100 سنة على بيانو وديع صبرا

هنري زغيب*

من المصادفات السعيدة أَن يَصلَني هذا الأُسبوع كتابُ الباحثة زينة صالح كيالي “وديع صبرا مؤلِّفًا موسيقيًّا” (320 صفحة بالفرنسية حجمًا وسَطًا، عن منشورات غوتنر – باريس، في سلسلة “أَعلام موسيقيُّون من لبنان”).

سعادة ذلك أَنه يصادفُ نهارَ الخميس المقبل: الذكرى المئوية (10 آذار/مارس 1922 – 10 آذار/مارس 2022) لإِطلاق “بـيانو وديع صبرا” في صالة “بلايال” ( Pleyel) الباريسيَّة للعُرُوض الموسيقية، أَمام نُخبة خبراء موسيقيين يتقدَّمهم أَلفْرد بْرونو (المفتش العام لدى دائرة الفنون الجميلة وتعليم الموسيقى، ممثلًا وزير التعليم العام). وبعد أُسبوعين (23 آذار/مارس) كانت أُمسية موسيقية أُخرى برفقة البيانو الجديد على مسرح دونكان Duncan، أَدَّت خلالها مقطوعاتٍ من وديع صبرا المغنيةُ الشهيرةُ فترتئذٍ ليلى بنت قيس.

بعودة وديع صبرا إِلى بيروت، كانت أُمسية في 22 حزيران على مسرح الوسْت هول (الجامعة الأَميركية) بمرافقة نسخة لبنانية من بيانو وديع صبرا نفَّذَها زميلُه المؤَلِّف الموسيقي بشارة فرزان، تَلتْها أُمسية بيروتية أُخرى على مسرح التياترو الكبير. وامتحت الصحافة اللبنانية حدَثًا نجمُهُ “البيانو العربي” الذي “بفضل مخترعه وديع صبرا أَمكَن أَن يُصدرَ أَنغامًا من التراث العربي والفولكلور اللبناني”. ومثْلها الصحافة الفرنكوفونية، فكتبَت “الريفاي”: “اخترع وديع صبرا آلةً تؤَدِّي جُزَيئَات المسافات بين الأَنغام، ما لم تستطعه آلةٌ بعدُ حتى اليوم”. ولاحقًا كتبَت مجلة “دليل الكونشرتو”: “للمرة الأُولى تَبرز المقامات الشرقية على هذه الآلة” (باريس 9 آذار/مارس 1923).

هذا الحدَث بفرادته حثَّ الجنرال غورو على كتابة رسالة إِلى وديع صبرا (18 تموز/يوليو): “أَيُّها الفنان المبدع: نجحْتَ فنيًّا وآليًّا في جمْع التراثَين الشرقي والغربي، وحقَّقْتَ باختراعك رمزَ الوحدة بين قلوب البلدَين: فرنسا ولبنان”. وكان رئيس المجلس النيابي حبيب باشا السعد كتب في 15 حزيران 1922 رسالة إِلى وديع صبرا يضع فيها إِمكانات الدولة في تصرُّفه لمواصلة أَبحاثه. غير أَن تلك الــ”إِمكانات” (كعادة الدولة حيال المبدعين اللبنانيين وهي في غيبوبة عنهم) بقيَتْ حبرًا على ورقة في محفوظات وديع صبرا الذي لم يلاقِ اختراعُه الفريد أَيَّ دعم رسمي، فبقيَ مجرَّد تجربة أَفاد من تقْنيتها بعدذاك في الخمسينات عبدالله شاهين لوضع پيانو يؤَدِّي رُبع الصوت صمَّمه في لبنان ونفَّذه في فيينا.

الشاهد من كلّ هذا الأَعلاه: تذكيرٌ بهذا المبدع اللبناني الذي يُعرَف عنه غالبًا (لا عمومًا) أَنه ملحِّن قصيدة رشيد نخلة للنشيد الوطني (1927)، ونادرون مَن يعرفون أَنه مؤَسس “دار الموسيقى اللبنانية” سنة 1910 (في حي الصنائع أَوَّلًا ثم في زقاق البلاط) بدأَها للبنات (ما كان جريئًا يومها) وأَنشأَ لها مسابقةً جائزُتها الأُولى بيانو بلايال، والثانية مبلغ 2000 فرنك فرنسي تقدمة صديقه الرسَّام جورج قرم واضع أَول بورتريه له. وبعد توقُّف “الدار” في الحرب ثم انطلاق مؤَسسات “لبنان الكبير”، صدر القرار 4721 في 19 آذار/مارس 1929 بتحويل اسم “الدار” إِلى “المعهد الموسيقي الوطني” برئاسة وديع صبرا.

أَما عدا هذا الأَعلاه من “غالبًا” و”النادرين” فليس مَن يعرف أَن وديع صبرا مؤَلِّف أَعمال بين أُوبرا وأُوبريت ومقطوعات موسيقية، وأَنه أَصدر في بيروت مجلة “موزيكا” (شهريةً بالفرنسية)، وأَنه ترأَّسَ البرنامج الموسيقي في “راديو الشرق” منذ تأْسيسه (3 أَيلول/سبتمبر 1938)، وهو ما بات إِذاعة لبنان الرسمية.

في الذكرى السبعين لغياب هذا المبدع المؤَسِّس (1876-1952)  نتذكَّره كي لا يَغرق في النسيان رسميًّا وشعبيًّا.

خاتمة سوداء: قبل أَشهر شاهدتُ في برنامج تلفزيوني نائبًا لبنانيًّا سأَلَتْهُ المذيعة عن مُلحِّن النشيد الوطني اللبناني فأَجاب بكل ثقةٍ وانشراح: “تلحين الأَخوين فليفل”.

  • هنري زغيب هو شاعر، أديب وكاتب صحافي لبناني. وهو مدير مركز التراث في الجامعة اللبنانية الأميركية. يُمكن التواصل معه عبر بريده الإلكتروني: email@henrizoghaib.com أو متابعته على موقعه الإلكتروني: henrizoghaib.com أو عبر تويتر: @HenriZoghaib
  • يَصدُر هذا النص في “أَسواق العرب” (لندن) تَوَازيًا مع صُدُوره في “النهار” (بيروت).

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى