جبران باسيل و”حزب الله”: نهايةُ العلاقة المُربِحة للجانبين؟

مايكل يونغ*

في الآونة الأخيرة، وقَعَ حَدَثٌ يُمكنُ أن يقول الكثير عن اتجاهِ الانتخابات الرئاسية في لبنان التي ستجري في وقت لاحق من هذا العام. أقامَ الأمين العام ل”حزب الله”، السيد حسن نصر الله، مأدبةَ إفطارٍ دعا إليها إثنين من كبار المُرَشَّحين المُحتَملين لرئاسة الجمهورية اللبنانية، وهما مُتنافسان أيضًا: جبران باسيل، رئيس “التيار الوطني الحر”، وسليمان فرنجية، رئيس “تيار المردة” والسياسي المُقرَّب من عائلة الأسد الحاكمة في سوريا.

كانت دعوة نصر الله تهدفُ إلى خفضِ التوتّرات بين الرجلين في الفترة التي تسبق الانتخابات البرلمانية في 15 أيار (مايو). يعتقد “حزب الله” أنه إذا تمّ إبرامُ اتفاقٍ نووي مع إيران، فإنه سيُعزّز قوة طهران في المنطقة. لذلك، لا يريد أن يرى حليفيه المسيحيين البارزين يُقوّضان بعضهما البعض، الأمر الذي قد تكون له تداعيات سلبية على الآفاق الانتخابية الأوسع للحزب.

ومع ذلك، إذا كان هذا هو منطق “حزب الله”، فإنه ينطبق بالقدر عينه على الانتخابات الرئاسية. يسعى الحزب إلى تفادي الخلاف بين شريكيه، الأمر الذي سيجبره على الاختيار العلني بين الإثنين. وبدلًا، يحاول إيجاد حلٍّ للرئاسة من وراء الكواليس، وتشير تقارير غير مؤكّدة إلى أن نصر الله أخطر باسيل بأن الحزب لن يدعمه في هذه الانتخابات، لكنه سيدعمه في المرّة المقبلة بعد ست سنوات.

وسواء كانت هذه التقارير صحيحة أم لا، فمن المؤكّد أن “حزب الله” سيجد صعوبة في فرضِ إجماعٍ على رئاسة باسيل. بادئ ذي بدء، لن يكون لديه العدد الكافي من الأصوات البرلمانية لتأمين الأغلبية. (في لبنان، البرلمان ينتخب الرئيس). ولا يستطيع “حزب الله” إقناع حليفه الأساسي، الرئيس نبيه بري، بدعم باسيل، لأنّهما عدوّان سياسيان. أخيرًا، بما أن سوريا تدعم فرنجية، فإن “حزب الله” يُفضِّلُ تجنّب استعداء دمشق.

والأكثر فائدة، من خلال الوعد بتأييد باسيل في المستقبل، إذا تأكّد ذلك، فإن “حزب الله” سيُقيِّده في تحالفٍ للسنوات المقبلة، مع الحفاظ على تغطية من بعض المجتمع المسيحي. إن حرمان باسيل من الرئاسة الآن سيُسعِد أيضًا فرنجية، الذي كان يأمل في أن يصبح رئيسًا للجمهورية في العام 2016، لكنه اضطر إلى الانسحاب عندما دفع “حزب الله” لانتخاب ميشال عون والد زوجة باسيل بدلًا منه.

يقف باسيل على مُفترَقِ طُرُقٍ في حياته السياسية القصيرة نسبيًا. تعود مكاسبه كلها إلى حقيقة أنه حصل على مساعدة غير مشروطة من عون منذ العام 2005، وأن “حزب الله” كان على استعداد لمُسايرته كثيرًا لإسعاد الرئيس. لكن اليوم، بينما يستعد عون لترك منصبه، سيكون باسيل بمفرده قريبًا.

إذا كان باسيل يعتقد أن “حزب الله” سيُفضّل انتخابه رئيساً في وقت لاحق، فقد يُشكّل ذلك مشاكل له. فهو يخضع للعقوبات الأميركية بسبب مزاعم الفساد، ولكن أيضًا لأن واشنطن تعتبره مساعدًا بارزًا ل”حزب الله”. لذلك، من خلال بقائه قريبًا من الحزب، فإنه سيكون من الصعب رفع العقوبات، ما يُعقّد انتخابه في نهاية المطاف.

ثانيًا، حتى لو وعد “حزب الله” بدعمه بعد ست سنوات، فما قيمة هذا الوعد؟ عون في منتصف الثمانينات من عمره، وإذا رحل عن الساحة في السنوات المقبلة، فسيتعيَّن على باسيل إدارة الخلافات العديدة التي خلقها في حزبه بمفرده بدون مساعدة الرئيس التي كان يؤمّنها له في الخلافات الداخلية. إذا تآكل موقفه بين المسيحيين، فقد يميل “حزب الله” إلى إعادة النظر في موقفه.

يميلُ باسيل إلى أن يكون أسوأ عدوٍّ لنفسه. يُنظَرُ إليه على نطاقٍ واسعٍ على أنه جَشِعٌ وفاسدٌ ومُتَعَجرِف، وفي صعوده إلى السلطة أدّى إلى تنفيرِ معظم الفاعلين السياسيين اللبنانيين الرئيسيين. طالما أنه يتمتع بعلاقات جيدة مع “حزب الله” ودعم عون، فإن هذا الموقف مستدام. لكن الأمورَ تتغيّر، بينما باسيل لم يتغيّر.

لهذا ستكون الانتخابات البرلمانية ذات أهمية خاصة بالنسبة إليه. يسعى “حزب الله” إلى ضمانِ دعمٍ انتخابي كبير للمُرَشَّحين المدعومين من “التيار الوطني الحر”، لكن الحزب له وجود محدود في المنطقة التي سيترشّح فيها باسيل. إذا لم يستردّ مقعده، فستتضاءل فرصه الرئاسية، وكذلك الحال مع أيِّ ادّعاءٍ بأنه الممثل الرئيس للمسيحيين الموارنة.

في الوقت الحالي، من المُرجّح أن يتمسّكَ “حزب الله” بباسيل كحليف، لأنه يحتاج إلى زعيم في المجتمع الماروني. لكن هذا يخلق معضلة لباسيل. إذا كان يُنظر إليه على أنه يعتمد على الحزب، فإن مكانته ستنخفض، لأن العديد من المسيحيين غير مرتاحين للغاية بشأن سيطرة “حزب الله” على البلاد. وإذا نأى بنفسه عن “حزب الله”، فإن الكراهية التي أثارها لن تؤدّي إلّا إلى مزيدٍ من العزلة السياسية.

مشكلة باسيل أنه لا يُمثِّلُ أي شيء. رغبته في أن يصبح رئيسًا للجمهورية، والقيام بكل ما يلزم لتحقيق ذلك، حوّلت “التيار الوطني الحر” إلى امتداد لطموحه. لن يكون الطرف الأول الذي يُخضع حزبه لأهداف زعيمه، لكن في زمن الانهيار الوطني في لبنان، يتوق كثيرٌ من الناس إلى أفكار جديدة. ما يجدون في باسيل هو مجرد نسخة دافئة من النرجسية التي لا يحبونها.

  • مايكل يونغ هو رئيس تحرير “ديوان”، مُدوّنة برنامج كارنيغي الشرق الأوسط، بيروت، وكاتب رأي في صحيفة “ذا ناشيونال” الإماراتية. يُمكن متابعته عبر تويتر على:  @BeirutCalling
  • كُتِبَ هذا المقال بالإنكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى