الإتحادُ الأوروبي يَملُكُ الكثيرَ من الخياراتِ لاستِهدافِ النفط الروسي، ولكن هل يَستَخدِمها؟

مع بدءِ القوات الروسية هجومها على شرق أوكرانيا، هل يستهدفُ الاتحاد الأوروبي النفط الروسي للضغط على موسكو لإيقاف حربها المُدمّرة؟

الحرب الروسية على أوكرانيا: ستكون حافزًا على نمو الطاقة المتجدّدة في أوروبا

ثيس فان دي غراف*

من خلال حظرِ واردات الفحم الروسي بدءًا من آب (أغسطس) فصاعدًا، كسر الاتحاد الأوروبي أخيرًا “مُحَرَّمات الطاقة” التي كانت تكتنفُ مناقشاته حول فَرض عقوباتٍ على روسيا بسبب الحرب في أوكرانيا. ومع ذلك، فإن حظر الفحم لن يَضربَ الاقتصاد الروسي بشدّة. الآن، مع بدء القوات الروسية هجومها التالي في شرق أوكرانيا، يجب على أوروبا المضي قُدُمًا والتحرّك بسرعة نحو الإجراءات التي تستهدف واردات/ صادرات النفط الروسية، إذا كانت فعلًا تريد الضغط على موسكو لوقف الحرب.

كانت العقوبات الغربية التي تمَّ تبنّيها ضد روسيا منذ بداية الحرب في أوكرانيا غير مسبوقة من حيث الحجم والنطاق. لكنها كانت غير كافية كما يبدو. لم ينهَار الاقتصاد الروسي، بل انتعش الروبل إلى مستوى ما قبل الحرب. السبب الرئيس وراء فقدان هذه العقوبات ضد روسيا بصماتها إلى حدٍّ كبير هو أنها كانت تُعاني من نقطةٍ عمياء كبيرة: لم يتم استهداف صادرات الطاقة من روسيا إلى أوروبا.

كانت كندا والولايات المتحدة والمملكة المتحدة أول من قاطع واردات الطاقة الروسية في أواخر شباط (فبراير) وأوائل آذار (مارس). ومع ذلك، ظلت عقوباتها رمزية إلى حدٍّ كبير، ويرجع ذلك أساسًا إلى أنها لا تستورد الطاقة الروسية بكميات كبيرة. استوردت الولايات المتحدة أقل من 5 في المئة من نفطها من روسيا، والمملكة المتحدة منحت نفسها حتى نهاية العام لتنفيذ حظر واردات النفط الروسية وقالت إنها “تبحث” فقط عن خياراتٍ لإنهاء واردات الغاز الطبيعي من روسيا.

في غضون ذلك، كان الاتحاد الأوروبي، أكبر زبون للطاقة لروسيا، مُتردّدًا يجلس على الحياد إلى حدٍّ كبير. قبل الغزو، كان الاتحاد الأوروبي يشتري حوالي 45 في المئة من الغاز المستورَد، وحوالي ربع نفطه وما يقرب من نصف فحمه من روسيا. مع ارتفاع أسعار الطاقة والتضخّم فعليًا إلى مستويات قياسية، أبقى زعماء الاتحاد الأوروبي حتى الآن تجارة الطاقة خارج معادلة العقوبات، مع تردّد ألمانيا ودول الاتحاد الأوروبي الأخرى التي تعتمد بشكل كبير على الطاقة الروسية في اتخاذ أي قرارٍ في كل مرة يتم فيها مناقشة الموضوع.

تغيّرَ هذا الوضع مع اعتماد الإتحاد الأوروبي حزمة العقوبات الأخيرة في 7 نيسان (إبريل)، في أعقاب الكشف عن الفظائع التي ارتُكِبَت في مدينة بوتشا وأماكن أخرى في أوكرانيا. سيتمّ حظرُ الفحم الروسي من أسواق الاتحاد الأوروبي اعتبارًا من آب (أغسطس). علمًا أنه في كل يوم، بالأسعار الحالية، تدفع أوروبا لروسيا حوالي 16 مليون دولار مقابل الفحم الذي تستورده. ومع ذلك، فإن هذا المبلغ يتضاءل مُقارنةً بمدفوعات أوروبا للواردات اليومية من الغاز الطبيعي والنفط، التي تبلغ 436 مليون دولار وحوالي 500 مليون دولار، على التوالي.

ولكن عاجلًا أم آجلًا، سيصبح شراء النفط والغاز الروسي غير مُستدام سياسيًا وأخلاقيًا، ويتزايد الزخم لاتخاذِ إجراءاتٍ أكثر صرامةً ضد روسيا حتى في دولٍ مثل ألمانيا. وتقوم المفوضية الأوروبية بصياغةِ مُقتَرَحاتٍ بشأنِ فرضِ حظرٍ نفطي على روسيا. في حين أن هذه هي قضية أكثر إثارة للجدل بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، إلّا أنها قد توجه ضربة قوية للاقتصاد الروسي.

على عكس التصوّر العام، تكسب روسيا عادة حوالي خمسة أضعاف من النفط ومُشتَقّاته أكثر مما تكسبه من تصدير الغاز الطبيعي. وقد تغيّرت النسبة بسبب الارتفاع الاستثنائي في أسعار الغاز في أوروبا، لكن صادرات النفط لا تزال أكبر بقرة حلوب للربح بالنسبة إلى الكرملين. قبل الغزو، ذهب حوالي 60 في المئة من صادرات النفط الروسية إلى أوروبا.

على العكس من ذلك، فإن أوروبا أقلّ عرضةً للخطر عندما يتعلّق الأمرُ بفرضِ حظرٍ على النفط ضد روسيا مُقارنةً بحظر الغاز. ليس من السهل العثور على بدائل لواردات الغاز الروسي بسبب الحاجة إلى بنيةٍ تحتية مُحدَّدة لنقل الغاز، لا سيما خطوط الأنابيب أو الغاز الطبيعي المُسال والمحطّات والناقلات. علاوة على ذلك، قلّة من مصدّري الغاز لديها طاقة فائضة أو قادرة على زيادة الإنتاج في المدى القصير.

بالنسبة إلى النفط، القصة مختلفة. النفط هو أكثر قابلية للاستبدال، وهناك الكثير من الصدمات الناتجة عن الحظر المفروض على الواردات الروسية. على مدى الأشهر الستة المقبلة، ستفرج الولايات المتحدة وحلفاؤها عن حوالي 240 مليون برميل من مخزونات الطوارئ النفطية، أي ما يعادل حوالي مليون برميل يوميًا. يُعَدُّ هذا إلى حد بعيد أكبر إفراجٍ للمخزون في التاريخ، ويأتي بعد شهر واحد فقط من الإفراج السابق، عندما أفرج أعضاء وكالة الطاقة الدولية عن 60 مليون برميل من النفط خلال الأيام الأولى من الغزو.

قد يكون هذا الإفراج الضخم من المخزونات وسيلة للولايات المتحدة للضغط على المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، اللتين تمتلكان طاقة فائضة لزيادة إنتاجهما ولكنهما تباطأتا حتى الآن في القيام بذلك. كما امتنعت الإمارات عن التصويت الحاسم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لإدانة الغزو الروسي لأوكرانيا، في إشارة إلى أن أبو ظبي لم تعد تتبع نهج واشنطن في السياسة الخارجية. التزمت المجموعة الأوسع من دول “أوبك +” بزيادة إنتاجها، لكنها تكافح من أجل تلبية عودتها البطيئة بالفعل إلى مستويات الإنتاج قبل الوباء.

سوف يرتَفِعُ النفط الصخري الأميركي أيضًا، لكن شركات التكسير تخشى الإفراط في الالتزام، بسبب تحوّلها أخيرًا من إعطاء الأولوية للنمو في الإنتاج إلى إعادة الأموال النقدية للمستثمرين. كما أنها تواجه قيودًا على سلسلة التوريد، بما في ذلك نقص العمال والرمل. يُمكن للولايات المتحدة أيضًا زيادة إنتاج النفط العالمي بشكلٍ غير مباشر من خلال رفع بعض عقوباتها ضد دولٍ ثالثة، مثل إيران وفنزويلا. يمكن أن يصل النفط الإيراني إلى الأسواق قريبًا إلى حدٍ ما، إذا تمّ إحياء الاتفاق النووي متعدد الأطراف الذي من شأنه أن يرفع العقوبات الأميركية عن قطاع النفط الإيراني، ولكن لا يبدو تحقيق اختراق في هذه المحادثات وشيكًا. وبالمثل، قبل بضعة أسابيع، كان هناك بعض الحديث عن تخفيف العقوبات على حكومة الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، لكن هذا يبدو غير مطروح على الطاولة في الوقت الحالي.

أحد العناصر الحاسمة لجميع هذه الاعتبارات هو أنه يجب على الحكومات الغربية التركيز ليس فقط على جانب العرض لاستبدال الطاقة الروسية، ولكن أيضًا على جانب الطلب، من حيث الحفظ والكفاءة. اقترحت وكالة الطاقة الدولية خطة من 10 نقاط لتقليل استهلاك النفط، مع تدابير تشمل وضع حدودٍ للسرعة على الطرق السريعة/ الأوتوسترادات، وتعزيز النقل العام ومشاركة السيارات، وتنفيذ أيام الأحد الخالية من السيارات في المدن. لن تكون مثل هذه الإجراءات مُجرّد حاجزٍ آخر للتحرّر من الطاقة الروسية، ولكن أيضًا كوسيلةٍ للتخفيف من فواتير الطاقة المُرتفعة والمساعدة على تقليل الانبعاثات.

لا تزال أوروبا مُتردِّدة في فرضِ حظرٍ نفطي خوفًا من أن ترد روسيا وتقطع صادرات الغاز، حيث يكون الاتحاد الأوروبي أكثر عرضةً للخطر. لقد هددت روسيا بالفعل بقطع تدفّقات الغاز عبر “نوردستريم 1” وطالبت “الدول غير الصديقة” بدفع ثمن صادراتها من الغاز بالروبل الروسي. يريد الاتحاد الأوروبي تحقيق خفضٍ بنسبة الثلثين في وارداته من الغاز من روسيا بحلول نهاية العام، وهو بالفعل أمرٌ طموحٌ للغاية، لكنه لا يزال يتجنّب المقاطعة الكاملة للغاز.

إن فرضَ حظرٍ مُفاجئ ومُشترَك على النفط والغاز من شأنه أن يرسل موجات من الصدمات الاقتصادية في جميع أنحاء أوروبا وربما يدفع الاقتصاد الأوروبي إلى الركود. ومع ذلك، لا ينبغي أن يمنع هذا أوروبا من التصرّف، حيث أن الوقت ثمين وجرس الإنذار يدقّ لأوكرانيا، وهناك خياراتٌ أخرى لتجفيف عائدات تصدير النفط الروسي بدون اللجوء إلى حظرٍ شامل، والذي قد يكون من الصعب تحمّله بالنسبة إلى بعض الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.

يتمثل أحد البدائل للحظر النفطي الكامل في فرض تعريفة استيراد أو حدٍّ أقصى لسعر النفط الروسي. من الممكن أيضًا تحويل مدفوعات النفط الروسي إلى “حساب ضمان” (escrow account)، والذي سيظل مُجَمَّدًا إلى أن  يتوقف العدوان الروسي على أوكرانيا. كل هذه الخيارات ستحدّ من عائدات روسيا، من دون منع تدفق النفط إلى الاتحاد الأوروبي. لسوء الحظ، قام العديد من دول الاتحاد الأوروبي أخيرًا بتخفيض الضرائب على الوقود لحماية المستهلكين من ارتفاع الأسعار، داعمين بذلك جهود بوتين الحربية بشكل فعّال.

بعد أكثر من 50 عامًا من العلاقات القوية في مجال الطاقة، بدأ فصلٌ كبيرٌ في الطاقة يتكشّف الآن بين روسيا وأوروبا. قد يتطلّب هذا التحوّل تضحياتٍ قصيرة الأجل من أوروبا، لكن المكاسب المُحتَملة ضخمة، حيث ستواجه جهود الحرب الروسية في أوكرانيا رياحًا مُعاكسة كبيرة تمامًا مثل تحول الطاقة الخضراء في أوروبا.

  • ثيجس فان دي غراف هو أستاذ مشارك لسياسات الطاقة العالمية في جامعة غينت في بلجيكا. يمكن متابعته عبر تويتر على: @thijsvandegraaf
  • كُتِبَ المقال بالانكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى