لماذا ستَفشَل المُحادثات النووية مع إيران

كابي طبراني*

رُغمَ الحماس الشديد الذي أبدته إدارة جو بايدن لإحياء الاتفاق النووي مع إيران، فإن احتمالاتِ التوصّل إلى اتفاقٍ بين الجانبين تبدو بعيدة المنال أكثر من أي وقت مضى.

قبل بضعةِ أشهر فقط أعلن المفاوضون الأوروبيون أنه سيتمّ التوقيع على اتفاقٍ في غضون أسابيع. وجاء التقييم الأكثر تفاؤلًا من جوسيب بوريل، كبير الديبلوماسيين في الاتحاد الأوروبي، الذي قال أمام جلسةٍ لمنتدى الدوحة في آذار (مارس) إن إيران “قريبة جدًا” من توقيعِ اتفاقٍ من شأنه أن يحدَّ من برنامج طهران النووي مقابل رفع العقوبات الصارمة.

وقال بوريل: “الآن نحن قريبون جدًا من التوصّلِ إلى اتفاقٍ وآملُ أن يكونَ ذلك مُمكنًا”، وأقر لاحقًا للصحافيين بأنه يُمكنُ إبرام صفقةٍ “في غضون أيام”.

التأمّل بما حصل بعدها، يتبيّن أن هذا التفاؤل لم يكن في محلّه. منذ ذلك الحين، انهارت المحادثات بطريقةٍ تُنذِرُ بالخطر – لدرجةِ أن المسؤولين الأميركيين الآن متشائمون علانية بشأن إحياء اتفاقية العام 2015 التي تمّ الاتفاقُ عليها في الأصل بين إدارة باراك أوباما وطهران.

وقد انعكست الحالة الخطيرة للمحادثات في التعليقات التي أدلى بها روبرت مالي، المبعوث الأميركي الخاص إلى إيران، أمام الكونغرس الأميركي هذا الأسبوع، والذي أقرَّ بأن احتمالات الفشل تفوق احتمالات النجاح.

في أوّلِ شهادةٍ علنية له أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، وصف مالي مفاوضات العودة إلى الاتفاق النووي لعام 2015 بأنها “هشّة”. وأضاف أنه نتيجة لذلك، فإن الوقتَ الذي تستطيع فيه إيران تحقيق قدرةٍ لصناعة أسلحة نووية أصبح الآن “قصيرًا، في غضون أسابيع”.

حتى الآن، شاركت إدارة بايدن في ثماني جولات من المحادثات غير المباشرة مع إيران في فيينا لإحياء تلك الصفقة، المعروفة رسميًا ب”خطة العمل الشاملة المشتركة”، والتي تهدف إلى الحدّ من الأنشطة النووية لطهران ومنعها من تطوير السلاح النووي. لكن في الأسابيع الأخيرة، ظهر عددٌ من العقبات المهمة التي أدّت بشكلٍ أساسي إلى نسف المحادثات.

أوّلُ مُؤشِّرٍ إلى أن كلَّ شيءٍ لم يكن يسير بسلاسة جاء مع مُطالبة إيران في اللحظة الأخيرة بأن تُزيلَ الولايات المتحدة الحرس الثوري الإسلامي من قائمة المنظمات الإرهابية. في الوقت الذي بدا أن المحادثات شارفت على الانتهاء في آذار (مارس)، قال وزير الخارجية الإيراني حسين أميرعبد اللهيان إن رَفعَ العقوبات الأميركية عن الحرس الثوري الإيراني أصبح أحد المطالب الرئيسة لإيران.

وتعطّل التقدّمُ أكثر بعد مُطالبة روسيا، أحد المُوَقّعين الأصليين على اتفاق 2015، بأن أيَّ اتفاقية يتم إحياؤها يجب أن تضمنَ السماح لموسكو بمواصلة التجارة مع طهران، ولن تخضعَ للعقوباتِ المفروضة بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا.

منذ ذلك الحين، ازدادت مشاركة روسيا في المحادثات تعقيدًا بسبب الكشف عن أن موسكو وطهران تتعاونان في الجهود المبذولة للتهرّب من العقوبات.

وردّت واشنطن الآن بفرضِ عقوباتٍ على ما تصفه بشبكة تهريب النفط وغسيل الأموال المدعومة من روسيا لصالح فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني. وقد أعلنت وزارة الخزانة الأميركية، عند إعلانها الإجراءات يوم الأربعاء الفائت، أن الشبكة تقودها شخصيات حالية وسابقة في فيلق القدس، و”مدعومة من مستويات رفيعة في حكومة روسيا الاتحادية”.

وزعمت أن شركات صينية وديبلوماسيًا أفغانيًا سابقًا شاركوا أيضًا في العملية، والتي جمعت مئات الملايين من الدولارات لفيلق القدس ول”حزب الله” حليف إيران في لبنان، فضلًا عن مساعدة طهران في دعم جماعات مسلحة أخرى بالوكالة.

لكن يُمكنُ القول إن العَقَبَةَ الأكثر تحدّيًا أمام أيِّ حلٍّ ناجح للنزاع هي التداعيات العميقة بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهي الهيئة التي ترعاها الأمم المتحدة والمسؤولة عن مراقبة الأنشطة النووية الإيرانية، بشأن فشل طهران في حلِّ المخاوف القائمة منذ فترة طويلة حول جُسَيمات اليورانيوم التي وُجِدَت في المواقع التاريخية.

لقد أمضت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أكثر من عقد من الزمان في الضغط على طهران لتفسيرِ وجودِ هذه الجُسَيمات، والتي تشملُ موادًا صالحةً لصنع الأسلحة، تم العثور عليها في عددٍ من المنشآت. في الواقع، كان من المُفتَرَض أن تُقدّمَ إيران تفسيرًا كجُزءٍ من عملية التفاوض الأصلية التي أسفرت عن توقيع خطة العمل الشاملة المشتركة في العام 2015. ولكن في تسرّعه لتأمين صفقة، وافق الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما على التوقيع على الصفقة بعد قبول تأكيداتٍ من طهران أن الشرحَ الكامل سيأتي في وقت لاحق.

بعد سبعِ سنوات، لم تُقَدِّم إيران أيَّ شرح أو تفسير، على الرغم من أن مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية الجنرال رافائيل غروسي يضغط على طهران لتقديم إجابات كجُزءٍ من جولة المفاوضات الحالية.

مُتحدثًا هذا الأسبوع في حلقةِ نقاشٍ في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، سويسرا، حذّر غروسي من أن المحادثات التي تهدف إلى حلِّ مشكلة الجُسَيمات تمرُّ “بمنعطفٍ صعبٍ للغاية”.

على الرغم من أن غروسي وإيران قد اتفقا في آذار (مارس) الفائت على خطةٍ مدتها ثلاثة أشهر لحلّ المسألة، إلّا أن شيئًا لم يحصل في هذا المجال والمحادثات مُتَوَقّفة الآن. وأعلن غروسي إنه من الصعب تخيّل أيّ اتفاقٍ لإحياءِ وتنفيذِ خطّة العمل الشاملة المشتركة طالما أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية لم تتلقّ إجاباتٍ مُرضِية.

وقال: “أفترِضُ أنني يجب أن أمتنعَ عن استنتاج أي نتيجة نهائية في هذه المرحلة لأننا لم ننتهِ من العملية بعد، لكن دعني أقول إننا في منعطفٍ صعب للغاية في الوقت الحالي”.

الواقع أن هذا تقييمٌ واقعي، وهو يشيرُ إلى أنه بعيدًا من إحراز تقدم في الصفقة النووية التي يتم إحياؤها، تظل احتمالات التوصّل إلى اتفاقٍ جديدٍ مع طهران قاتمة وغير أكيدة، مع كل التداعيات التي من المُحتَمَل أن تترتّبَ على أمن المنطقة في المستقبل.

  • كابي طبراني هو ناشر ورئيس تحرير مجلة وموقع “أسواق العرب” الصادرَين من لندن. ألّف خمسة كتب بالعربية والإنكليزية من بينها “الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني: من وعد بلفور إلى إعلان بوش” (2008)؛ “كيف تُخطّط إيران لمواجهة أميركا والهَيمَنة على الشرق الأوسط” (2008)؛ و”معاقل الجهاد الجديدة: لماذا فشل الغرب في احتواء الأصولية الإسلامية”، (2011). يُمكن متابعته عبر موقعه: gabrielgtabarani.com أو عبر تويتر على:  @GabyTabarani

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى