ما الذي يمنع الإصلاح في العراق؟

يطمح مقتدى الصدر، الفائز الأكبر في الانتخابات الأخيرة، إلى تنفيذ تغييرات كبرى في العراق، لكن الحديث عن الإصلاح أسهل من تطبيقه.

الشعب في العراق ضد الفساد لكن النخبة السياسية تمنع الإصلاح للقضاء عليه.

مصعب الألّوسي*

لم تَعُد هشاشةُ العراق ومشاكله المُتفاقمة بالشيء الجديد، فقد شهدت البلادُ ثلاثَ حروبٍ مُدَمِّرة خلال ثلاثة عقود طويلة بالإضافة إلى عقوباتٍ دولية وحربٍ طائفية ونفوذٍ أجنبي.  بعد سقوط تماثيل صدام حسين، وجد العراق نفسه في وضعٍ أكثر صعوبة، حيث راهن البعض على تقسيم العراق إلى دول عدة على أساسِ انتماءاتٍ طائفية وعِرقية. وعلى الرغم من أن العراق خيب هذه التوقّعات، إلّا أنه لا يزالُ دولةً هشّة تتجه نحو الفشل.

لكن مقتدى الصدر، الزعيم الديني الشيعي الذي حصلت حركته على 73 مقعدًا من أصل 325 مقعدًا في الانتخابات الأخيرة، يَعِدُ بتغييراتٍ كبيرة. يريد الزعيم الشاب الابتعاد عن التقاليد السياسية في تشكيل حكومة وحدة وطنية بعد كل انتخابات، حيث تتشارك في الغنائم جميع الأحزاب التي تمثل طوائف العراق وأعراقه ودياناته. هذا النوع من الترتيبات السياسية هو أحد الأسباب الرئيسة للفساد والانقسام الاجتماعي. بدلًا من ذلك، يريد الصدر تشكيل حكومة أغلبية وطنية يمكنها البدء في تنفيذ الإصلاحات المُلحّة- بدءًا من السيطرة على الميليشيات الجامحة ومحاربة الفساد. إضافةً إلى ذلك، يسعى الصدر إلى كبح جماح النفوذ الخارجي من قبل دول مثل إيران، وتحييد العراق بخصوص الخلافات الإقليمية. لكن هل سينجح في مسعاه هذا؟

سيواجه الصدر تحدّيات كثيرة في جهوده من أجل مستقبلٍ أفضلٍ للعراق. حتى لو كان الصدر قادرًا على تشكيل حكومة أغلبية، فإن المزيد من التغيير سيكون معركة شاقة لأن الإصلاح في العراق مهمة شديدة الصعوبة تتطلب جهدًا هائلًا. علاوة على ذلك، قد تستغرق بعض جوانب هذا الإصلاح عقودًا.

العقبة الأولى التي سيواجهها الصدر هي ديمومة حكومته واستمراريتها. يجب أن تكون أي خطة تهدف إلى وضع البلاد على المسار الصحيح استراتيجية من حيث الرؤية، وتتضمّن موافقة معظم اللاعبين السياسيين. في العراق، تُعتَبَرُ التحالفات السياسية شديدة التقلب، والإجماعُ على السياسة أمرٌ نادر الحدوث، وسوف تقاوم الإصلاح بشدة شبكة من رجال الأعمال والميليشيات والسياسيين الذين يستفيدون من الفساد، هذا إذا تمكّن الصدر من وضع خطةِ إصلاحٍ مُناسِبة أصلًا. سبق وأن أعربت الميليشيات عن استيائها من نتائج الانتخابات ومحاولات تشكيل حكومة أغلبية، بل وهاجمت منزل رئيس مجلس النواب. وعلى الرغم من فوز الصدر بأغلبية الأصوات، فإن تشكيل الأغلبية والحفاظ عليها مع الأحزاب السياسية الأخرى أمرٌ محلّ شك في أحسن الأحوال.

عقبةٌ أخرى أمام حكومة الأغلبية التي يتزعمها الصدر تكمن في الحكم الصادر عن المحكمة الاتحادية العليا والذي ينصّ على أن نصاب أغلبية الثلثين مطلوبٌ لانتخاب الرئيس. وعلى الرغم من محاولات الوساطة، فإن الصدر غير قادر على حشد الأصوات المطلوبة لأن المرشحين الرئيسين للرئاسة من حزبَين مُختلفَين يرفضان التزحزح عن مواقفهما، ما يتسبّب في مأزقٍ سياسي. بالإضافة إلى ذلك، من غير المرجح أن تتخلّى إيران عن نفوذها في جارتها الشرقية. أرسلت طهران الجنرال إسماعيل قاآني، قائد فيلق القدس، لضمان مشاركة وكلائها في الحكومة، ما يُقلِّلُ من احتمال تشكيل الصدر لحكومة أغلبية.

علاوة على ذلك، يُشكِّلُ التضخّمُ في القطاع العام الذي سيرثه الصدر عقبةً رئيسة أخرى. عملت الحكومة، بسياساتها الشعبوية على مدى عقود، على التوظيف في القطاع العام، ما أدى إلى تضخم البيروقراطية إلى ما هو أبعد من الأرقام المقبولة. تستحوذ الحكومة العراقية على 40 في المئة من جميع الوظائف، وهي نسبة كبيرة جدًا من العمالة مُقارنةً بالدول الأخرى. هذه الاستراتيجية غير مُستدامة إلى حدٍّ كبير لأن المزيد والمزيد من الشباب العراقي يدخلون سوق العمل كل عام. يُعتَبَرُ العراق واحدًا من أصغر المجتمعات سنًّا في العالم، حيث يُشكِّلُ المواطنون تحت سن 25 عامًا نحو 60 في المئة من سكانه. ومع ذلك، تصل نسبة البطالة بين الشباب حاليًا أكثر من 25 في المئة. تتفاقم مشكلة البطالة هذه بين الشباب لأن عدد الأشخاص الذين يدخلون سوق العمل سنويًا يفوق عدد الوظائف المُتوَفِّرة. ويُذكَرُ ضمن العوامل المُحَفِّزة لارتفاع معدل البطالة اعتماد العراق على عائدات النفط حيث يُشكّل النفط أكثر من 90 في المئة من عائدات الحكومة، ما يعني أن هناك حاجة إلى تحوّلٍ اقتصادي كبير لدعم القطاع الخاص بحيث تُوفَر مزيد من فرص العمل للشباب، إضافة إلى أن إغراء الشركات الدولية للاستثمار في العراق يتطلّب الاستقرار والعمالة الماهرة – والبلاد تفتقر إلى كليهما.

تكمن مشكلة نقص الأيدي الماهرة إلى عدم تمكين النظام التعليمي من إعداد الطلاب جيدًا بما يكفي للتنافس على الوظائف على المستوى العالمي حيث يسير التعليم في العراق في مسار تنازلي منذ عقود. لم تَستَعِد الدولةُ قط تفوّقَها في التعليم بعد حرب الخليج في العام 1991 وتدهورت الظروف أكثر بعد الغزو الأميركي في العام 2003. هناك ما يقرب من 3.2 ملايين طفل عراقي خارج المدرسة، ونصف المدارس في البلاد مُتضَرِّرة وتحتاج إلى الترميم وإعادة التصميم. يعمل العديد من المدارس بنظام الفترتين، كما انخفض عدد المُعلِّمين المؤهلين بشكل مثير للقلق. وهذا لا يشكل مفاجأة لأن موازنة التعليم قد انخفضت بشكل مطرد على مرِّ السنين، والعراق في أسفل قائمة دول الشرق الأوسط من حيث الاستثمار في التعليم. وبدون تعليم مناسب، يصبح الأطفال عرضة للاستغلال من قبل الجماعات المسلحة والشبكات الإجرامية وعمالة الأطفال وزواج الأطفال.

على الرغم من بعض الجوانب الإيجابية لانتخابات العام 2021، مثل الفوز بأصوات مستقلة في العديد من المحافظات العراقية وخسارة الأحزاب السياسية التقليدية ذات الأجنحة المسلحة، إلّا أن طريق إصلاح العراق لا يزال وعرًا. الأزمة الحالية في العراق كانت في طور الإعداد لعقود من الزمن، وهي لا تتطلّب خطة طويلة الأجل فحسب، بل تتطلّب أيضًا جهودًا دؤوبة تشمل فهمًا عميقًا للمشكلات المعقّدة، والمتغيّرات المتعددة التي يواجهها العراق. من المشكوك فيه أيضًا أن يتمكّن الصدر من إقناع خصومه السياسيين بضرورة الإصلاح. لسوء الحظ، في الوقت الحالي، سيستمر العراق في مساره التنازلي لأنه يفتقر إلى النخبة السياسية المسؤولة والمُستَعِدّة لتنحية خلافاتها جانبًا لصالح المصلحة العامة.

  • مصعب الألوسي حاصل على درجة الدكتوراه من كلية فليتشر في جامعة تافتس الأميركية. تُركّز أبحاثه على العراق وإيران والجماعات المسلحة الشيعية. وهو مؤلف كتاب “إيديولوجية حزب الله المتغيرة”. يمكن متابعته عبر تويتر علىmalaloosy@

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى