الأردن يُعيدُ تَحريجَ واديه لمواجهة تغّيُّرِ المناخ

يستخدم علماء البيئة في الأردن بالتعاون مع المجتمعات المحلية عمليات التحريج لتحويل مساحات شاسعة من وادي الأردن إلى واحة خصيبة.

مشروع إيكوبارك: مرجع نموذجي للدمج المجتمعي والنمو الاقتصادي

زُوِي روبن*

تسعى المملكة الأردنية باستخدام عمليات إعادة التحريج  إلى مجابهة أضرار التغيّر المناخي، والتغلّب على التصحّر مع الحفاظ على التنوع البيولوجي، وكذلك إلى الحدّ من مشكلة تدهور النُظُمِ البيئية الطبيعية التي يتسبّب فيه تعدّي المزارعين ورعاة الأغنام على الموارد الطبيعية المحدودة للدولة، ما يُفاقم مشكلة حماية الأراضي المُشتركة والعامة.

تعتبر عمليات التحريج وإعادة التحريج من أهم الوسائل المستخدمة في مكافحة التغيّر المناخي. وبحسب مشروع “النظرة العالمية الشاملة لمناهج وتقنيات الحفظ والصيانة”،  يُعرف التحريج بأنه عملية غرس الأشجار أو زراعة الغطاء النباتي في أراضٍ لم تكن فيها غابات في الأصل، أما إعادة التحريج فهي زراعة الأشجار أو الغطاء الحرجي في أراضٍ كانت في الأصل غابية ثم تحوّلت إلى أراضٍ ذات استخدامات مغايرة. تندرج عمليات التحريج وإعادة التحريج تحت منظومة”الإدارة المُستدامة للأراضي” التي تهدف إلى مكافحة التصحّر واستعادة وترميم التربة المتدهورة والحفاظ على التنوع البيولوجي، وهي منظومة يتبنّاها كثيرٌ من الدول التي تعتمد مواردها على الزراعة بشكل رئيس وتكافح للحدّ من مخاطر التغيّر المناخي.

على الرغم من أن إعادة التحريج في الأردن قد تؤدي إلى تصاعد المواجهات بين الساسة والمزارعين بسبب القيود التي قد تفرضها الدولة على الرعي والزراعة، إلّا أن الحكومة الأردنية، إدراكًا منها للمخاطر الجسيمة الناجمة عن التغيّر المناخي، اعتبرت إعادة التحريج عاملًا رئيسًا في خطتها الوطنية للتكيّف مع التغيُّر المناخي لعام 2021.

في سابقةٍ فريدة من نوعها شرعت الحكومة بالتعاون مع منظمة “إكوبيس-الشرق الأوسط” على وضع هذه الخطة موضع التنفيذ وتخصيص قطاع من وادي الأردن لعمليات الاستعادة البيئية والاختبارات التقنية. بدأ الأردن بالفعل إعادة تحريج مساحات شاسعة من وادي الأردن من خلال مشروع منتزه الأردن الترفيهي “إيكوبارك” الذي حقق نجاحاتٍ مُبَشّرة تُنبئ بإمكانية استمرار وتنمية هذا النوع من المشاريع، وحثّ الحكومات المحلية في المناطق التي تُعاني من الجفاف على تبنّي هذا النموذج التعاوني للترميم البيئي.

تمكّنَ مشروع منتزه الأردن الترفيهي، منذ إنشائه في العام 2004، من تحويل الأراضي الجرداء في التلال الواقعة في مناطق الشمال الغربي للأردن إلى بيئة إيكولوجية مزدهرة وعامرة بالأشجار وذلك من خلال تقديم تقنيات ريٍّ رائدة، ووضع قيود حازمة على عمليات الزراعة والرعي في تلك المناطق.

يقول عبد الرحمن سلطان، نائب مدير مشروع “إيكوبيس- الشرق الأوسط” في الأردن: “من خلال منتزه إيكوبارك نسعى إلى ترويج نموذجٍ للاستدامة. أولويتنا هي استرداد الغابات والأنظمة البيئية الطبيعية. لا يمكن للأردن أن يستمر في إمدادنا بمتطلبات الحياة إن فقدنا أنظمتنا البيئية ومُناخنا ومياهنا. ما نحتاجه هو استعادة الأنظمة البيئية الطبيعية لنحافظ على استقرار الدولة”.

واجه مشروع المنتزه في بداياته مُعارضة قوية من المجتمعات المحلية المجاورة التي رفضت القيود الجديدة التي فُرِضَت على الرعي والزراعة. بحسب يحيى مبارك، وهو أحد الرعاة المحليين الذي يعمل حاليًا مع المشروع، فإن الرعاة والمزارعين من المجتمعات المجاورة قد اقتحموا المنتزه إِبّان إنشائه واقتلعوا أشجاره من جذورها تعبيرًا عن رفضهم وغضبهم، ولكن إدارة المنتزه تمكّنت من إقناع السكان بأهدافها ودمجهم في مهمتها لتفوز بدعمهم في النهاية.

تتذكّر إيناس حيشان، وهي واحدة من سكان المنطقة وتعمل حاليًا مع المنتزه، كيف بدأ التعاون بين إدارة المنتزه والمجتمعات المحلية المجاورة وتقول إن” القائمين على إنشاء المنتزه طلبوا منّا مساعدتهم على زراعة الأشجار وبعدها بدأنا العمل معاً على حماية الأرض”. وقد صاحَبَ إنشاءُ المنتزه ازدهارَ الحياة البيئية في المنطقة وتدفق غير مسبوق للسياح ما شجّع السكان على تقديم الدعم والاستجابة لمتطلبات المشروع.

ينتشر استخدام سياسات التحريج وإعادة التحريج في العديد من دول العالم مثل تونس وإسبانيا والإمارات التي استخدمت هذه الاستراتيجية البيئية لدفع الزحف الرملي وحماية البنية التحتية. لكن، وعلى الرغم من منافعها المُتعدّدة إلّا أن عمليات إعادة التحريج قد تستوجب النقد أحيانًا مثلما حدث في مشروع غابة ياتير التي تكلّفت إسرائيل في إنشائها المبالغ الطائلة والتي تشير الدلائل إلى أنها قد تسببت في الإضرار بالبيئة الصحراوية.

يتوجّب على العلماء مُستقبلًا التركيز على اختيار البيئات المناسبة لعمليات إعادة التحريج مثل منطقة الساحل في شمال أفريقيا وشمال أوستراليا باعتبارهما منطقتين يمكن أن تحقق فيهما هذه الاستراتيجية فوائد إيجابية كبيرة على المناخ العالمي من حيث تغيير أنظمة الرياح لإنتاج الأمطار التي ستساعد بدورها على نمو الغابات الطبيعية. وبينما يتطلّع العلماء وناشطو حماية البيئة في الأردن للعثور على أماكن جديدة لإعادة التحريج فإن مشروع إيكوبارك يجب أن يكون مرجعًا قيِّمًا ونموذجًا يُحتذى للدمج المجتمعي والنمو الاقتصادي.

  • زوي روبن هي باحثة مقيمة في العاصمة الأردنية عَمّان، حيث تعمل على تحلبل مبادرات الوكالة الأميركية للتنمية الدولية والاتحاد الأوروبي ومبادرات التنمية الأخرى. يمكن متابعتها عبر تويتر على: @zoe_robbin

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى