الغزو الروسي لأوكرانيا يَضَعُ الهند في مَقعَدٍ ساخن

في ظل ما يحصل في أوكرانيا يتطلّع الغرب كما روسيا إلى موقف الهند من الحرب الدائرة، بعدما امتنعت عن التصويت في الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي على قرارين يُدينان الغزو الروسي لأوكرانيا.

فلاديمير بوتين و ناريندرا مودي: إلى متى تدوم الصداقة بين بلديهما؟

حسين حقّاني وأبارنا باندي*

منذ الغزو الروسي لأوكرانيا، خضعت الهند -التي هي حاليًا عضو غير دائم في مجلس الأمن الدولي- للتدقيق لامتناعها مرّات عدّة عن التصويت في مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة للقرارات التي تنتقد عدوان روسيا. وبدلًا من ذلك، أصدرت البعثة الهندية في الأمم المتحدة بيانًا دقيقًا في توازنه يدعو إلى “الوقف الفوري للعنف” في أوكرانيا، بدون إدانة الغزو الروسي علنًا – وهي خطوة لم تُرضِ شركاءها الغربيين ولا روسيا.

الواقع أن الحربَ الروسية-الأوكرانية تضع الهند في موقفٍ صعب. من ناحية، تريد الهند تجنّب استعداء الولايات المتحدة، الشريك القديم الذي تربطها به علاقات مُتعدّدة الأوجه ومُتعَمِّقة. من ناحية أخرى، تتطلّب التوترات المستمرة مع باكستان والصين من الهند الحفاظ على علاقتها مع روسيا، التي تُعَدُّ واحدة من المُوَرِّدين الرئيسيين للأسلحة والمعدات الدفاعية لنيودلهي.

على الرغم من أن إدارة بايدن تجنّبت الإدلاء بأيِّ انتقادٍ علني بالنسبة إلى موقف الهند بشأن أوكرانيا، إلّا أن خيبة أملها بالنسبة إلى رفض نيودلهي المُتكرّر في إدانة تصرّفات الرئيس فلاديمير بوتين واضحة. لقد حدّد المسؤولون الأميركيون الهند كشريكٍ مَوثوقٍ للولايات المتحدة في استراتيجية واشنطن في المُحيطَين الهندي والهادئ لمواجهة الصين، ومن الواضح أنهم توقّعوا المزيد من الهند في ضوء التوافق الاستراتيجي الناشئ.

بعد وقتٍ قصير من الاجتماع الافتراضي الأخير لقادة الحوار الأمني ​​الرباعي (أو الرباعية) – الذي يضمُّ الولايات المتحدة والهند واليابان وأوستراليا- في 3 آذار (مارس)، صرّح كيرت كامبل، مُنسِّقُ سياسة البيت الأبيض لمنطقة المُحيطَين الهندي والهادئ، أنه بينما تتفهّم الولايات المتحدة “علاقة نيودلهي التاريخية طويلة الأمد مع روسيا”، كان هناك أملٌ في أن “تتحرّك الهند في اتجاهنا”.

كما أشار ديريك شوليت، كبير مستشاري السياسة لوزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكِن، في مقابلةٍ أُجرِيَت معه أخيرًا، إلى أن الولايات المتحدة تأمل في أن تمارس الهند “نفوذها على روسيا لحملها على تغيير مسارها”.

لكن هذا الأمر غير مُرَجَّحٍ لأسبابٍ عدة. غالبًا ما يُجادِلُ الخبراء وصناّع السياسة الهنود بأن قادة الولايات المتحدة لا يفهمون العوامل الجغرافية التي تقود الحسابات الاستراتيجية للدول الأخرى، ربما لأن أميركا تتمتّع بميزة طبيعية عندما يتعلق الأمر بالجغرافيا، مع عدم وجود تهديدات على حدودها البرية أو البحرية المباشرة. على النقيض من ذلك، يجب على الهند إدارة التوترات المستمرة مع قوتين مسلحتين نوويًا على حدودها، مع الصين في الشمال وباكستان في الغرب.

لذلك يجب فهم موقف نيودلهي المتوازن الحالي بشأن الحرب في أوكرانيا في سياق الدور الذي لعبته موسكو تاريخيًا في مساعدة الهند على مواجهة كلٍّ من الصين وباكستان. ظهرت موسكو كمُوَرِّدٍ رئيس للأسلحة للهند خلال الحرب الباردة، عندما كان الغرب مُتردّدًا في مشاركة التكنولوجيا مع الهند، وساعد الاتحاد السوفياتي في بناء القاعدة الصناعية للهند، وبخاصة في قطاع الدفاع.

لا تزال روسيا واحدة من أكبر مُورّدي الأسلحة للهند، ولا يزال 70٪ من الترسانة العسكرية الهندية من أصل روسي. بين العامَين 2016 و2020، شكّلت روسيا 49 في المئة من واردات الهند من الأسلحة، والتي مثّلت بدورها 23 في المئة من إجمالي صادرات الأسلحة الروسية. كما عرض المُصنِّعون الروس أيضًا أفضل أنظمة للأسلحة الخاصة بهم على الهند عندما تردّدت الشركات الأميركية فعل ذلك.

على سبيل المثال، حين درست الهند لأول مرة شراء نظام الدفاع الصاروخي الروسي “أس-400″، كانت الولايات المتحدة بطيئة في اقتراح بديلٍ مُماثل. وعندما عرضت واشنطن على الهند في نهاية المطاف أنظمة دفاع صاروخي عالية الارتفاع (THAAD)، وأنظمة الدفاع الصاروخي “قدرات باتريوت المتقدمة” (Patriot Advance Capability)، أو (PAC-3)، بلغ ثمنها 15 مليار دولار. وقد انتهى الأمر بالهند إلى دفع ثلث ذلك المبلغ لروسيا عندما انتهت من صفقة “أس -400” في العام 2018، مُخاطِرةً بفرض عقوبات أميركية عليها بموجب قانون مكافحة خصوم أميركا من خلال العقوبات، “كاتسا” (CAATSA)، لقيامها بذلك.

وبالمثل، عندما خطَّطت الهند لتحديث قوّتها الجوية، كان خيارها المُفضَّل هو الجيل التالي من مقاتلات “أف-35” (F-35) الأميركية الصنع. لقد شعرت بخيبة أمل عندما كان كل ما كانت واشنطن على استعداد لتقديمه هو طائرة “أف-16” الأقدم. بدلًا من ذلك، إشترت نيودلهي طائرات مقاتلة رافال من فرنسا.

في هذه الحالات وغيرها، كان عدم رغبة واشنطن في نقل التكنولوجيا حجر عثرة رئيس في العلاقات العسكرية مع الهند. والتكلفة كانت عاملًا آخر.

إن قيمة التجارة الدفاعية الهندية مع الولايات المتحدة بالدولار، والتي ارتفعت من الصفر تقريبًا في العام 2008 إلى 20 مليار دولار في العام الفائت، تفوق الآن بكثير المعدات العسكرية التي تستوردها من روسيا. وبينما تُحاوِلُ الهند تحديثَ أنظمة أسلحتها وطائراتها، فإنها ستجد التكنولوجيا الروسية أقل استحسانًا من البدائل الأميركية والفرنسية والإسرائيلية.

لكن في غضون ذلك، تظلّ المعدات الروسية الرخيصة واستعدادها لمشاركة التكنولوجيا جذّابة وسط عملية الاستحواذ الدفاعية الهندية التي تجدها الشركات الغربية مَتاهة.

بصرف النظر عن حاجة الهند إلى الحفاظ على علاقتها الأمنية مع روسيا، هناك اعتبارات استراتيجية أخرى تلعب دورها في موقفها الحالي من الحرب في أوكرانيا. بينما تستيقظ الولايات المتحدة الآن على احتمالية المُنافسة بين الأقران مع الصين، فإن الهند نظرت دائمًا إلى الصين على أنها تهديد. ومن مصلحة الهند ضمان عدم وقوف موسكو إلى جانب بكين في الخلافات بينها وبين الصين.

هذا الحبل الديبلوماسي الدقيق ليس بالأمر الجديد على الهند. كجُزءٍ من رغبتها في الحكم الذاتي الاستراتيجي، غالبًا ما حافظت نيودلهي على علاقات متزامنة مع دولٍ مُعادية لبعضها البعض – إيران وإسرائيل، على سبيل المثال، وكذلك إيران ودول الخليج العربي. يمكن الآن إضافة روسيا والولايات المتحدة إلى تلك القائمة.

وليست هذه هي المرة الأولى التي تحاول فيها الهند تجنّب الانحياز إلى أيِّ طرفٍ في النزاعات، فقد فعلت ذلك عندما غزا الاتحاد السوفياتي المجر في العام 1956 وأفغانستان في العام 1979. وحتى في العام 1990، عندما غزا الديكتاتور العراقي صدام حسين الكويت، تجاهلت نيودلهي طلبات الكويت بأن تُدينَ “أمة الهند العظيمة” الغزو ورفضت الذهاب إلى أبعد من “شجب” هذه الخطوة.

لم تكن الهند تريد إغضاب صدام حسين رُغم القضية الأخلاقية والقانونية ضد اعتدائه. كان العراق أحد مُورّدي النفط الرئيسيين للهند وسوقًا رئيسةً للصادرات الهندية في ذلك الوقت، وقد دعم الهند بدلًا من باكستان في نزاع كشمير في منظمة الدول الإسلامية. حتى أن وزير الشؤون الخارجية آنذاك، إندير كومار غوجرال، صُوِّرَ وهو يُقبّل صدام في بغداد في آب (أغسطس) 1990، بعد وقت قصير من بدء الغزو العراقي للكويت.

لقد استغرقت نيودلهي سنواتٍ لإصلاح الضرر الذي أحدثه موقفها من غزو الكويت لعلاقات الهند مع دول الخليج العربي. يبدو أن الديبلوماسيين الهنود مُستعدّين، مرة أخرى، للمخاطرة بإلحاق الضرر بعلاقات نيودلهي مع أوكرانيا والحكومات الأوروبية والولايات المتحدة، من بين دول أخرى، من خلال سياستهم الحالية تجاه روسيا.

لكن في حين أن مَيلَ نيودلهي نحو الجلوس على السياج قد يكون تباينًا في عدم الانحياز خلال الحرب الباردة، إلّا أنه من الصعب بشكلٍ مُتزايد الحفاظ عليه بسبب شراكة الهند الاستراتيجية المُتطورة مع الولايات المتحدة. وخلافًا لعلاقات الهند مع أميركا، فإن علاقات الهند مع روسيا ليست مُتعدّدة الأوجه. لا يوجد شتات هندي في روسيا يُضاهي مثيله في الولايات المتحدة، والتجارة الثنائية، التي تبلغ 11 مليار دولار مع روسيا، تتضاءل بالمقارنة مع تجارة الهند مع الولايات المتحدة والتي تبلغ 146 مليار دولار. علاوة على ذلك، على الرغم من الخطاب حول نيودلهي والشراكة الإستراتيجية ذات الامتيازات الخاصة لموسكو، هناك القليل من التشابه في مواقف الهند وروسيا بشأن معظم القضايا الإقليمية والدولية، في حين أن رؤية الهند لأمن المحيطين الهندي والهادئ تتماشى بشكل وثيق مع الولايات المتحدة.

على الرغم من أنها تمكّنت من الحفاظ على علاقاتها مع موسكو حتى الآن، إلّا أن نيودلهي ستجد صعوبة في الاستمرار في تحقيق التوازن للمضي قدمًا. بينما تصطف الديموقراطيات في العالم ضد غزو بوتين لأوكرانيا، ستواجه الهند ضغوطًا أكبر للانضمام إلى العالم الديموقراطي أو تفقد مكانتها مع شركائها الغربيين.

  • حسين حقاني هو مدير منطقة جنوب ووسط آسيا في معهد هدسون، وقد شغل منصب سفير باكستان لدى الولايات المتحدة من 2008 إلى 2011. يمكن متابعته عبر تويتر على: @husainhaqqani. ودكتور أبارنا باندي هي مديرة مبادرة معهد هدسون حول مستقبل الهند وجنوب آسيا. يمكن متابعتها عبر تويتر على: @Aparna_Pande
  • كُتِبَ هذا المقال بالإنكليزية وعرَّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى