الوَجهُ الآخر لزيارة بوتين لإيران

كابي طبراني*

بعد ثلاثة أيام من عودة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى واشنطن من زيارةٍ مُثيرة للجدل إلى المملكة العربية السعودية، وصل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى طهران حاملًا مجموعةً مُعقَّدة من الأهداف. مثل بايدن، الذي كان يهدف إلى تقوية وتطوير علاقات واشنطن في المنطقة، سعى بوتين إلى تعزيز علاقات روسيا في الشرق الأوسط.

أظهر الاجتماع في إيران العلاقة المُحرِجة بين هذين النظامين الدِكتاتوريين ودولتيهما الغنيتين بالنفط، وكلاهما تعرّض لعقوباتٍ اقتصادية غربية. من خلال التقارب بينهما، كان بوتين والمرشد الأعلى لإيران، آية الله علي خامنئي، يهدفان إلى الإظهار بأنهما ليسا مَنبوذَين ومَعزولَين، كما يريدان القول بأن لديهما بعضهما البعض.

شمل اجتماع الثلاثاء أيضًا عضوًا ثالثًا: الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي لطالما كان سلوكه التخريبي داخل حلف شمال الأطلسي (الناتو) مُثيرًا للجدل. اجتمع الثلاثة ظاهريًا لمناقشة ما يسمى عملية أستانا للسلام، والتي تهدف إلى إنهاء الحرب المستمرة منذ عقد في سوريا، حيث إيران وروسيا وتركيا هي القوى المُهَيمِنة.

كان الرئيس التركي، الذي يتمتّع بميول استبدادية، يعلم أن صُوَرَ عضوٍ في حلف شمال الأطلسي يتواصل مع روسيا وإيران سيتم استقبالها بشكلٍ سيئ دوليًا. ربما لهذا السبب أنتج واحدة من العديد من الصُوَرِ المُذهلة في ذلك اليوم، والتي ترك فيها بوتين ينتظر وحده لمدة 50 ثانية طويلة أمام الصحافة، وهي إهانة لها صدى ورنين ضد زعيمٍ روسي مُتعَجرف معروف بجعل الآخرين ينتظرون.

من جانبه، جاء بوتين لتحقيق أهداف عدة. أولًا، كان يهدف إلى الإثبات أن روسيا لا يزال لديها أصدقاء، على الرغم من أن غزوه لأوكرانيا أثار موجة عالمية من النبذ والرفض. ثانيًا، كان يأمل في تعزيز العلاقات مع إيران الغنية بالنفط لمكافحة العقوبات الدولية التي تم تنفيذها بعد ذلك الغزو. ثالثًا، أراد زيادة المبيعات العسكرية بين روسيا وإيران.

على الرغم من العلاقات الودية الظاهرية بينهما، دخلت إيران وروسيا في الأشهر الأخيرة في منافسةٍ ضارّة للطرفين لبيع النفط بأسعارٍ مُخَفَّضة للمُشترين القلائل الذين ما زالوا على استعداد للشراء منهما. تمكّنت روسيا حتى الآن من بيع النفط لدولٍ مثل الصين والهند بتخفيضاتٍ كبيرة، لكن المعركة من أجل العملاء شرسة ولديها القدرة على تفكيك العلاقة بين إيران وروسيا، حتى لو بقيت الخصومة طيّ الكتمان. إذا تمكّنت الدولتان من إيجادِ طريقةٍ لمُزامَنة مبيعاتهما –وهي ليست مهمة سهلة– فيُمكن أن يخفّف ذلك من آلام تسويق خفض الأسعار ويحمي علاقاتهما الثنائية.

من جهته، جاء أردوغان أيضًا بأجندة خاصة به، لكن هناك القليل من الأدلّة على أنه حقّق أيًا من أهدافه. لقد كان الشخص الأكثر اهتمامًا بالمسألة السورية، وكان يأمل على الأرجح أن يؤدي غزو بوتين لأوكرانيا إلى جعل روسيا، وربما إيران، أكثر استعدادًا لعمليةٍ تركية ضد “وحدات حماية الشعب”، وهي جماعة كردية سورية تعتبرها أنقرة ذراع منافسه السياسي المتشدّد، “حزب العمال الكردستاني”. ولكن يبدو أنه لم يستطع تحقيق هدفه. لقد تم رفض الخطة على الفور من قبل خامنئي، الذي لم يكتفِ فقط باستقبال الرئيس التركي استقبالًا باردًا –صورة أخرى من الصور الصارخة لذلك اليوم– بل أصدرَ تحذيرًا ضد مثل هذه العملية على تويتر، ليراه العالم بأسره. ومع ذلك، يصرّ أردوغان على أن العملية ستمضي قدمًا.

وبحسب غالبية التقارير كان أردوغان يتنافس على دور الوسيط في الحرب في أوكرانيا. في وقتٍ مبكر من الصراع، استضافت أنقرة اجتماعين بين وفدين روسي وأوكراني، وقامت لاحقًا بتنسيق عملية تبادل أسرى بين الولايات المتحدة وروسيا. لكن لا يوجد دليلٌ على أن أردوغان أحرز أي تقدم نحو هذا الهدف أثناء وجوده في طهران.

أما بالنسبة إلى بوتين، فيبدو أنه حقّق على الأقل بعضًا مما أراده، لكن من الواضح أنه لم يحقق كل شيء. إنتشرت صوره وهو يتململ بشكلٍ مُزعج بينما كان ينتظر أردوغان على نطاق واسع في جميع أنحاء العالم، مُسَلّطةً الضوء على دولته التي ضعفت وعلى زعيمٍ لبلدٍ تضرّرت هيبته بشدة بسبب غزوه لأوكرانيا وأدائه العسكري السيئ، الذي تميّزَ بالوحشية.

ومع ذلك، فقد حصل على دعمٍ صادق لحربه من خامنئي. ووفقًا لبيان صادر عن مكتبه، قال المرشد الأعلى لبوتين، “الحرب مسعى عنيف وصعب، والجمهورية الإسلامية ليست سعيدة على الإطلاق لأن الناس محاصرون في الحرب”، قبل أن يضيف، “لكن في حالة أوكرانيا، لو لم تُقدِم على المساعدة، لكان الطرف الآخر بدأ الحرب”.

بدأت إجتماعات بوتين مع إيران قبل جولة بايدن في الشرق الأوسط. في الواقع، كان هذا هو اللقاء الثالث للزعيم الروسي مع الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي هذا العام. بعد لقائه هذه المرة، أعلن بوتين أن العلاقات الثنائية “تتطوّر بوتيرةٍ جيدة”، مع وجود خططٍ لزيادة التعاون على جبهاتٍ متعددة. هذا التفاؤل ردّده رئيسي، على الأقل وفقًا لوسائل الإعلام التي يسيطر عليها الكرملين.

على صعيد النفط أيضًا، يبدو أن روسيا وإيران قد وجدتا أرضية مشتركة. وقالت وكالة أنباء وزارة النفط الإيرانية إن شركة النفط الوطنية الإيرانية وغازبروم الروسية وقّعتا يوم القمة مذكرة تفاهم بقيمة 40 مليار دولار لتطوير حقول الغاز في إيران بشكل مشترك.

الآن، نعود إلى الهدف الثالث لبوتين. قبل الاجتماع بين إيران وروسيا وتركيا، عرض البيت الأبيض وجهة نظره بشأن جُزءٍ يُحتَمل أن يكون صار محسومًا، ولكن بعيدًا من الكاميرا: الكرملين، كما قال، يحاول شراء مئات الطائرات الإيرانية المُسَيَّرة لاستخدامها في الحرب ضد أوكرانيا، التي استنفدت الكثير من ترسانته من الأسلحة المُوَجَّهة بدقة.

تتمتّع إيران بخبرة واسعة في مجال تكنولوجيا الطائرات المُوَجَّهة عن بُعد. وقدّمت طائراتٍ مُسَيَّرة للميليشيات المُتحالفة معها، بما فيها “حزب الله” في لبنان، الذي أطلقها باتجاه إسرائيل؛ والجماعات الشيعية في العراق التي استخدمتها ضد القوات الأميركية؛ وجماعة الحوثي في اليمن التي أطلقت بواسطتها هجمات ضد الإمارات العربية المتحدة ومنشآت نفطية في السعودية.

في الأسبوع الفائت، قدم مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض جايك سوليفان إيجازًا وصف فيه معلومات استخبارية مُفصَّلة بشكل مفاجئ حول هذه القضية. وقال إن وفودًا روسية سافرت إلى إيران مرتين، في 8 حزيران (يونيو) و 5 تموز (يوليو)، تم خلالها اصطحاب أفرادها في زيارة نادرة إلى مطار كاشان لتفقد الأسلحة. وفقًا للمخابرات الأميركية، سيتم إرسال ما يصل إلى 300 طائرة إيرانية مسَيَّرة إلى روسيا خلال فترة قصيرة، حيث بدأت القوات الروسية تَلَقّي التدريب على تشغيل التكنولوجيا الإيرانية خلال هذا الشهر. قد تكون قمة هذا الأسبوع قد ساعدت على ترسيخ الصفقة المذكورة.

كانت رحلة بوتين، التي تختلف عن رحلة بايدن، تهدف إلى الرمزية. في هذا الصدد –مرة أخرى، على عكس بايدن– كانت لها نتائج مختلطة. لكن الرحلة كانت أكثر من ذلك أيضًا. في زمن الحرب، خلف الابتسامات، وصل الرئيس الروسي تحت الضغط. تتحرّك الديبلوماسية ببطء، لكن قصف مستودعات الأسلحة يحدث بسرعة، والحاجة إلى تجديد الموارد لا يمكن أن تنتظر المجاملات. الحقيقة البسيطة هي أن بوتين يحتاج إلى إيران. وهذه فكرة واقعية لزعيمٍ اعتاد أن يتبختر على المسرح العالمي، بدلًا من أن يُترَك ينتظر أردوغان، وربما عن قصد، أمام كاميرات الصحافة.

  • كابي طبراني هو ناشر ورئيس تحرير مجلة وموقع “أسواق العرب” الصادرَين من لندن. ألّف خمسة كتب بالعربية والإنكليزية من بينها “الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني: من وعد بلفور إلى إعلان بوش” (2008)؛ “كيف تُخطّط إيران لمواجهة أميركا والهَيمَنة على الشرق الأوسط” (2008)؛ و”معاقل الجهاد الجديدة: لماذا فشل الغرب في احتواء الأصولية الإسلامية”، (2011). يُمكن متابعته عبر موقعه: gabrielgtabarani.com أو عبر تويتر على:  @GabyTabarani

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى