كونفيدِرالية إسرائيلية – فلسطينية هي أفضلُ مَسارٍ للسلام

المحامية هبة الحسيني، المستشارة القانونية السابقة للوفد الفلسطيني في مفاوضات السلام بالاشتراك مع يوسي بيلين وزير العدل الاسرائيلي السابق وأحد أعضاء الوفد الاسرائيلي في مفاوضات أوسلو يقترحان معًا خطةً لأفضل مسارٍ للسلام كما يدّعيان. وهي خطة تُرضي المخاوف عبر الطيف السياسي من خلال معالجة القضايا الشائكة بطُرُقٍ جديدة.

الرئيس الفلسطيني محمود عبّاس: مازال يحمل الشرعية لإجراء مفاوضات لتحقيق كونفيدرالية مع إسرائيل

هبة الحسيني ويوسي بيلين*

لعقودٍ عديدة، شارك الفلسطينيون والإسرائيليون في عمليةِ سلامٍ من جانبَين مُتعارِضَين من الانقسام. بذل الطرفان جهودًا – بعضها صريح وبعضها سطحي – لإيجادِ حلولٍ للقضايا الرئيسة للنزاع: ترسيم الحدود بين الدولتين، ومستقبل القدس، ومصير المستوطنات الإسرائيلية، وعودة اللاجئين الفلسطينيين، وهيكل الترتيبات الأمنية التعاونية.

على مرِّ السنين، قُدِّمَت مُقترحاتٌ بنّاءة لمُعالجَةِ جميع هذه القضايا – من قبل أطرافٍ ثالثة (مثل معايير الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون في كانون الأول (ديسمبر) 2000 ومقترحات وزير الخارجية الأميركي جون كيري في العام 2014) ومن قبل الفلسطينيين والإسرائيليين بصفتهم الرسمية وغير الرسمية (مثل التفاهمات بين الرئيس الفلسطيني محمود عباس وأحدنا في العام 1995، ومبادرة جنيف لعام 2003، واتفاقية عامي أيالون- سري نسيبة القصيرة، في العام 2003 أيضًا).

صار الاتفاق الآن على المبادئ العامة للحلِّ الدائم مقبولًا من قبل كثيرين، وتم اعتمادها ضمنيًا في العام 2016 في قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2334، والذي دعا إلى العودة إلى حدود ما قبل العام 1967 مع تبادل الأراضي على قدم المساواة ووقف النشاط الاستيطاني وتشجيع مفاوضات الوضع النهائي. يتبنّى المزيد من الإسرائيليين والفلسطينيين حُزمةَ الحلولِ هذه أكثر من أيِّ حُزمَةِ حلولٍ أُخرى، على الرغم من انخفاض التأييد بين الشعبين من الأغلبية المطلقة إلى الأكثرية.

إن ضَعفَ أو تَصلّبَ القادة على كلا الجانبين هو التفسيرُ المُشتَرَك للسبب بأن اتفاقات أوسلو (التي بدأت بإعلان المبادئ، المُوَقَّعة في 13 أيلول (سبتمبر) 1993، والتي أعقبتها الاتفاقية المؤقتة، التي تم توقيعها بعد ذلك بعامين) قد نُفّذت جُزئيًا فقط ولم تؤدِّ، في غضون ست سنوات، إلى اتفاقٍ دائم – حتى أننا منذ ما يقرب من 30 عامًا عالقون في اتفاقية مؤقتة، واستمر الاحتلال (وكذلك العنف). لكن من غير المعقول إلقاء اللوم كله على القادة. نعتقد أن الأفكار الجديدة يُمكنُ أن تهزّ بشكلٍ إيجابي هذا الجمود الطويل وتُعيدُ المفاوضات إلى مسارها نحو اتفاقِ سلامٍ دائم.

سيكون من الأسهل على الجانبين الاتفاق على حلِّ الدولتين إذا طبّقنا مفهوم المعاملة بالمثل حتى يتمّ تحرير القادة الإسرائيليين من الحاجة إلى إخلاء المستوطنين من منازلهم في الضفة الغربية وتمكين القادة الفلسطينيين من خلال إطارِ عملٍ حيث يمكن لعدد مماثل من الفلسطينيين إنشاء منازل داخل إسرائيل (بالإضافة إلى عددٍ مُتَّفَقٍ عليه من اللاجئين الفلسطينيين الذين سيستقرون في إسرائيل كمواطنين كاملين).

من حيث المبدَأ، يُمكِنُ تنفيذ هذه المُقتَرَحات حتى بدون ترتيبات كونفيدرالية. لكننا مُقتَنِعان بأن الكونفيدرالية الإسرائيلية-الفلسطينية التي نقترحها، مستوحاة من نموذج الاتحاد الأوروبي، ستسمح بتعزيز التعاون الاقتصادي والأمني ​​لتطوير وتسهيل مجموعة من المبادرات التي من شأنها تعزيز التفاهم المتبادل وتقليل الرفض والعداء المُتبادَلَين.

يُطلَقُ على إطار العمل الكونفيدرالي الذي اقترحته مجموعة من الفلسطينيين والإسرائيليين اسم “كونفيدرالية الأراضي المُقدَّسة”. سيسمح هذا الإطار لعشرات الآلاف من مواطني كل دولة العيش على الجانب الآخر من الحدود كمُقيمين دائمين. سيُعرَض على المستوطنين الإسرائيليين الذين ستبقى مستوطناتهم في أراضي الدولة الفلسطينية المستقبلية خيار الاختيار بين الانتقال إلى دولة إسرائيل وتلّقي التعويض والبقاء في دولة فلسطين واحترام قوانينها وقواعدها. سيتم منحُ عددٍ مُماثلٍ من المواطنين الفلسطينيين خيار العيش في إسرائيل كمقيمين دائمين.

كما هو الحال في الاتحاد الأوروبي، فإن كلا المجموعتين من المقيمين الدائمين، الإسرائيلية والفلسطينية، ستصوت في الانتخابات الوطنية الخاصة بكلٍّ منهما (دولة المواطنة)، بدلًا من بلد الإقامة. ومع ذلك، يحق لهما المشاركة في الانتخابات البلدية في مكان إقامتهما، ويتمتّعان بالحقوق المدنية والمزايا الاجتماعية نفسها التي يتمتّع بها المواطنون.

بالإضافة إلى هذه الإجراءات، يسعى هذا النهج إلى معالجة عواقب حرب العام 1948 بطريقتين. أوّلًا، مثل مبادرة جنيف لعام 2003، فهو يوفّر للاجئين الفلسطينيين مجموعةً من الخيارات (بما في ذلك مسار محدود للحصول على الجنسية في إسرائيل يختلف عن إطار الإقامة الدائمة المُوَضَّح أعلاه). ثانيًا، يسعى اقتراح الكونفيدرالية إلى تطوير سَردٍ تاريخيٍّ مُشتَرَك. على مدى سنوات الصراع الطويلة، افترض الكثيرون أنه من المستحيل أن تتّفِقَ الأطراف على روايةٍ مُشتَرَكة وأن أكثر ما يمكن أن نأمله هو الاعتراف على مضض برواياتٍ مُنفَصلة.

لكننا اتخذنا خطوةً أخرى إلى الأمام من خلال التوصّل إلى اتفاقٍ بشأن الماضي. تُقدِّمُ ثمرةُ هذا الجهد دليلًا إضافيًا على ما يمكن تحقيقه عندما نُفضّلُ التعاون على الانقسام.

الترتيبات الكونفيدرالية التي نتصوّرها لا يجب أن تكون دائمة لتكون ذات قيمة. بمرور الوقت، قد يختار الإسرائيليون والفلسطينيون تعميق أو تقليل التعاون بين مؤسساتهم العامة. لكن ما لن يتغيّر هو الحدود بين الدولتين. (تنص خريطتنا على ضمّ إسرائيل لـ2.25٪ من الضفة الغربية مقابل تعويض كامل عن الأراضي الخاضعة حاليًا للسيادة الإسرائيلية).

ما نتوقّع تغييره بموافقة الطرفين هو نظام الحدود ومدى حرّية تنقّل الأشخاص والبضائع. وفقًا لاقتراحنا، ستجتمع الحكومتان كل أربع سنوات (على الأقل) لاستكشاف المزيد من تحرير نظام الحدود والمسائل ذات الصلة. إذا سمح الوضع بذلك، ستُصبِح الحدود أكثر قابلية للاختراق في المستقبل، وسيتمكّن كلا الشعبين من الشعور بأن البلد الآخر ليس “أجنبيًا” بالنسبة إليهما وأنهما يتمتعان بسهولة الوصول إلى الأماكن التي يشعران فيها تاريخيًا بصلة دينية أو ثقافية أو عائلية. وتشمل الترتيبات الأمنية قوات مُتعدّدة الجنسيات، ومحطّات إنذارٍ مبكر، وغرفة عمليات فلسطينية-إسرائيلية مُشتركة.

نتوخّى أيضًا سلسلة من الإجراءات التي من شأنها تعزيز المصالحة بين الأطراف، بما فيها شرط دراسة العبرية والعربية في جميع المدارس في الكونفيدرالية، وفتح الأرشيف المُتَبادَل، وكتابة اللافتات يجب أن تكون ثنائية اللغة في جميع الأماكن ذات القيمة التاريخية.

قد يتساءل النقاد كيف يمكن لمثل هذا الاقتراح إعادة تنشيط عملية السلام في السياق السياسي الحالي – في الوقت الذي يُعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي في كل مرحلة أنه يعارض بشدّة حلّ الدولتين ويرفض مقابلة الرئيس الفلسطيني، وقطاع غزة تسيطر عليه حركة “حماس”، والسلطة الفلسطينية تفتقر إلى السلطة على الغالبية العظمى من الضفة الغربية.

الجواب هو أن البيانات التي يتمّ الإدلاء بها اليوم لا تُشيرُ بالضرورة إلى أفعال الغد. القادة ذوو الرؤية يُغيِّرون رأيهم. في العام 1977، عارض مناحيم بيغن بشدة الانسحاب الكامل من شبه جزيرة سيناء، لكنه وافق على الانسحاب منها بالكامل بعد بضع سنوات. إسحق رابين، الذي عارض بشدة في العام 1991 رفع الحظر عن المفاوضات مع منظمة التحرير الفلسطينية، صافح ياسر عرفات في العام 1993. آرييل شارون، الذي تعهّدَ بعدم التنازل عن أيِّ مستوطنة في قطاع غزة، اختار إخلاءها كلّها.

أما بالنسبة إلى الجانب الفلسطيني، فقد التزم عباس بحلّ الدولتين لسنواتٍ عديدة، وعندما سُئِلَ في أيلول (سبتمبر) 2018 عمّا إذا كان يؤيد إنشاء كونفيدرالية فلسطينية مع الأردن، أجاب بأنه لن ينضم إليها إلّا إذا كانت إسرائيل طرفًا فيها. في ورقتنا، لا نُقدّمُ كونفيدرالية ثلاثية، لكنها قد تكون خيارًا جيدًا في المستقبل. أما بالنسبة إلى ضعف عباس السياسي – فلا يمكن إنكاره، لكن من الواضح أنه بصفته أحد الآباء المؤسّسين لحركة “فتح”، ولاحقًا لمنظمة التحرير الفلسطينية، يتمتّع بشرعيةٍ كافية لتوقيع اتفاقية سلام مع إسرائيل، حتى لو تمّ تنفيذها من الذين يخلفونه.

يجب أن يتم التوقيع على اتفاقية السلام من قبل الحكومة الإسرائيلية ومنظمة التحرير الفلسطينية. وستشمل بالضرورة قطاع غزة وتوفّرُ رابطًا إقليميًا بين الضفة الغربية وقطاع غزة. تتحمّل حركة “حماس” ومنظمة التحرير الفلسطينية مسؤولية مُشتركة لجعل ذلك مُمكنًا من خلال التوصل إلى اتفاق مصالحة. في الواقع، نعتقدُ أنه من خلال تسهيل وصول كلا الشعبين إلى المواقع المُقدّسة بالنسبة إليهما، فإن الإطار الكونفيدرالي يمكن أن يُسهّل على الفصائل المُعارِضة لتقسيم الأرض تبنّي حلّ الدولتين.

يُقدم اقتراحنا مُقارَبة جديدة لكلٍّ من صانعي القرار الإسرائيليين والفلسطينيين، مع حوافزٍ للتوصّل إلى حلٍّ عملي للدولتين. النهج ليس محصلته صفرية لأيٍّ من الجانبين – ولكنه يمكن أن يعمل كمُيَسِّرٍ لتحقيق النتائج المرجوة منذ فترة طويلة للانفصال بدون الانتقاص من الارتباط التاريخي لأيٍّ من الجانبين بالأرض.

قادةُ يمين الوسط الإسرائيلي، الذين يشعرون بالقلق من وضعٍ تُهيمن فيه أقلية يهودية على الأغلبية الفلسطينية إلى الغرب من نهر الأردن لكنهم مُترَدِّدون بشأن انسحاب إسرائيلي من مناطق جغرافية ذات أهمية تاريخية لليهود، قد يرون أن الكونفيدرالية حلٌّ مرغوبٌ فيه لمعضلتهم.

إن خيارَ تسهيل الوصول إلى الضفة الغربية، حيث يواصل الآلاف من اليهود العيش، مع حدودٍ تسمح بسهولة الوصول والحركة، سيضمن بقاء إسرائيل دولة ديموقراطية لليهود ولجميع مواطنيها؛ قد يكون وجودُ حدودٍ شرقية مُتَّفَقٍ عليها لأول مرة في تاريخ إسرائيل جذابًا للغاية للقادة الإسرائيليين البراغماتيين.

بالنسبة إلى القادة الفلسطينيين البراغماتيين، ستكون كونفيدرالية الأراضي المُقدَّسَة فرصةً جادة لتحقيق الدولة، بحدودٍ مُحَدَّدة، مع وجودِ فرصةٍ أكبر للاستمتاع بالتعاون الاقتصادي، وتحقيق المزيد من النمو الاقتصادي (باتباع أمثلة بعض البلدان الأعضاء الأفقر في الاتحاد الأوروبي التي ازدهرت منذ الانضمام)، والتوصّل إلى تعاونٍ مُتبادَل مُعَزّز في المسائل الأمنية بطريقة فاعلة وفعّالة من حيث التكلفة. ستؤدي هذه الخطة إلى انسحاب الجيش الإسرائيلي من الضفة الغربية والاعتراف بالدولة الفلسطينية وتسهيل تحقيق تقرير المصير للفلسطينيين.

يدّعي بعض النقاد أنه لا توجد كونفيدراليات في العالم اليوم، مُشيرين إلى أنه حتى الدول التي تُطلِقُ على نفسها كونفيدراليات (مثل كندا وسويسرا) أصبحت في الواقع اتحادات/فيدراليات. هناك إجابتان على هذا الادعاء. الأول هو أن واحدة من أكبر التجمّعات السياسية وأكثرها فاعلية في العالم اليوم – الاتحاد الأوروبي – هي اتحاد كونفيدرالي فعليًا، على الرغم من أنه لا يُطلِقُ على نفسه ذلك.

والثاني هو أنه حتى لو لم تستمر كونفيدرالية الأراضي المقدسّة أو تغيّرت الترتيبات الأمنية والاقتصادية، فإن بعض سماتها مصممة للعيش عليها: الحدود بين الدولتين، والوضع القانوني لمواطني دولة مقيمين في الثانية؛ تقسيم القدس الى عاصمتين وطبعًا حل قضية اللاجئين الفلسطينيين.

يجب على الإسرائيليين والفلسطينيين بذل قصارى جهدهم لوضعِ حدٍّ لهذا الصراع لأننا جميعًا ندفع ثمن استمراره. وأظهر العنف الذي وقع خلال هذا الربيع وفي أيار (مايو) الماضي في القدس وتل أبيب وجنين وغزة وأماكن أخرى أنه بدون أفُقٍ لحلٍّ سلمي، سيستمر الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني في تعريض الاستقرار الهشّ في الشرق الأوسط للخطر.

نعتقدُ أن الطريقة الوحيدة للتعامل مع الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني هي من خلال معالجة السبب الجذري لهذا الصراع الذي طال أمده من خلال التوصّلِ إلى اتفاق سلام دائم. لا يُمكننا الاستمرار في وضع الضمادات على الجرح المُتَقَيِّح ونأمل أن يشفي نفسه بنفسه. من شأن الاتحاد الكونفيدرالي معالجة الأسباب العميقة الجذور للصراع، والتوصّلِ إلى حلٍّ عادلٍ وحقيقي. سيضعنا على طريقٍ يضمن الأمن والازدهار المنشودَين لكلا الشعبين.

  • هبة الحسيني هي محامية فلسطينية ورئيسة مكتب الحسيني والحسيني للمحاماة في رام الله. عملت مستشارة قانونية للوفود الفلسطينية في المفاوضات مع إسرائيل. ويوسي بيلين هو سياسي إسرائيلي سابق. شغل منصب وزير العدل في إسرائيل من 1999 إلى 2001 وكان البادئ في عملية أوسلو وتفاهمات بيلين وأبو مازن ومبادرة جنيف.
  • يصدُرُ هذا المقال بالعربية في “أسواق العرب” توازيًا مع صدوره بالانكليزية في “فورين بوليسي” الأميركية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى