سوريا دَولَةُ مُخَدّرات

فيما تزدهر صناعة المخدرات في سوريا التي يحميها النظام و”يعتاش” من وارداتها بالاشتراك مع “حزب الله”، وتُغرق العالم العربي، وبخاصة دول الخليج، بحبوبها المُضِرّة، يغضّ العالم الطرف عن ذلك. لماذا؟

ماهر الأسد: فرقته الرابعة هي المسؤولة عن صناعة الكابتاغون وتوزيعها.

تشارلز ليستر*

مع دخولِ الأزمة السورية الآن عامها الثاني عشر، يُمكِنُ القول إن الاهتمام الدولي بالدولة التي مزّقتها الصراعات هو أقلّ من أيِّ وقت مضى. في الأشهر الأخيرة، أثار الغزو الروسي لأوكرانيا والحرب الدموية التي أعقبته تركيزًا عالميًا، لكن الشعور بعدم الاهتمام والانفصال عن البؤس المستمر في سوريا قد ترسّخ منذ فترة طويلة. بينما لا يزال حوالي 900 جندي أميركي منتشرين على الأراضي السورية لمواجهة تنظيم “داعش”، فإن الهزيمة الإقليمية للجماعة الإرهابية في أوائل العام 2019 كانت بمثابة إغلاق لهذا الفصل بالنسبة إلى كثيرين. لكن لسوء الحظ، لا يزال عدم الاستقرار مُستَمرًّا في جميع أنحاء البلاد، و”داعش” يتعافى ببطء، والأزمة الإنسانية تتدهور على أساس شهري.

في 28 نيسان (إبريل)، أصدرت وزارة الخارجية تقريرًا غير سرّي عن صافي الثروة المُقَدَّرة لبشار الأسد وأفراد عائلته، وخلصت إلى أن أصول أعضاء العائلة مجتمعة بلغت حوالي 1-2 مليار دولار. على الرغم من المعلومات المحدودة الواردة والاستشهاد المُتَكَرّر بـ”التقارير الإعلامية”، فإن استنتاجَ التقرير لا يبدو حتى قريبًا من الحقيقة. في الواقع، يقدّر التقرير نفسه ثروة رجل الأعمال السوري رامي مخلوف بـأنها “تتراوح بين 5 و10 مليارات دولار”، على الرغم من أن النظام استولى على أصوله الأكثر ربحًا قبل عامين. إن الفكرة بأن رجل أعمال من أيِّ مكانة يمتلك أصولًا مالية أكثر من عائلة الأسد مجتمعة، التي حكمت وهيمنت على الاقتصاد السوري لأكثر من 50 عامًا، هي فكرة غير منطقية.

إحدى القضايا المُهمة التي يبدو أن وزارة الخارجية الأميركية بالكاد خدشت السطح في تحقيقها هي أهمية تجارة المخدرات. إذا تمّ إجراء استطلاع حول قضايا تستحقّ الاهتمام المستمر في سوريا، فمن المرجح أن تتصدّر القائمة تحدّيات مثل “داعش” واللاجئين والمعاناة الإنسانية. على النقيض من ذلك، من شبه المؤكد أن تجارة المخدرات لن تظهر في أيِّ مكان؛ حتى أنها لم تُسَجَّل على الرادار العام. لكن وراء هذا النقص في الاهتمام، هناك حقيقة صارخة: لقد برزت سوريا في السنوات الأخيرة كدولة مخدرات ذات أهمية إقليمية وربما عالمية. بعد تدمير جُزءٍ كبير من البلاد، وشلّ الاقتصاد الوطني، وتحوّل النظام السوري إلى حالة منبوذة، أنشأ الأسد والمكوّنات الأساسية لأجهزته الأمنية مجمعًا صناعيًا سريًا لتصنيع المخدرات الشعبية المعروفة بالكابتاغون.

في العام 2020، صادرت سلطات إنفاذ القانون في جميع أنحاء العالم ما لا يقل عن 3.5 مليارات دولار من مادة الكبتاغون المصنوعة في سوريا – وهي مخدرات تزيد قيمتها عن أربعة أضعاف الصادرات السنوية القانونية لسوريا (800 مليون دولار) في ذلك العام. وفقًا لخبيرَين من خبراء الجريمة المنظمة، من المرجح أن الحجم الحقيقي لصادرات سوريا من المخدرات في ذلك العام كان خمسة أضعاف الكمية المضبوطة – أي ما يعادل 17.5 مليار دولار في العام 2020، أو 22 ضعفًا لإجمالي صادرات البلاد.

في العام 2021 ، تم ضبط ومصادرة ما يقرب من 6 مليارات دولار من الكبتاغون السوري الصنع في الخارج (ما يجعل التجارة الإجمالية السنوية المُقدَّرة 30 مليار دولار)، وفي نيسان (إبريل) 2022 وحده، تم اعتراض 25 مليون حبة كبتاغون في بلدان مجاورة لسوريا، والتي تُقَدَّر قيمتها في الشارع حوالي 500 مليون دولار. في الأردن، حيث يسافر الكثير من الكبتاغون السوري قبل التوجه إلى وجهاتٍ في الخليج، تقول السلطات إنه تم ضبط كمياتٍ من المخدرات على الحدود السورية في الربع الأول من العام 2022 وحده أكثر من العام 2021 بأكمله.

أصبح الكبتاغون، المعروف لدى البعض ب”كوكايين الرجل الفقير”، مُخدّرًا شائعًا في منطقة الخليج، وهناك علاماتٌ مُحتَملة على وصوله ودخوله السوق في جنوب أوروبا وشمال إفريقيا وحتى جنوب شرق آسيا. بالإضافة إلى تأثيرات الأمفيتامين النموذجية، يمكن أن تحتوي حبوب الكابتاغون أيضًا على موادٍ كيميائية تُحفّز الاضطرابات الذهنية العنيفة وتكون مُسَبِّبة للإدمان بدرجة كبيرة، ما يجعلها مخدرًا انتقاليًا متكررًا حتى أكثر من المواد الأكثر صلابة. إن حقيقةَ بأن إنتاج وتجارة الكبتاغون في سوريا قد نما بشكلٍ كبير في الحجم والوصول في السنوات الأخيرة يجب أن تجعله قضية تُثيرُ قلقًا دوليًا حادًا.

لكن في الواقع، ضغطت إدارة بايدن بنجاح في أواخر العام 2021 لمنع إدراجِ تعديلٍ في قانون تفويض الدفاع الوطني لعام 2022 الذي كان سيتطلّب منها تطوير استراتيجية لتحدي ومواجهة تجارة الكبتاغون السورية. الآن، يبدو أن الحجم الهائل لإنتاج النظام من المخدرات قد تم استبعاده تقريبًا من تقييمات الثروة الشخصية لعائلة الأسد.

يبدو أن غضَّ الطرف هو خيارٌ سياسي أفضل من الاضطرار إلى تحدّي ومواجهة مصدرٍ جديد لعدم الاستقرار ينبع من سوريا. في الأردن المجاور، والذي تضرّر بشدة من تهريب الكبتاغون، قاد الملك عبد الله الثاني سياسة إعادة التواصل مع النظام السوري، كل ذلك وسط اشتباكات دامية على حدوده وتزايد تجارة المخدرات. في الخليج، حيث يبدو أن الكبتاغون السوري أكثر تأثيرًا وانتشارًا، سعى البعض مثل الإمارات العربية المتحدة إلى التطبيع الكامل مع نظام بشار الأسد، ورحبت به شخصيًا في أبو ظبي.

ربطت التحقيقات العامة صناعة الكبتاغون في سوريا بقائمة طويلة من رجال الأعمال المُرتبطين بالنظام، بمَن فيهم أفراد من عائلة الأسد – معظمهم من ساحل البحر المتوسط ​​في سوريا، وكذلك في مدينتي حمص وحلب. على قمة هرم الكبتاغون، يوجد شقيق بشار الأسد ماهر، الذي كونه قائد الحرس الجمهوري سيئ السمعة والفرقة الرابعة، هو ثاني أقوى رجل في سوريا. وقد فرضت الولايات المتحدة على عدد قليل من المسؤولين السوريين، لكن غالبية المُنخرطين في هذه الصناعة لم تُفرَض عليها العقوبات لدورها في تجارة المخدرات عبر الوطنية. تتم إدارة تهريب المخدرات بشكلٍ مركزي من قبل الفرقة الرابعة وشريكها اللبناني “حزب الله”. وقد حدّدت المخابرات الأردنية وتعقّبت شحنات الكابتاغون التي تدخل وتخرج من مرافق الفرقة الرابعة، واعترضت عناصر من “حزب الله” الذين يُنسّقون عمليات التسليم.

النطاقُ الاستثنائي والآثار الأمنية لوضع سوريا الجديد كدولة مُخدّرات رئيسة هو سرٌّ مكشوف بين صانعي السياسة العاملين في سوريا، لكن القضية بالكاد تُسَجَّل عندما يتعلق الأمر بصنع السياسات أو البيانات العامة. هناك سببٌ بسيط لذلك: الاعتراف بالمشكلة سيخلق توقعًا سياسيًا لحلٍّ يجب تطويره وتنفيذه – وسيتطلّب ذلك عملًا مباشرًا ومستدامًا وعدوانيًا ضد نظام الأسد و”حزب الله”. تمامًا مثل تنظيم “داعش” في الأيام الماضية، يُعَدُّ الكبتاغون أحد الأعراض المزعزعة للاستقرار بشكلٍ كبير للأزمة السورية المستمرة، والتي هي في حدِّ ذاتها نتيجةً لإصرار الأسد على البقاء في السلطة في سوريا.

في عالمٍ مثالي، يرغب صانعو السياسة في الولايات المتحدة وأوروبا والشرق الأوسط في أن تظل سوريا بعيدة من الرادار وأن تصبح مشكلة المخدرات محلية يمكن احتواؤها ولا تتطلب القلق. لكننا لا نعيش في عالم مثالي، وطالما بقيت الأسباب الجذرية للأزمة السورية من دون معالجة، ستستمر التحديات التي تواجه الاستقرار الإقليمي والدولي. إن تجاهل إنتاج وتهريب عشرات المليارات من الدولارات من المخدرات هو سياسة خطيرة للغاية وغير أخلاقية.

  • تشارلز ليستر هو زميل أول ومدير برامج سوريا ومكافحة الإرهاب والتطرف في معهد الشرق الأوسط في واشنطن. يُركّز عمله بشكلٍ أساس على كل ما يتعلق بسوريا وعلى قضايا الإرهاب والتمرد عبر المشرق العربي. الآراء الواردة في هذا المقال هي آراؤه الخاصة. يمكن متابعته عبر تويتر على: @Charles_Lister
  • كُتِبَ هذا المقال بالانكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى