هل حانَ الوَقتُ لمَنحِ الحرس الثوري تَنازُلًا؟

حمّلت الولايات المتحدة الأميركية طهران مسؤولية التقدّم بطلبات لا صلة لها بالملف النووي، ومنها رفع الحرس الثوري من قائمة الإرهاب، وقالت أنه لا يمكن وصف محاولة الجمهورية الإسلامية رمي الكرة في ملعبها بالعمل “النزيه. ولكن هل الاتفاق النووي الإيراني أهم من رمزية قائمة الإرهاب؟

الحرس الثوري: يريد رفع اسمه عن قائمة الإرهاب الأميركية قبل أن يسمح بإحياء الاتفاق النووي

أنشال فوهرا*

على مدى الأسابيع القليلة الماضية، تَحوَّلَ الديبلوماسيون من القول بأن إحياء الاتفاق النووي الإيراني سيحدث في غضون أيام إلى الاعتراف بأنه من غير المؤكد تمامًا ما إذا كان سيتم إحياؤه على الإطلاق. بدأت المفاوضات في فيينا منذ ما يقرب من العام، ولكن الوقتَ جوهريٌّ بالنسبة إلى الغرب: في أقل من شهر، يُمكِنُ لإيران أن تمتلكَ اليورانيوم القادر على صنع قنبلة نووية. لكن إيران، المُستَشعِرةً بميزتها، إنخرطت في مساومات اللحظة الأخيرة.

بعدما سحب الرئيس السابق دونالد ترامب الولايات المتحدة من جانب واحد من الاتفاق النووي مع إيران، المعروف  ب”خطة العمل الشاملة المشتركة”، في العام 2018، بدأت إيران تخصيب اليورانيوم ورفع مستواه إلى 60 في المئة، وهو ما يقرب من عتبة ال90 في المئة المطلوبة لصنع أسلحةٍ نووية. الآن، وافقت إيران على إعادة تخصيب اليورانيوم إلى 3.67 في المئة، على النحو المُحَدَّد في الاتفاق الأصلي.

طالبت إيران بدورها الولايات المتحدة بأن تُعلِنَ رسميًا أن الحكومات الأميركية المُستَقبلية ستلتزم بالاتفاق، لكن هذا الطلب رُفِضَ بسرعة. كان الإيرانيون يشعرون بالقلق إزاء طول أمد مناقشات الصفقة في ظلِّ معارضة الجمهوريين لها. قال مايك بنس، نائب رئيس الجمهورية السابق أنه “إذا أُعيدَ إحياء الاتفاق سيُمزّقه الجمهوريون إذا عادوا إلى البيت الأبيض”. ومع ذلك، أفاد بعض التقارير أن إيران قد تلقّت تأكيدات بأنّ الاتفاق سيسمح لها تجنّب التدمير الكامل لأجهزة الطرد المركزي المتقدمة (على الرغم من أنه لم يتّضح بعد ما إذا كانت إيران ستفصل أجهزة الطرد المركزي هذه أو تفكّكها وترسلها إلى دولة ثالثة لحفظها).

بدا أن كلَّ شيء صار مُتّفَقًا عليه – تقريبًا كل شيء. ولكن بعد ذلك، فاجأت إيران المُجتمعين في فيينا بشرطٍ جديد عثّر الأعمال من خلال مطالبتها بأنها لن تَعقُدَ الصفقة حتى توافق الولايات المتحدة على إزالة الحرس الثوري الإسلامي من قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية التابعة لوزارة الخارجية الأميركية. هناك الكثير من الأسباب التي تدعو إلى الانزعاج والغضب من موقف إيران الديبلوماسي المُتشدّد – ولكن بالنظر إلى السياق الدقيق، فإن هذا تنازلٌ يجب أن تكون الولايات المتحدة مستعدة لتقديمه.

أصرّت إيران في الأصل على أنه لا ينبغي إدراج القضايا غير النووية في المحادثات التي تهدف إلى إحياء الاتفاق النووي. ووافقت إدارة بايدن على استبعاد العدوان الإقليمي الإيراني من خلال الميليشيات المختلفة التابعة لإيران وبرنامج الصواريخ الباليستية من المحادثات. وقد أُصيبَ حلفاءُ واشنطن التقليديون في الشرق الأوسط بخيبةِ أملٍ عميقة من هذا القرار. لذا، إذا رفعت واشنطن تصنيفَ الحرس الثوري الإيراني كمنظمة إرهابية، فسوف يُفسّرونه ويعتبرونه على أنه أكبر إهانة على الإطلاق.

وفرضت الولايات المتحدة الأسبوع الماضي عقوبات جديدة على كياناتٍ مُرتَبطة ببرنامج إيران للصواريخ الباليستية لتهدئة مخاوف حلفائها. علاوة على ذلك، أكّد كلٌّ من المبعوث الأميركي الخاص لإيران روبرت مالي ووزير الخارجية أنتوني بلينكِن أنه بغض النظر عن تصنيف الحرس الثوري الإيراني كمنظمة إرهابية، فإن الولايات المتحدة ستظل تعامله ككيان غير شرعي وأن مجموعة من العقوبات ستبقى على المنظمة التي تُعيقها من ممارسة الأعمال التجارية في الخارج.

لقد تمّ بالفعل فرض جميع أنواع العقوبات على المنظمة منذ العام 2007 والتي تمنع الشركات والبنوك الأميركية من التعامل مع الحرس الثوري الإيراني والكيانات التابعة له. تمت إضافة الحرس الثوري الإيراني إلى قائمة المنظمات الإرهابية فقط في العام 2019 تحت حملة الضغط الأقصى التي شنّها ترامب، لكن كان لذلك تأثيرٌ مَحدودٌ على قدرات الحرس الثوري الإيراني على إحداث فوضى في المنطقة. واصلت المنظمة دعم وكلائها في لبنان وسوريا والعراق واليمن، وتنقّلت بحرية في المنطقة على الرغم من تصنيفها على أنها إرهابية.

بالنظر إلى الضغوط الخارجية والداخلية لإبقاء الحرس الثوري الإيراني على قائمة الإرهاب، فإن شطبه ليس خيارًا جذابًا لأيِّ رئيسٍ أميركي. لكن التعاملَ مع إيران لم يكن أبدًا يتعلّق بخياراتٍ مُمتِعة وسارة. السؤال هو ما إذا كانت فوائد الصفقة النووية المُستعادة (قبل أن تُحقّق إيران إنتاج اليورانيوم الكافي لإنتاج قنبلة) تفوق تكاليف شطب الحرس الثوري الإيراني من قائمة الإرهاب.

يعتقد بعض الخبراء أنه نظرًا إلى أن الحرس الثوري الإيراني سيظل خاضعًا للعقوبات بموجب العديد من برامج العقوبات الأميركية الأخرى، فإن شطبه من قائمة الإرهاب ليس تنازلًا كبيرًا من قبل إدارة بايدن. وقال علي واعظ، مدير مشروع إيران في مجموعة الأزمات الدولية، إن التصنيف الإرهابي لم يكن له أي تأثير في تقليص العمليات المسلحة الهجومية للمنظمة في المنطقة. بدلًا من ذلك، وبعد فترة وجيزة من وضعها على القائمة، كثفت المنظمة هجماتها في المنطقة.

“في غضون أسابيع، كانت هناك هجمات إيرانية ضد الشحن التجاري. أُسقِطَت طائرة أميركية مُسَيَّرة. تبعها هجوم على أرامكو السعودية بعد بضعة أشهر. ووقعت هجمات متكررة على القوات الأميركية في العراق. من الصعب القول إن التصنيف قد فعل أي شيء للحد من نفوذ الحرس الثوري الإيراني؛ في الواقع، لقد رأينا الأمر يزداد جرأة”، قال واعظ.

تفيد التقارير إن إيران أكدت أنها ستلتزم بخفض التصعيد في المنطقة مقابل تنحية الحرس الثوري الإيراني ككيان إرهابي. لكن ليس هناك من يقين وثقة من أنها ستُنفّذ هذا الوعد، ما أدى إلى تحذيراتٍ من قبل البعض بأن تصنيف المنظمات الإرهابية الأجنبية يجب أن يتم رفعه فقط عندما يرفع الحرس الثوري الإيراني سيطرته على ميليشياته العميلة في الدول المجاورة التي تُهيمِنُ على الأنظمة السياسية المحلية وتجعلها رهينة نزوات إيران. ويوصي آخرون بضرورة الإعلان عن أيّ تعهّدات من جانب إيران.

“إذا كان الشطبُ من القائمة مُرتبطًا بالتزاماتٍ جديدة من قبل الجانب الإيراني –على سبيل المثال التأثير في ترسانة الصواريخ أو الأنشطة البحرية أو السلوك الإقليمي– فيجب توضيحها وإفشاؤها للجمهور لحرمان النظام الإيراني من أيِّ مجالٍ للتفسير”، قال فرزين نديمي، زميل مشارك في معهد واشنطن.

يبدو أن مُطالبةَ إيران بشطب الحرس الثوري الإيراني من قائمة الإرهاب تتعلّق بشكلٍ أكبر بإعطاء الرئيس الإيراني المتشدد إبراهيم رئيسي دفعةً لإرضاء حلفائه المحلّيين. تم تشكيل الحرس الثوري الإيراني في العام 1979 كوحدةٍ مُسَلَّحة للثورة الإسلامية وكُلِّفَ بحماية الطابع الديني للثورة. وقد قاتل في الحرب التي استمرت ثماني سنوات مع العراق في الثمانينات الفائتة، وتضاعف كقوة عسكرية محلية للمؤسسة الدينية. لا يزال الحرس الثوري الإيراني يخضع فقط للمرشد الأعلى للبلاد، حاليًا آية الله علي خامنئي.

على مدى السنوات الأربعين الماضية، عمل آيات الله على تعزيز وتمكين الحرس الثوري الإيراني لاستخدامه ضد القوى السياسية وقوى السوق المعتدلة في إيران للحفاظ على هيمنتهم. وفقًا لبعض التقديرات، فإن الحرس يسيطر على ما يقرب من ثلث الاقتصاد الإيراني، على الرغم من أنه من المحتمل أن يكون يسيطر على أكثر من ذلك بكثير. غالبية مساعيه وأعماله التجارية هي موضوع ذعر عام وتبقى سرّية. لقد تسلمت شركة البناء التابعة له الآلاف من عقود البناء المربحة من قبل الحكومة، وفازت بعروض مزورة لخصخصة قطاع الاتصالات، ويدير الحرس كل شيء من شركات التعدين إلى صناعة الألعاب عبر الإنترنت إلى المشتريات الممنوعة في البلاد. والأكثر إثارة للجدل، أنه سُمِحَ للحرس بدخول قطاع الطاقة الإيراني الثمين من قبل الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد، الذي سبق له أن خدم في وحدات المخابرات والأمن التابعة له.

لكن بالنسبة إلى الحرس الثوري الإيراني، فإن الشطب من قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية هي مسألة هَيبة وشرف، حيث يرى نفسه حاميًا لنظامٍ إسلامي في إيران وقوة من أجل الخير في المنطقة ضد الجهاديين السنّة. وتوافق المؤسسة الإيرانية بشكلها الحالي بشكل واضح على ذلك. في الواقع، نظرًا إلى قاعدة الدعم التي يتمتع بها الحرس الثوري الإيراني في المؤسسة السياسية والدينية الإيرانية، من الصعب تخيّل الدور الذي يمكن أن تلعبه العقوبات في إلحاق الضرر به بشكلٍ كبير. الطريقة الوحيدة لإضعاف المنظمة بشكل مستدام هي أن يكتسب المعتدلون الإيرانيون درجة أكبر من النفوذ على النظام السياسي بأكمله. ليس هناك الكثير مما يمكن للحكومة الأميركية فعله لتحقيق هذا الهدف في المدى القصير، وبالتأكيد ليس في سياق المفاوضات النووية.

لا يزال القتال حول مكانة الحرس الثوري الإيراني معركة أعصاب، ولم يتّضح بعد من الذي سيرف جفنه أولًا. لكن قد يكون من الحكمة أن يتنازل الغرب، لأن الوقت ليس في صالحه. إذا سمح الغرب لإيران بأسبوعين إضافيين أو شهر لمواصلة إحراز تقدم في تخصيب اليورانيوم، فيمكنه خسارة الصفقة بالكامل. لقد لخّص واعظ اللغز حول تصنيف الحرس الثوري الإيراني كمنظمة إرهابية كمسألة سخيفة: “إنه لا يساعد الولايات المتحدة، كما إنه لا يؤذي إيران”.

  • أنشال فوهرا هي كاتبة في “فورين بوليسي” ومراسلة تلفزيونية مستقلة ومُعلّقة حول الشرق الأوسط مُقيمة في بيروت. يمكن متابعتها عبر تويتر على: anchalvohra
  • يَصدُرُ هذا المقال بالعربية في “أسواق العرب” توازيًا مع صُدوره بالانكليزية في “فورين بوليسي”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى