“دومينو” أزماتٍ عالمية جديدة تبدأ من سريلانكا؟

كابي طبراني*

يوم الإثنين الفائت، أعلن مكتب رئيس وزراء سريلانكا، رانيل ويكريمسينغه، أن رئيس الجمهورية، جوتابايا راجاباكسا، من المتوقع أن يتنحّى الأربعاء المقبل.

قد تؤدّي استقالة راجاباكسا الوشيكة، بعد الاحتجاجات التي شهدتها سريلانكا، ردًّا على أكبر أزمة اقتصادية عرفتها البلاد منذ أكثر من سبعة عقود، إلى إعادة الهدوء وبعض الراحة إلى ربوعها. وسيعتمد الأمر على ما يحدث بعد ذلك بالنسبة إلى نهاية أو بداية رحلة التعافي الاقتصادي.

سيكون من الحكمة أن تنتبه بقية دول العالم لأزمة سريلانكا. إن محنة كولومبو –الغارقة في مستوياتٍ لا يمكن تحمّلها من الديون الخارجية (51 مليار دولار) وسط سوقٍ عالمية صعبة – ليست فريدة من نوعها في العالم النامي بعد جائحة كوفيد-19.

لكن حالة سريلانكا مُقلقة بشكلٍ خاص. لا تملك الدولة عملات أجنبية كافية لاستيراد الوقود. كما إن ارتفاع معدلات التضخم (54%) ونقص السلع الأساسية يعني أن قلّةً قليلة من مواطنيها البالغ عددهم 22 مليون نسمة يمكنهم شراء المواد الغذائية والأدوية وغاز الطهي. أولئك الذين يستطيعون، يجدون أنفسهم مُحَاصَرين بطوابير طويلة. وصار انقطاع التيار الكهربائي أمرًا شائعًا، ونظام الرعاية الصحّية على وشك الانهيار.

الأزمةُ هي حصيلةُ عددٍ من العوامل، ليس أقلها عقدَين من الاقتراض غير المُستدام من جانب الدولة لتمويل المشاريع الكبيرة التي تركت الحكومة في ضائقة مالية صعبة خلال الوباء، عندما كانت في أمس الحاجة إلى السيولة. وقد تضرّرت صناعة السياحة، التي تُمثّل 12 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، بشدّة من جراء فيروس كوفيد -19. وتشمل الأسباب الأخرى السياسات الشعبوية التي نفّذتها حكومة راجاباكسا على مدار العامين الماضيين، بما فيها خفض الضرائب وفرض حظر على استيراد الأسمدة الكيماوية، ما تسبّب في الإضرار بقطاع الزراعة.

ويأتي ذلك في الوقت الذي لم تُسعِف الدول الصديقة، كالصين وروسيا، حكومة البلاد بما يسدّ حاجة شعبها من الاحتياجات الأساسية.

وقد وافق فريق راجاباكسا الاقتصادي على إجراءاتٍ عدّة  للتخفيف من حدّة الأزمة، بما في ذلك ضريبة جديدة للشركات وإعلان الجمعة يوم عطلة لموظّفي القطاع العام غير الأساسيين. كما تواصلت الحكومة مع جيرانها في جنوب آسيا. بالإضافة إلى تلقّيها مساعدات أجنبية بقيمة 4 مليارات دولار من الهند، فقد طلبت من نيودلهي خط ائتمان بقيمة 500 مليون دولار لاستيراد الوقود والأسمدة والأرز. كما تجري كولومبو محادثات مع صندوق النقد الدولي بشأن خطة إنقاذ.

مع ذلك، كانت هذه علاجات قصيرة المدى، حيث أصبح من الواضح بشكلٍ مؤلم أن الجمهور يعتبر حكومة راجاباكسا جُزءًا من المشكلة وليس الحلّ. ستكون استقالة الرئيس في نهاية المطاف، وتشكيل حكومة وحدة وطنية، خطوة أولى أساسية نحو تهدئة المُحتَجّين الغاضبين واستعادة حكم القانون. وستكون الانتخابات المُبكرة أيضًا أساسية حتى يتم تشكيل حكومة ذات تفويض قوي في أسرع وقت ممكن.

إن حلَّ سريلانكا لمشكلة ديونها سيكون ويجب أن يكون خاصًا ومُركّزًا على احتياجاتها الخاصة. لقد حفّزت أزمتها بالفعل السريلانكيين العاديين وحشدت الناس من جميع المجموعات العرقية والدينية والثقافية، ما خلق لحظة نادرة لبلدٍ عصف تاريخه بالصراع العرقي المستمر منذ عقود والذي أدّى إلى حربٍ أهلية وصعود حكم الأغلبية في نهاية المطاف. قد يكون التجديد الاقتصادي مُستحيلًا من دون تجميع النسيج الاجتماعي المُعَقَّد في سريلانكا الذي تضرّر لفترة طويلة جدًا.

لكن أحداثَ الأسبوع الماضي في كولومبو قد تكون ببساطة الأولى في سلسلة من الأزمات التي تُغذّيها الديون والتي قد تنفجر في الاقتصادات الناشئة، إذا لم يكن المجتمع الدولي مُدركًا لحجم المشكلة. في آذار (مارس)، حذّر صندوق النقد الدولي من أن 23 دولة أفريقية تُعاني الآن من ضائقة ديون أو مُعرَّضة لخطرٍ كبير. في بعض هذه البلدان، وكذلك في بلدان أخرى تواجه مشكلة مماثلة، كان الإنفاقُ المُمَوَّل بالديون يتمّ بشكلٍ غير حكيم أو غير فعّال حيث فشلت حكوماتها في تحقيق النمو الاقتصادي أو الإيرادات الضريبية المطلوبة لسدادها. لقد جعل الوباء الأمور صعبة، لكن جذورَ المشكلة هي نفسها كما كانت دائمًا في عدد من البلدان: الافتقار إلى المُساءلة عن مالية الدولة وممارسات الإقراض غير المسؤولة من المجتمع الدولي، ولبنان هو مثالٌ آخر في هذا المجال.

في سريلانكا، أُخِذَت مطالب المتظاهرين للحكومة بالإصلاح أخيرًا على محمل الجدّ. بالنسبة إلى الآخرين، وخصوصًا لبنان، حان الوقت لأخذ العبر والبدء بالإصلاح قبل فوات الأوان.

  • كابي طبراني هو ناشر ورئيس تحرير مجلة وموقع “أسواق العرب” الصادرَين من لندن. ألّف خمسة كتب بالعربية والإنكليزية من بينها “الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني: من وعد بلفور إلى إعلان بوش” (2008)؛ “كيف تُخطّط إيران لمواجهة أميركا والهَيمَنة على الشرق الأوسط” (2008)؛ و”معاقل الجهاد الجديدة: لماذا فشل الغرب في احتواء الأصولية الإسلامية”، (2011). يُمكن متابعته عبر موقعه: gabrielgtabarani.com أو عبر تويتر على:  @GabyTabarani

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى