عقباتٌ أمامَ مُرَشَّحي الرئاسة في لبنان

مايكل يونغ*

مهما كان الوضع الذي أنتجته الانتخابات النيابية اللبنانية الأخيرة، فمن المؤكَّد أنها غيّرت الأوراقَ بالنسبة إلى المُرَشَّحين لرئاسة الجمهورية في لبنان. في الواقع، يواجه جميع المرشحين البارزين عقباتٍ كبيرة في طريق انتخابهم، بينما تبدو هوية شخصية لتسويةٍ مُحتَملة بعيدة المنال في أحسن الأحوال.

مع بدء الحملة الانتخابية، حَدّدَ كثيرون من اللبنانيين مُرَشَّحَين اثنين، استنادًا إلى حدٍّ كبير إلى حقيقةِ أنَّ الحزبَ الرئيس الذي كان يجب أن يوافق على ذلك هو “حزب الله”. والمُرَشَّحان هما جبران باسيل، صهر الرئيس ميشال عون ورئيس “التيار الوطني الحر”، وسليمان فرنجية، رئيس “تيار المردة”، والسياسي الشمالي المُقرَّب من سوريا و”حزب الله”، وحفيد رئيس لبناني سابق يحمل الاسم نفسه.

وبدرجاتٍ مُتفاوِتة، أضرّت نتائج الانتخابات بآفاق الرجلين. بينما لا يزال لدى باسيل كتلة برلمانية كبيرة، فإن حزبه فقد مرتبته من حيث المقاعد التي فاز بها مُقارنَةً بالنتائج التي حصل عليها في انتخابات 2018. الكتلة المسيحية الأكبر الآن هي كتلة “القوات اللبنانية”، وتأتي الكتلة التي يقودها باسيل في المرتبة الثانية.

حاول باسيل تصوير كتلته على أنها أكبر كتلة مسيحية بحُكمِ تحالفاتها. وبهذه الطريقة، سيتمكّن من القول إنه يظل أكثر المسيحيين الموارنة شرعية لمنصب الرئاسة. من السابق لأوانه القول ما إذا كان سيكون على حق، حيث لا تزال الكتل البرلمانية الأوسع قيد التفاوض، ولكن في كثير من النواحي قد يكون ذلك غير ذي صلة. لا يوجد في الدستور ما ينصّ على أن رئيس الجمهورية يجب أن يتمتّع بتمثيلٍ برلماني كبير.

قصة فرنجية مختلفة. فهو شخصية سياسية بارزة في مدينة زغرتا الشمالية، لكن النتائج بالكاد عكست ذلك. بينما فاز نجله طوني بمقعدٍ في الدائرة، ذهب المقعدان المارونيان الآخران إلى أحد منافسي فرنجية الرئيسيين في زغرتا، ميشال معوّض، وعضو من عائلة الدويهي البارزة، ميشال الدويهي، الذي تمّ انتخابه على قائمةِ شخصياتٍ من المجتمع المدني المُعارِضة للطبقة السياسية التقليدية.

من ناحية أخرى، كانت هناك مفاجأة في أن أحد المُرَشَّحين على لائحة فرنجية، وليم جبران طوق، فاز بمقعدٍ في بشري، بلدة قائد “القوات اللبنانية” سمير جعجع. لكن هذا لم يكن كافياً لخلق مظهر من مظاهر النجاح. في الواقع، كان فرنجية نفسه صريحًا جدًا في قوله: “بالكاد نجحنا”.

كان من المُفترَض أن يكون فرنجية المُرَشَّح المُرَجَّح للرئاسة لأن باسيل شخصية تُثير القسمة والنفور والخلاف. البرلمان ينتخب رؤساء الجمهورية في لبنان، والغالبية العظمى من الكتل اليوم تعارضه بشدّة. والأسوأ من ذلك، أن باسيل يخضع لعقوبات أميركية بسبب الفساد، وفي الوقت الذي يعاني لبنان من انهيارٍ اقتصادي واجتماعي ضخم، فهو آخر شخصٍ تحتاجه البلاد على رأس السلطة أو يمكنه توليد الثقة.

ومع ذلك، ومن المفارقات، قد تكون فرص باسيل ربما اكتسبت بعض الزخم أكثر من فرنجية الذي كان أداؤه سيئًا. كما أن باسيل مُعَوِّلٌ على حقيقة أن جعجع، الذي صار فجأة في موقعٍ قيادي للترشّح للرئاسة بفضل السيطرة على أكبر كتلة مسيحية، قد ضمن أن “حزب الله” سيفعل كل ما في وسعه لمنع انتخابه. “القوات اللبنانية” و”حزب الله” حزبان مُعاديان بشكلٍ مُتبادَل، ورئاسة جعجع خطٌّ أحمر بالنسبة إلى الحزب الموالي لإيران.

مع ذلك، سيُجادل جعجع بالتأكيد أنه مثلما دعم “حزب الله” العماد عون باعتباره أكثر المسيحيين تمثيلًا في العام 2016، يجب على الحزب اتباع النهج عينه اليوم وقبول الرجل الذي حصل على أكبر عدد من الأصوات المسيحية. لكن في بلدٍ مُستقطَب مثل لبنان، هناك العديد من القوى السياسية، حتى تلك التي تحالفت مع جعجع في الانتخابات، ستُعارض رئاسته، لأنها لن تؤدي إلّا إلى تقسيم المجتمع أكثر.

في الوقت نفسه، من غير المُحتَمَل أن يَفرُضَ “حزب الله” اليوم فراغًا في البرلمان لجلب باسيل أو فرنجية إلى المنصب، كما فعل مع عون بين العامين 2014 و2016. الوضع الاقتصادي والاجتماعي كارثيٌّ ومُتَقَلِّبٌ للغاية بحيث لا يمكن لعب تلك اللعبة بدونِ إثارةِ ردِّ فعلٍ عنيفٍ ضد الحزب.

لذلك، هل هناك مُرَشَّح تسوية ممكن؟ في حالات الجمود الوطني، تتّجِهُ الأنظار عادةً إلى قائد الجيش، مؤسسة الدولة الوحيدة التي تحظى باحترام طائفي. علاوة على ذلك، فإن القائد الحالي، العماد جوزيف عون، مُحتَرَمٌ بشكلٍ كبير محلّيًا ودوليًّا. لكن لديه مشكلة: لقد منع الجيش بالقوة أعضاء “حزب الله” وحركة “أمل” من الدخول إلى إحدى المناطق المسيحية (عين الرمانة) في العام الماضي، عندما اندلع القتال في منطقة الطيونة. كما ينظر حزب الله إلى العماد عون على أنه قريبٌ من الأميركيين.

لكن هذا لا يستبعده. لقد نسّقَ قائد الجيش أيضًا مع “حزب الله” طوال فترة ولايته، كما فعل جميع قادة الجيش من قبل. لذلك، إذا كان هناك مأزقٌ طويل بشأن انتخاب الرئيس المقبل، فمن المُتَصَوَّر أنه قد يظهر في النهاية كخيارٍ احتياطي، حيث لا يبدو أن أيَّ مُرشّحٍ آخر خيار قابل للتطبيق.

كل هذا يُنذِرُ بفراغٍ لن يؤدّي إلّا إلى إلحاق المزيد من الضرر بلبنان مع تدهور الوضع الاقتصادي. ليس من المستغرب، بسبب الطموحات المارونية الصفرية، أن الانتخابات الرئاسية صارت موعدًا يخافه ويخشاه اللبنانيون.

  • مايكل يونغ هو خبير في الشؤون اللبنانية، ورئيس تحرير “ديوان”، مُدوّنة برنامج كارنيغي الشرق الأوسط، بيروت، وكاتب رأي في صحيفة “ذا ناشيونال” الإماراتية. يُمكن متابعته عبر تويتر على:  @BeirutCalling
  • كُتِبَ هذا المقال بالإنكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى