخرى بشكل متزايد أقل استعدادًا للمشاركة. لا شك أن الحكومة في بغداد تُدرك أن هذا جُزءٌ رئيس من مشاكل المياه في البلاد، وأن الغضب الشعبي تجاه جيران البلاد آخذٌ في الازدياد.

كيف يطلب العراق من إيران وسوريا اللتين تُعانيان من ندرة المياه المزيد من المياه؟ كيف يطلب من تركيا المزيد من المياه في الوقت الذي استغلّت تركيا التهدئة وأقامت في الجنوب-الشرقي المضطرب مشاريع الري والسدود الضخمة التي تقلل من تدفق المياه إلى العراق؟

لا توجد اتفاقات قوية وطويلة الأجل بشأن تقاسم المياه مع أيٍّ من جيران العراق، على الرغم من وجود العديد من المحاولات في هذا الشأن منذ عشرينات القرن الفائت.

ترى تركيا في نهري دجلة والفرات مياهًا عابرة للحدود مصدرها حوض المياه الذي يقع في أراضيها. تنظر سوريا والعراق إلى نهري دجلة والفرات كأنظمة مياه مشتركة. وترى إيران أن المياه في روافدها التي تتدفق إلى العراق على أنها مياه خاصة بها.

ومع ذلك، يُعَدُّ الفساد من بين أكثر المشاكل ضررًا. غالبًا ما تكون البيروقراطية في العراق طائفية وحتى قبلية بطبيعتها، مما يجعل تحقيق تغييرات إيجابية في قضايا الموارد أكثر صعوبة.

يمكن أن تكون الإدارة الموحَّدة للمياه حلًا. ومع ذلك، يجب أن يأخذ هذا النظام المندمج والموحَّد في الاعتبار القضايا الوطنية والمحلية والقبلية.

تستخدم صناعة النفط كميات هائلة من المياه، لكن العراق هو أحد أكثر البلدان اعتمادًا على النفط على هذا الكوكب من أجل عائدات التصدير والموازنة الحكومية والناتج المحلي الإجمالي.

الحل الآخر المحتمل هو النظر إلى كفاءة المياه. قد يشمل ذلك الابتعاد عن المحاصيل كثيفة الاستهلاك للمياه مثل القمح والأرز. ولكن هناك أيضًا إهدارًا مائيًا ضخمًا من طريقة ري هذه المحاصيل. 85 في المئة من استخدامات المياه في العراق هي في زراعة محاصيل تفتقر إلى كفاءة المياه باستخدام أنظمة ري تفتقر إلى كفاءة المياه.

هناك أيضًا هدرٌ من البنية التحتية للمياه البلدية سيئة الصيانة، لكن هذه الكميات ليست قريبة من الهدر في الزراعة.

تمتد المشكلة إلى نوعية المياه القليلة المتوفرة. يحدث الإسهال والكوليرا والأمراض المنقولة بالمياه في كثير من الأحيان. وتعتبر جودة المياه وكميتها من القضايا المتعلقة بالنظافة والصحة في أجزاء كثيرة من البلاد. وأكثر المتضررين هم النساء والفتيات والأطفال والكبار في السن. يجب أن تمشي هذه المجموعات في كثير من الأحيان مسافات طويلة في بعض الأماكن للحصول على المياه.

يعد التعليم والتدريب الأفضل بشأن قضايا المياه أمرًا حيويًا على جميع مستويات المجتمع العراقي. والمطلوب إدارة أفضل للمياه. وفي الوقت نفسه، تُعَدُّ طُرق استخدام المياه الأكثر كفاءة وإنتاجية ضرورية، إلى جانب طرق أكثر إنتاجية لحل النزاعات حول المياه. البلد أصلًا في حالة يرثى لها عندما يتعلق الأمر بإمدادات المياه. إذا لم يتغير شيء بسرعة في هذا المجال، فسيواجه مستقبلًا مائيًا أكثر قتامة وأكثر صعوبة.

  • الدكتور بول سوليفان هو زميل أول غير مقيم في المجلس الأطلسي وكبير الباحثين في مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية.
  • كُتِبَ هذا المقال بالانكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى