كَيفَ ومَن ولِمَن سيُصوِّتُ الأرمن في لبنان؟

في ظل التحدّيات التي تُواجه لبنان والمجتمع الأرمني، كيف يمكن للأرمن أن يصوّتوا في انتخابات أيار (مايو) المقبل في لبنان؟

كتلة “نواب الارمن” الأمين العام لحزب الطاشناق هاكوب بقرادونيان وهاكوب ترزيان وألكسندر ماطوسيان: هل تعود؟

أراز بيدروس*

في 15 أيار (مايو) المقبل، من المقرر أن تجري في لبنان انتخابات نيابية. ما هو موقف الأرمن اللبنانيين من التصويت؟ هل يشعرون بالارتباط الكافي للمُشاركة، وهل لديهم أي أمل أو رغبة في رؤية تغييرٍ في الأحزاب التي هيمنت تقليديًا على مجتمعهم؟

يُقدَّر العدد الإجمالي للناخبين الأرمن رسميًا بـ106,476 ناخبًا، مُقَسَّمين بشكلٍ أساسي بين 86,163 ناخبًا من الأرمن الأرثوذكس و20,313 ناخبًا من الأرمن الكاثوليك. في الانتخابات الأخيرة لعام 2018، شارك 28 في المئة فقط من الناخبين المُسَجَّلين. وفي المناطق التي يسكنها العديد من الأرمن، مثل بيروت، صوّت 10,800 فقط من أصل 44,703. وفي قضاء المتن في جبل لبنان، شارك 10,400 من اصل 31,839 ناخبًا. بينما في زحلة، فقد صوّت فقط 3,000 من أصل 10,000 ناخب مُسَجَّل.

بشكلٍ عام، يُمكِنُ تقسيم الناخبين الأرمن إلى ثلاثِ فئات. تتكوَّن الأولى من أولئك المُرتَبِطين بقوّة بالأحزاب الأرمنية الرئيسة. وهم يميلون إلى الخوف من التغيير، وحتى عندما يسعون إلى الابتعاد من الأحزاب، فإنهم يخشون مما قد ينتج عن ذلك. قد يعني هذا السلوك أنهم محرومون من المساعدة والخدمات الصحية التي تُقدّمها المنظمات الاجتماعية الأرمنية. وهؤلاء الناخبون يعتقدون بأنه إذا لم يتم انتخاب مُرشّحي الحزب، فإن ذلك سيؤثر سلبًا في الهوية واللغة الأرمنيتين، ما يُضعف مجتمعهم. يعيش معظم هؤلاء الناخبين في أحياء أرمنية تُديرها الأحزاب السياسية الرئيسة.

أعرب أحد الناخبين في حي برج حمود ذي الغالبية الأرمنية، وهو سائق سيارة أجرة، عن مثل هذه النظرة في تعليقاته: “سيكون تصويتي لمن يُقرّره حزبي. كان الحزب بجانب الشعب الأرمني لفترة طويلة. أين ستقف الجالية الأرمنية بدون حزب قوي؟ نعتقد أن ما يريده الحزب هو الأفضل للأرمن اللبنانيين”.

تتكوّن فئةٌ ثانيةٌ من الناخبين الأرمن من أولئك الذين كانوا في السابق داعمين للأحزاب الرئيسة، لكنهم رأوا في ما بعد فسادهم العميق الجذور والتلاعب السام بسياسات الهوية للبقاء في السلطة. شارك العديد من هؤلاء الناخبين في انتفاضة 17 تشرين الأول (أكتوبر) 2019، على أمل تغيير نموذج الحكم في لبنان. عندما لم ينجح ذلك، لم تُرحّب الأحزاب بعودتهم. وبدلًا من ذلك، قرروا الانضمام إلى مجموعات المجتمع المدني.

ما دفع هؤلاء الناخبين هو أسئلة الأجيال والرغبة في التغيير. وكما وصف أحد الناخبين، هراتش سورمينيان، مدير صيانة: “صوتي لن يذهب إلى الأحزاب الأرمنية التقليدية، التي لم تعد تُمثّل طموحات الشباب. نشعر بالاشمئزاز من رؤية الوجوه نفسها. نحن بحاجة إلى التغيير والأفكار الجديدة والمُرشّحين الجُدد الذين يُمكنهم أن يُصبحوا قادة الغد”.

ومع ذلك، فإن القوائم الانتخابية التي شكّلتها منظمات المجتمع المدني ستُعاني من عدم وجود روابط عميقة مع المجتمع الأرمني. ولن تتمكن، لسوء الحظ، بأن تكون بديلًا من الأحزاب الرئيسة، التي تم تأسيسها غالبًا قبل قرن من الزمان وكان لها تأثيرٌ كبير في الأرمن بسبب مشاركتهم العميقة في نضالات المجتمع بعد الإبادة الجماعية في 1915-1917.

تتكون الفئة الثالثة من الناخبين من أولئك الذين يعيشون خارج الأحياء الأرمنية والذين يرتبطون بقوّة بمجتمعهم، لكنهم لا ينتمون إلى أيِّ أحزابٍ سياسية ولا يؤمنون بمُرشَّحي المجتمع المدني. يتمتع هؤلاء الناخبون بإحساسٍ قوي بأنهم لبنانيون وهم على دراية كاملة بالتهديدات المحتملة على المجتمع الأرمني في حالة انتخاب المرشحين الخطأ. تنبع عدم قدرتهم على التعامل مع مجموعات المجتمع المدني من وعيهم بأنهم لا يستطيعون مساعدة الأرمن في لبنان بالطريقة نفسها التي يمكن للأحزاب أن تساعدهم، وأن مثل هذه المجموعات لا تريد العمل مع الأحزاب على أيِّ حال.

وقد عبّرت مارلين سالبشيان، أخصائية الرعاية الصحية، عن هذا الموقف بشكلٍ أفضل. لديها ابنتان تدرسان خارج لبنان، وعندما سُئلت عما إذا كانت ستُشارك في الانتخابات المقبلة، كانت إجابتها: “لماذا أُضَيِّعُ وقتي بالتصويت وأنا أعلم أنه سيتم انتخاب المُرَشَّحين أنفسهم. إذا اضطررت إلى التصويت، فسأصوّت فقط ضد مرشحي المجتمع المدني، الذين لا يعرفون شيئًا عن النضال الأرمني والذين لا يمكنهم حتى إلقاء خطاب باللغة الأرمنية”.

من ناحية أخرى، كان لانفجار مرفإِ بيروت في 4 آب (أغسطس 2020) تأثيرٌ كبيرٌ مُحتَمَلٌ في اتجاه تصويت الأرمن. لقد دمّر الانفجار العديد من المناطق التي يعيش فيها الأرمن، منها مار مخايل وبرج حمود والأشرفية. وقد هزّ هذا الانفجار المجتمع الأرمني، ودمّر أو أضرّ بما يقدر بنحو 1500 شركة ومتجر أرمني، وأكثر من 3,000 منزل. اختار العديد من أفراد الطبقة الوسطى، الذين كانوا يُعانون أصلًا من الانهيار الاقتصادي في لبنان منذ العام 2019، الهجرة بدلًا من إعادة البناء. بالنسبة إلى أولئك الذين بقوا، قدمت الأحزاب الأرمنية الرعاية الاجتماعية وجمع التبرعات المنظمة. وقد أدى ذلك إلى تقوية الأحزاب الرئيسة. ولكن حدث شيءٌ آخر سار في الاتجاه عينه: تغيّرت قوائم التصويت مع مغادرة أشخاصٍ كثيرين للبلاد، لكن لم يتم تحديثها من قبل الدولة. من المرجح أن يكون هذا في صالح الأحزاب الرئيسة، التي يُمكن أن تكسب من خلال تأمين تصويت الناخبين الغائبين بطريقة غير مشروعة.

تُشيرُ الأرقام من انتخابات 2018، وحقيقة أن المزيد من الأرمن يغادرون لبنان، إلى أن المجتمع الآرمني يختفي ببطء. بشكل غير رسمي، تشير التقديرات إلى أن عدد الأرمن اللبنانيين اليوم لا يزيد عن 55,000 نسمة، مُقارنةً بـ156,000 في العام 2018. وتشير هذه الديناميكيات إلى أن هناك احتمالًا كبيرًا أن الأحزاب التقليدية ستستمر في الهيمنة على المجتمع، حتى مع استمرار عدد الناخبين الأرمن، الذين كانوا نقطة قوية للأحزاب الرئيسة، في الانخفاض. وهذا يثير تساؤلات حول ما إذا كان يمكن للأحزاب أن تظل مؤثرة في عملية تصويت الآرمن ككل كما كانت.

  • أراز بيدروس هي مساعدة برامج في مركز كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت. نجحت أخيرًا في إقناع البرلمانيين اللبنانيين بتقديم مشروع قانون إلى مجلس النواب من شأنه أن يُخصّص يوم 24 نيسان (أبريل) يومًا لإحياء ذكرى الإبادة الجماعية للأرمن في العام 1915، فضلًا عن حالات القتل الجماعي الأخرى التي حدثت في المنطقة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى