إيران-إسرائيل: لُعبةُ بيادق لا تُطيحُ باللّعبةِ الكبرى!

محمّد قوّاص*

تَندَرِجُ عملية اغتيال العقيد في الحرس الثوري الإيراني حسن صياد خدائي أمام منزله في طهران داخل سياقٍ باتَ تقليديًّا في الحربِ المخابراتية الدائرة بين إيران وإسرائيل.
وإذا ما نُسِبَت عملياتُ إرسالِ مُسَيِّرات إلى الأجواء الإسرائيلية أو ضرب أهدافٍ تابعةٍ لإسرائيل في الخارج إلى أنشطة إيران، فإن قدرة إسرائيل على تنفيذِ عملياتٍ باتت روتينية مُتَكَرِّرة في الداخل الإيراني تطرحُ كثيرًا من علاماتِ الاستفهام.
لكن اللافت في عملية اغتيال الضابط الإيراني أن طهران كانت هذه المرة أكثر شفافية في الحديث عن العملية ونشر صور الضحيّة مقتولًا في سيارته والإشارة إلى مهامه ومآثره. فيما سارعت صحافة إسرائيل إلى الإسهاب في نشر تفاصيل العملية وظروفها كما عن دور الرجل في أنشطة “تُمثّل خطرًا استراتيجيًا على إسرائيل”.
وفي ذلك الاعتراف المُتبادَل بموقع ومسؤوليات خدائي وأدواره ما يوحي أن الحربَ بين الطرفين باتت مباشرة ذاهبة إلى مزيدٍ من التصعيد على هامش المفاوضات الجارية في فيينا.
ولئن تَعِدُ طهران بالانتقام، وهذه ديباجات مُتَوَقَّعة، إلّا أن أدوات هذا الانتقام ما زالت، وفق لائحةٍ من التجارب، محدودة تحت سقف المقبول ولطالما سهُلَ رصدها واستباقها وإفشالها حين يتعلّق الأمر برسائل صاروخية أو مُسيَّرة صوب إسرائيل.
غير أن توسّعَ العمليات (كمًّا ونوعًا) التي طالت مواقع تابعة لإيران في سوريا في الأيام الماضية، تُرجّح ذهاب إسرائيل، في ظلّ انشغال روسيا بأولويات أوكرانيا، بعيدًا في حربها الاستباقية ضد إيران وإلى هوامش رحبة جديدة لم تكن متوفّرة قبل ذلك.
واللافت أن إسرائيل التي تُعاني من أزمة حكومية تجعل انسجامَ سلطتها الحاكمة ركيكة، أظهرت رشاقة في ديبلوماسيتها المُعادية لإيران لدى الولايات المتحدة وأوروبا. كما أن تصاعد توتر الوضع الميداني الداخلي، سواء داخل الخط الأخضر أو في الضفة الغربية وقطاع غزة، لم يردع إسرائيل عن تنفيذ خططها ضد إيران، سواء في سوريا أو حتى داخل الأراضي الإيرانية، وخصوصًا في العاصمة بالذات.
ويقومُ جهدُ إسرائيل على قاعدة ما تحظى به من “تفهّم” من قبل إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن في واشنطن لهواجس إسرائيل الأمنية في غياب ملفات “برنامج إيران للصواريخ الباليستية” و “أنشطة إيران المُزَعزِعة للاستقرار” عن طاولة المفاوضات حول البرنامج النووي الإيراني في العاصمة النمساوية.
ولئن يصدر عن حكومة نفتالي بينيت ما يؤكد أن إسرائيل لن تكون معنية بأيِّ اتفاقٍ نووي مُحَدَّث لا يوقف خطر القنبلة النووية الإيرانية وأن الخيارَ العسكري احتمالٌ وارد، فإن الظروفَ المُحيطة بحرب أوكرانيا لا توحي بأيِّ قدرةٍ أو نيةٍ لموسكو والصين من جهتهما على تقييد الحركة الإسرائيلية.
بالمقابل فإن إيران تملك جيدًا تحريك الميدان الفلسطيني الداخلي الذي يساهم القمع الإسرائيلي واستفزازات الأحزاب الدينية المتطرفة في تسهيل تفعيله.
صحيح أن “ذئابًا مُنفردة”، وفق الرواية الاسرائلية، هي التي نفّذَت عملياتٍ عسكرية داخل المدن الإسرائيلية، غير أن الفصائل الإسلامية، خصوصًا حركتَي “حماس” و”الجهاد”، عبّرت بمناسبة ما تلا ذلك من تصعيد في الضفة الغربية، لا سيما ضد مخيم جنين، عن تثمينها لعرفان الدعم الذي تُقدّمه إيران، بما أوحى بإطلالة رسائل إيرانية على الحدث تُضافُ إلى تقارير إسرائيلية عن إسقاط طائرة مُسَيّرة إيرانية المصدر كانت تحمل أسلحة إلى مناطق في الضفة الغربية.
والواضح أن الحربَ صارت أمرًا واقعًا بين إسرائيل وإيران بدون اعترافِ الطرفَين بأنها حربٌ مباشرة. لكن الفارقَ أن الذهابَ إلى الحربِ بات احتمالًا إسرائيليًا تمليه مصالح إسرائيل الأمنية الداهمة، في ظل عجز المؤتمرين في فيينا عن إنتاجِ اتفاقٍ رادع، وربما تتطلّبها حاجة داخلية تُعيد شيئًا من اللحمة الداخلية السياسية الإسرائيلية المُتَصدّعة.
صحيح أنه من الصعب أن تسمح المنظومة الدولية، لا سيما الأميركية الغربية في عزّ أزمة الطاقة بنشوب حربٍ بالمعنى الكلاسيكي المُتعارَف عليه، وصحيح أن وضع إيران الاقتصادي والاحتجاجي الشعبي لا يُيَسّر لطهران التورّط في حربٍ كبرى، إلّا أن هذه القواعد تَفتحُ بالمقابل البابَ واسعًا أمام رفع مستوى العمليات الأمنية المُوجعة التي تبقى مُنضبطة ولا تفيض إلى حربٍ شاملة غير مضمونة النتائج.
ومَن يُراقب وَعيدَ الفصائل المُتحالفة مع إيران في فلسطين ولبنان، يستنتجُ مروحةً من الرسائل التي تتوعّد بالجهوزية لكنها لا تذهب مع ذلك نحو التصعيد الميداني الكبير.
وإذا ما تتلقى طهران اغتيال خدائي في 22 أيار (مايو) الجاري، كما تلقّت اغتيال قاسم سليماني ومحسن فخري زاده المُلقّب بأبي القنبلة النووية (كانون الثاني/يناير وتشرين الثاني/نوفمبر 2020) الإيرانية، فإن في تلك الخسائر اختلالًا في توازن القوى على حساب إيران في وقتٍ تسعى إيران جاهدة وبصعوبة، ومن خلال استقبالها للرئيس السوري بشار الأسد، إلى تعديل هذه الموازين وتأكيد تجذّر نفوذها فوق سوريا.
على أن الصفعَ الإسرائيلي-الإيراني المُتبادَل قد لا يعدو كونه تحريكًا على رقعةٍ كبرى تتيحُ التضحية بالبيادق على أن لا ترقى اللعبة إلى مستوى “كشّ ملك”.

  • محمّد قوّاص هو كاتب، صحافي ومُحلّل سياسي لبناني مُقيم في لندن. يُمكن متابعته عبر تويتر على: @mohamadkawas
  • يَصدُرُ هذا المقال في “أسواق العرب” (لندن) توازيًا مع صدوره على موقع “سكاي نيوز عربية” (أبو ظبي)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى