تَغَيُّرُ المَناخِ قد يُدَمِّرُ الشرق الأوسط، فكيف يجب على الحكومات التعامل معه؟

خلصت ورقة بحثية أعدّتها جامعة ستانفورد، حول مدى تأثير تغير المناخ على مخاطر الصراع المسلح، إلى أن الجفاف والفيضانات والكوارث الطبيعية والتحوّلات المناخية الأخرى قد أثرت في ما بين 3 في المئة و 20 في المئة من الصراعات على مدى القرن الفائت.

التصحر يهدد المنطقة العربية ويُهدد اقتصاداتها

رانج علاء الدين*

تُعَدُّ منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من بين أكثر الأماكن عرضةً لتغيّر المناخ في العالم. سلّطت الأمم المتحدة الضوء على الخسائر المُدَمِّرة التي سيُحدِثها تغيّر المناخ على إمدادات المياه وأنظمة إنتاج الغذاء في المنطقة، وقُدرَته على خلقِ بيئةٍ خَصبةٍ للإرهاب والتطرّف العنيف. ولن ينجو من ذلك أيّ بلد: تواجه دول الخليج الغنية نفادَ موارد المياه العذبة في غضون الخمسين عامًا المقبلة، بينما في العراق الذي تمزّقه الصراعات، يرتفع متوسّط درجات الحرارة بمعدل مرتين إلى سبع مرات أسرع من المتوسط العالمي. وفي المشرق العربي تواجه أنظمة إنتاج الغذاء والمياه إنهيارًا وشيكًا.

لقد بدأ تغيّرُ المناخِ بالفعل مُفاقَمَةَ الهشاشةِ في البلدان الغارقة في الصراع أو التي تمرّ بمرحلةٍ انتقالية بعد الصراع، والبلدان التي تُكافِحُ للتعامل مع تأثير تزايد عدد السكان الشباب، والقطاعات العامة المُتضَخِّمة، وأسعار النفط المُتَقَلِّبة، والحَوكَمة الضعيفة، وتداعيات الوباء. ستساهم الأزمة في انتشار الجماعات المُسَلَّحة، وتكثيف النزاعات على الموارد الطبيعية، وتسهيل استقطاب المنظّمات المُتطرّفة للمُجنَّدين. لمعالجة المشكلة، يجب على الحكومات التعامل مع تغيّر المناخ باعتباره قضية تتعلّق بالسياسة العامة، وهو تهديدٌ مُرتَبِطٌ بمجموعةٍ من التحدّيات الأخرى التي تتضافر لخلقِ تأثيرٍ مُضاعَف.

وهذا يتطلب جُهدًا مُتجدّدًا لتقديم الخدمات، وتحقيق التوازن بين المظالم الاقتصادية قصيرة المدى وبين الضرورة الحتمية طويلة المدى لتدابير التقشّف وإصلاحات الحَوكمة الرشيدة، وفي نهاية المطاف بناء القدرة على الصمود حتى لا يزدهر العنف والإرهاب بسهولة. قد يستمر النسيج الاجتماعي للدول الأكثر ضعفًا في التآكل، لكن هذا لا يعني أن الحكومات لا تستطيع إنشاء آلياتِ استجابةٍ لإبطاء دوّامة الانحدار.

مشكلةُ ندرة المياه

على الصعيد العالمي، وصل متوسط ​​هطول الأمطار إلى مستوياتٍ قياسية جديدة على مدى العقود الثلاثة الماضية، وفقًا للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيّر المناخ، التي قالت في العام 2014 أن الأمن البشري سيتعرّض للتهديد التدريجي مع ارتفاع درجات الحرارة، وأعادت تأكيد تهديد النزاعات الناجمة عن المناخ في تقريرها لعام 2022. في الشرق الأوسط، تُعَدُّ ندرة المياه مشكلة كبيرة أصلًا – فهي منطقة تضم 12 من أكثر 17 دولة تُعاني من نقص المياه في العالم وفقًا لمعهد الموارد العالمية. التوقّعات مُقلقة: يُقدّرُ البنك الدولي أن ندرة المياه المُرتبطة بالمناخ ستُكلّف دول الشرق الأوسط ما بين 6 في المئة و 14 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي بحلول العام 2050، بسبب الآثار المرتبطة بالمياه على الزراعة والصحة والدخل.

تُشيرُ هذه العلامات الحمراء بالفعل إلى تداعياتٍ خطيرة في المدى القريب على الاستقرار الوطني والإقليمي، بما في ذلك الاضطرابات الجيوسياسية. تُسيطرُ تركيا على أكثر من 90 في المئة من المياه التي تصبّ في نهر الفرات، و 44 في المئة من تلك التي تصبّ في نهر دجلة. ومع ذلك، فقد اتُّهِمَت أنقرة بتسليح إمدادات المياه في الوقت الذي تُكافِحُ الصراع في سوريا والاضطرابات الجيوسياسية. منذ كانون الأول (ديسمبر) 2020، قطعت تركيا سدودها ومنعت تدفّق نهر الفرات إلى الدول المجاورة مثل العراق بنسبة 60 في المئة، ما أدّى أيضًا إلى نقص الغذاء والطاقة في سوريا. وقد نتج عن ذلك تفاقم أزمة المياه في العراق، والتي قد تؤدي إلى فقدان ما لا يقل عن سبعة ملايين شخص إمكانية الوصول إلى المياه.

وبالمثل، قلّصت سدود المنبع في إيران من تدفق مياه روافد نهر دجلة، ما أدّى إلى قطع التدفّق في نهر ديالى في شمال شرق العراق. وقد فقدت بحيرة حمرين، مصدر المياه الرئيس لمحافظة ديالى العراقية، المُتاخِمة لإيران، ما يقرب من 70 في المئة من مياهها، ما أدّى إلى وقوع المحافظة في كارثة إنسانية وبيئية.

في الواقع، يُهدِّدُ تَغيّرُ المناخ كل دولة في المنطقة. لقد حذّرت مجموعات إغاثة بأن أكثر من 12 مليون شخص في العراق وسوريا سيفقدون المياه والغذاء والكهرباء بسبب ارتفاع درجات الحرارة وانخفاض معدل هطول الأمطار. ويجتاح التصحّر المنطقة في العراق وسوريا والأردن وإيران. وارتفعت تكلفة المياه في الأردن بنسبة 30٪ خلال العقد الماضي بسبب نقص المياه الجوفية. كما أن دول الشرق الأوسط الأكثر ثراءً مُعرَّضة هي الأخرى للخطر. خارج البلدان الهشّة في المنطقة، تتمتع الإمارات العربية المتحدة بأعلى معدل استهلاك للفرد من المياه في العالم، لكنها تُخاطر باستنفاد موارد المياه العذبة في الخمسين عامًا المقبلة بسبب النمو السكاني وزيادة استخدام المياه المنزلية.

تأثير الدومينو للأزمات المناخية

يُمكن أن يكون لتغيّر المناخ تأثيرٌ مُدمِّرٌ على الأمن ونسيج المجتمعات من خلال تأجيج الانقسامات الاجتماعية والاقتصادية وتقويض الثقة في المؤسسات العامة. وأفضل تلخيص للمشكلة هو الأزمات المترابطة التي تتضافر لخلق تأثير الدومينو للمشاكل على المستوى المحلي والوطني والجيوسياسي. يبدأ ذلك بمؤسسات الدولة الضعيفة وينتهي بمساحات غير خاضعة للحكم تزدهر فيها الجماعات المسلحة المتطرفة والمؤسسات الإجرامية، ما يؤدّي إلى النزوح الداخلي للسكان ونزوح جماعي للاجئين الذي يضمن عدم بقاء أيّ بلد في المنطقة وخارجها بمنأى عن المشكلة.

تُجبِرُ ندرة المياه والفقر الناس على الهجرة إلى البلدات والمدن ذات الكثافة السكانية العالية بحثًا عن عمل ووظائف، ما يفرض المزيد من التكاليف والضغوط على البنية التحتية المُثقلة بالأعباء. لقد ثبت منذ فترة طويلة الصلة بين أزمات المناخ والاضطرابات الاجتماعية نتيجةً للهجرة المناخية. تُعزى الحرب الأهلية في سوريا إلى الجفاف الذي استمرّ خمس سنوات والذي ضرب البلاد في العام 2007، من بين عوامل أخرى. لقد أنتج الجفاف فقرًا غير مسبوق، ما مهّد طريق الهجرة إلى أطراف المدن الرئيسة في سوريا، والتي كانت أصلًا مُثقلة بالنمو السكاني. أدّى تدفق اللاجئين وما نتج عنه من ضغوط على البنية التحتية السيئة إلى ظهور مظالم عميقة الجذور كانت أساسية في انتفاضة 2011.

إن فشل الدولة، والهجرة غير المُنضَبطة، والأماكن غير الخاضعة للحكم، تُمكِّن بشكل مباشر الجماعات المسلحة والإرهابيين الذين يتغذّون من ضعف الفقراء لزيادة صفوفهم. يمكن أن يتقاطع تدهور البنية التحتية نتيجة سوء الإدارة، والكثافة السكانية، وارتفاع التكاليف لخلق أوضاعٍ يُصبِحُ من الصعب تحمّلها بالنسبة إلى السكان المحليين، لا سيما في فصل الصيف عندما تؤدّي درجات الحرارة الحارقة ونقص الأمطار إلى فشل المحاصيل ومحدودية الوصول إلى المياه والكهرباء. وقد تجلّى هذا في الاحتجاجات والاضطرابات على مستوى المنطقة، بما فيها الاحتجاجات التي هزّت النُخَب الحاكمة من إيران إلى لبنان.

تغيّرُ المناخِ وزيادةُ مخاطر نشوب صراعٍ مُسَلَّح

التوتّرات الجيوسياسية –مثل الخلاف بين العراق وتركيا وإيران حول بناء السدود التي تُقيِّد تدفّق المياه– والسياسات التي تستخدم إمدادات المياه كسلاح، تزيد من احتمالات نشوب صراع. في غضون ذلك، أظهرت الجماعات المُسلّحة مثل تنظيم “داعش” قدرة ملحوظة على استخدام البنية التحتية للمياه كسلاح من خلال السيطرة على البنية التحتية للمياه في سوريا والعراق لاكتساب الشرعية أو مُعاقبة الأعداء والمجتمعات الخاضعة لسيطرة التنظيم؛ في بعض الحالات، فرض ضرائب على الوصول إلى المياه. في وقتٍ من الأوقات، سيطر التنظيم على سد الطبقة، الذي يُوفّر 20 في المئة من الكهرباء في سوريا ويزوّد خمسة ملايين شخص بالمياه.

خلصت ورقة بحثية أعدّتها جامعة ستانفورد، حول مدى تأثير تغيّر المناخ على مخاطر الصراع المُسلّح، إلى أن الجفاف والفيضانات والكوارث الطبيعية والتحوّلات المناخية الأخرى قد أثرت في ما بين 3 في المئة و 20 في المئة من الصراعات على مدى القرن الفائت. من المرجح أن تكون الاستجابة لأزمات المناخ في الدول الهشّة ضعيفة وبطيئة، كما أن تراجع الثقة في النخب السياسية التي تلي ذلك يجعل من السهل على المُتَشَدّدين التنافس على الدولة. قام بعض الجماعات، مثل الميليشيات الشيعية في العراق أو الميليشيات في سوريا، بتأسيس مزايا جغرافية حيث سيطرت على إمدادات المياه على حساب الجماعات الأخرى، وخلقت ظروفًا سياسية وأمنية محصلتها صفر –وفي بعض الحالات مؤكّدةً الخصومات العرقية والطائفية– التي حدّدت صراعاتٍ داخل الدول على الموارد النادرة بشكل متزايد. وفقًا للدراسة البحثية، سينتج واحد من كلِّ أربعة صراعات داخلية عن تغيّر المناخ.

ماذا يجب على الحكومات أن تفعل؟

يجب على حكومات الشرق الأوسط إعادة ضبط كيفية اتخاذ القرارات بشأن التهديدات المُتعلّقة بالمناخ، مع مراعاة الآثار القصيرة والطويلة الأجل للأزمة. على سبيل المثال، لا يزال الدفع نحو الرقمنة في المنطقة في مراحله الأولى –فقد أصبحت الإمارات العربية المتحدة رائدة، حيث يتطلع آخرون مثل إقليم كردستان العراق إلى أن يحذو حذوها– علمًا أن لديها القدرة على تقليل الانبعاثات والنفايات. يُقدّرُ المنتدى الاقتصادي العالمي أن التقنيات الرقمية يمكن أن تُخفّض الانبعاثات العالمية بنسبة 15 في المئة. ستُوفّر الرقمنة للمؤسسات في الشرق الأوسط نطاقًا تردّديًا أكبر لمكافحة التحديات الاجتماعية والاقتصادية التي يمكن أن ينتجها تغيّر المناخ أو يؤدي إلى تفاقمها. ثانيًا، وكجُزء من هذه العملية، يجب على الحكومات الإقليمية والدولية والمؤسسات متعددة الأطراف والقطاع الخاص زيادة التمويل للبحوث المتعلقة بالمناخ في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، والتي تتضاءل حاليًا مُقارنةً بالموارد الممنوحة للمؤسسات في الغرب.

سيُكافح تغيّر المناخ لإيجاد طريقه إلى قمة جداول الأعمال الوطنية حتى يتم تحديده على أنه نزاعٌ ومُضاعِفٌ للمخاطر، بدلًا من مجرّد مشكلة أخرى يجب إضافتها إلى القائمة المتزايدة للقضايا التي تواجه المنطقة. كمُضاعِفٌ، فإنه يخلق احتمالية حدوث اضطراب من شأنه أن يفرض معاناة لا توصف على منطقةٍ غارقةٍ أصلًا في أزماتٍ اجتماعية واقتصادية واضطرابات اجتماعية والتطرف العنيف والإرهاب. يمكن أن يؤدي الاستثمار في البحث والوعي إلى إحداث تحوّلٍ ثقافي داخل الحكومة والمجتمع يسمح بإعادة مُعايَرة مناهج إصلاح القطاع العام والتي تُعدّل استراتيجيات الحكم الرشيد لتشجيع وتمكين الابتكارات التي تُخفّف من التحديات المتعلّقة بالمناخ.

  • رانج علاء الدين هو زميل غير مقيم في برنامج السياسة الخارجية في معهد بروكينغز. وهو أيضًا مدير مجلس الاستجابة للأزمات ومشروع مؤسسة كارنيغي في نيويورك الذي يُركّز على بناء السلام في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. يمكن متابعته عبر تويتر على: @RanjAlaaldin

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى