فَلْنَعْتَبِرْهُ مجلِسَ استعادةِ العافية

هنري زغيب*

أَيًّا تكن نتائج الانتخابات المجلسية في لبنان (الأُسبوع الماضي) رئاسةً ونيابةَ رئاسةٍ وهيئةَ مكتب، تبقى لنا فيها ظاهرة أَمل ورجاء.

الأَمل أَن يكون التغيير الحاصل بداية، ولو بطيئة ولو متعثرة، لِما نأْمل أَن يتطوَّر لاحقًا ويتعدَّل ويُثمرَ أَكثر.

والرجاء من الذين حقَّقوا هذا التغيير، أَن يواصلوا دأْبهم، ولو ببُطْءٍ ومثابرة، وأَلَّا تَتَشَتَّتَ قواهُم فَتَتَبَعْثَرَ جهودُهم وتضيع ونعود إِلى المشهد الكارثي السابق المتناسل منذ عقود.

لفظتُ كلمَتَي “البُطْء” و”التعثُّر” ولا أَتردَّد، لأَن الجدُد بين المجلسيين تَلزمهم فترة اختبار من داخل ساحة النجمة بعدما كانوا ينتقدونها من الخارج، والعائدين الرافضين ما كان يحصل تَلزمهم نقاط مشتركة مع الجدد لتبادُل الأَفكار وتخطيطِ الطريق معًا.

ولا يضير أَن تكون النتائج مخيِّبةً آمالًا كثيرة كانت تراهن على انقلاب أَقوى. فَلْنَكُن إِيجابيين ونؤْمنْ بأَن الانقلاب السريع العاصف قد يقضي عليه انقلاب سريع عاصف آخر فيسقط الاثنان في الارتجال. التغيير الحقيقي يحصل بتُؤَدة وتخطيط ونَفَسٍ طويل، كي يُؤْتي ثمارَه وتَنضجَ مبادئه ويحينَ تنفيذها. ولنتذكر أَن الثورة الفرنسية العاصفة انفجرت في 14 تموز/يوليو 1789 لكنها استمرَّت تموزات لاحقة حتى تحقَّقت جمهوريةٌ في فرنسا كان يحلم بها ثوار التموز الأَول ومن أَجلها خلعوا بوابة الباستيل.

حسْبنا مما جرى هذا الأُسبوع في ساحة النجمة أَنه كسر التقاليد الدينوصورية السابقة بالدخول إِلى الجلسة للتصويت على طبخةٍ مُعَدَّةٍ مُسْبقًا، مِلْحُها فاسدٌ بالتوافق الـمُسْبَق والتعيينات الـمُسْبَقَة والاتفاقات الـمُسْبَقَة سياسيًّا وطائفيًّا واصطفافيًّا.

حسْبُنا أَننا عدنا إِلى الانتخاب لا إِلى الرضوخ السابق ورفع الأَيدي بَبَّغاويًّا، وعدنا إِلى ديمقراطية الصوت الواحد الذي هو الفرق كل الفرق. فبِسَبَب الرعب من هذا الصوت الواحد المفاجئ شَهِدنا هذا الأُسبوع تحالفاتٍ موَقَّتة وطبخاتٍ ملهوفةً واتفاقات متنافرين كي يصيروا متضامنين، ولو لسُوَيعَة عابرة، ولو على عجَل، لتأْمين هذا الصوت الواحد المرجِّح كي لا تقع الهزيمة وتندلع الشماتة.

نعم: عُدنا إِلى احتساب الأَصوات بقَلَق راجف، بعدما كانت الأَصوات مُعَلَّبَةً باطمئنان وارف.

نعم: عُدنا إِلى قول الـ”لا” الحادَّة التي تغير في الماكياج البَشِع السابق، هذه الـ”لا” التي سَتَرْدَعُ ما كان يحصل من تحصيل الحاصل والرضوخ إِلى جهنمية ذلك الحاصل.

نعم: عُدنا إِلى أَن يحسب الـمُكَرَّسُون السابقون حساباتِهم ويراجعوها بحذَرٍ بل بِخَوفٍ عند أيّ استحقاق بعد اليوم، لأَن في المجلس اليوم مَن لم يعودوا يَرفعون الأَيدي موافقةً عمياء على قوانينَ عرجاء.

نعم: عُدنا إِلى زمنِ لم يَعُد فيه من الطائفية سوى قِشْرتها، لأَن هذه الوافدة إِلى ساحة النجمة هي هُويَّة وطنية على صورة الأُسرة الوطنية الواحدة ولو بصلوات متعدِّدة.

نعم: هذا ما حصل وما نأْمل أَن يتواصل. فلا نَتَشَاءَمَنَّ، ولْنتوقف عن النَقّ والتنظير المجاني البَشِع في المقاهي وجلسات البيوت التسلوية.

وكما في جميع البُلدان حكوماتٌ مُوَقَّتَة وهيئاتٌ انتقالية تُـهَيِّئُ ما بعدها، فَلْنَعْتَبِر هذا الـ2022 مجلسَ استعادة العافية في مرحلة انتقالية تُهَيِّئُ لمجلس 2026 فيتوطّد التغييرُ أكثر، ويُشرقُ الفجرُ اللبنانيُّ الجديد أَكثر، لنكونَ فعلًا على طريق الوصول إِلى لبنان اللبناني القرار والمصير، وهو اللبنان الذي يعيش فيه أَحفادُنا بقناعة، ويعودُ إِليه مهاجرونا بحماسة، فَيَنْبَني لبنانُ الغد على مستوى مَن وُلِدوا اليومَ، ومُهَيَّأً لِمن سَوف يُولَدُون.

  • هنري زغيب هو شاعر، أديب وكاتب صحافي لبناني. وهو مدير مركز التراث في الجامعة اللبنانية الأميركية. يُمكن التواصل معه عبر بريده الإلكتروني: email@henrizoghaib.com أو متابعته على موقعه الإلكتروني: henrizoghaib.com أو عبر تويتر: @HenriZoghaib

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى